في الوقت الذي يستعد فيه قادة العالم لقمة عالمية أخرى للمناخ (COP30 في البرازيل في تشرين الثاني/نوفمبر المقبل)، لا تزال سماء غزة وأوكرانيا وغيرها من المناطق التي مزّقتها الحروب مليئة بدخان القنابل والوقود وغبار الخرسانة. ورغم عقود من الدبلوماسية المناخية، لا يزال أثر الكربون الناجم عن النزاعات المسلحة غائباً عن الأجندات الرسمية.
تُعدّ الجيوش من بين أكثر المؤسسات استهلاكاً للطاقة على مستوى العالم. فقد استهلكت وزارة الدفاع الأميركية وحدها في عام 2017 نفطاً أكثر من العديد من الدول، حيث انبعث منها 59 مليون طن من ثاني أوكسيد الكربون - وهو ما يُضاهي انبعاثات السويد أو سويسرا. ومع ذلك، تُعفي اتفاقية باريس الانبعاثات العسكرية من الإبلاغ الإلزامي.
وفقاً لمرصد الصراعات والبيئة في المملكة المتحدة، فإن النشاط العسكري العالمي مسؤول عن 5.5 في المئة من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري. وإذا ما عومل هذا كدولة، فسيحتل المرتبة الرابعة بعد الصين والولايات المتحدة والهند.
كيف تُضخّم الحروب والأسلحة الانبعاثات العالمية؟
إن الأثر البيئي للحروب الحديثة هائل. مثلاّ، يُصدر انفجار صاروخ توماهوك واحد حوالي 800 كيلوغرام من ثاني أوكسيد الكربون. وتستطيع الطائرات المقاتلة، مثل إف-15، حرق 6000 ليتر من الوقود في الساعة، مُطلقةً أكثر من 15 طن من ثاني أوكسيد الكربون - أي أضعاف ما تُطلقه سيارة في عام واحد.
أسبوع واحد من القصف العنيف، كما في حرب العراق أو غزة 2023، يُمكن أن يُعادل انبعاثات 100,000 سيارة ركاب سنوياً. وقد قدّرت دراسة تكاليف الحرب التي أجرتها جامعة براون أن الحروب التي قادتها الولايات المتحدة منذ عام 2001 قد أضافت 1.2 بليون طن من ثاني أوكسيد الكربون - وهو ما يُعادل انبعاثات اليابان السنوية.
يكشف الصراع بين إسرائيل وغزة عن آثار بيئية صادمة
بين تشرين الأول (أكتوبر) 2023 و كانون الثاني (يناير) 2025، أطلقت حرب إسرائيل وغزة ما يُقدر بـ1.89 مليون طن من مكافئ ثاني أوكسيد الكربون:
* 50% من الغارات الجوية والأسلحة الإسرائيلية
* 20% من إنتاج الأسلحة ووسائل النقل العسكرية
* 130 ألف طن من الديزل المستخدم في غزة بعد تدمير أنظمة الطاقة الشمسية
* 70 ألف شاحنة مساعدات إنسانية مسؤولة عن 40 في المئة من الانبعاثات المتعلقة بالخدمات اللوجستية
* تحتوي غزة الآن على 37 مليون طن من الأنقاض التي تلوّث المياه الجوفية والتربة. كما قد تضيف إعادة بناء القطاع باستخدام المواد التقليدية 30 مليون طن أخرى من الانبعاثات، متجاوزةً بذلك إنتاج نيوزيلندا السنوي.
حرب روسيا وأوكرانيا وأثرها الكربوني طويل الأمد
منذ عام 2022، ولّد غزو روسيا لأوكرانيا 230 مليون طن من مكافئ ثاني أوكسيد الكربون، وهو ما يُضاهي انبعاثات بلجيكا. في عام 2024 وحده:
* حرائق الغابات المرتبطة بالحرب أتت على 92,100 هكتار
* أطلقت الحرائق 25,8 مليون طن من ثاني أوكسيد الكربون
* تسبب تحويل مسارات الطيران في 14,4 مليون طن من الانبعاثات الزائدة
* أضافت الهجمات على مواقع الطاقة 2,1 مليون طن
كما أدى خرق سدّ كاخوفكا عام 2023 إلى فيضانات في مصبات الأنهار وإطلاق نفايات صناعية. وتسرب 6000 طن من المازوت من ناقلتي نفط روسيتين إلى البحر الأسود، مما ألحق أضراراً بالغة بالحياة البحرية.
إرث الحرب: ڤيتنام، رواندا، حرب الخليج وما بعدها
تُقدم الصراعات التاريخية تذكيرات صارخة بالدمار البيئي:
* استخدمت حرب فيتنام 73 مليون ليتر من المواد الكيميائية المُزيلة لأوراق الأشجار، مما أدى إلى تقليص مساحة أشجار المانغروف في البلاد إلى النصف.
* شرّدت الحرب الأهلية الرواندية 750 ألف شخص إلى الغابات، وأزالت 195 كيلومترات مربعة من المساحات الخضراء.
* أطلقت حرائق حرب الخليج 500,000 طن من الملوّثات يومياً.
* تسببت حرب إسرائيل ولبنان (2006) في تسرُّب 15,000 طن من النفط في البحر المتوسط.
التداعيات البيئية تتجاوز ساحة المعركة
تغطي مناطق التدريب العسكري ما بين 5 و6 في المئة من سطح الأرض. وقد أدّت أكثر من 2000 تجربة نووية منذ عام 1945 إلى تسميم النظم البيئية. ويزيد نزوح اللاجئين (114 مليون شخص) من الضغط على النظم البيئية المضيفة، مما يؤدي غالباً إلى زيادة الصيد الجائر وإزالة الغابات.
يؤثر الصراع المسلح على 615 نوعاً مهدداً بالإنقراض، وهو عدد يفوق بكثير ما تشير إليه قائمة الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة. ويستهلك التحضير للحرب - من بناء المركبات واختبار الأسلحة والحفر - موارد هائلة حتى قبل بدء القتال.
كيف يؤثر استخدام الأراضي العسكرية وعادات الوقود على المناخ
غالباً ما تقع القواعد العسكرية في مناطق هشة بيئياً، حيث يُجرّد الغطاء النباتي، وتُضغط الأراضي، وتبقى الملوّثات الناتجة عن التدريبات لعقود. على الصعيد العالمي، تصل نسبة الأراضي المملوكة أو المستخدمة من قبل المنشآت العسكرية إلى 6 في المئة.
تدير الجيوش أساطيل ضخمة: فالجيش الأميركي وحده يشغّل أكثر من 13,000 طائرة و800 سفينة. وفي عام 2017، أنفقت القوات الجوية الأميركية ما يقرب من 5 بلايين دولار على الوقود، وهو مبلغ يفوق إجمالي ميزانيات الانبعاثات في العديد من الدول.
تصنيع الأسلحة والتخلُّص منها يزيد من التكلفة البيئية
يُعدّ إنتاج الأسلحة كثيف الكربون. فمثلاً، تتطلب الطائرات النفاثة مثل طائرة إف-35 أكثر من 300,000 قطعة، يتضمن الكثير منها تعدين ونقل معادن نادرة. كما أن أنظمة الأسلحة القديمة تتآكل، وتُسرِّب السموم، وتُلوّث الأرض والمياه، خاصة في البيئات الأقل تنظيماً.
التكلفة المناخية غير المرئية للوجستيات الدفاعية العالمية
تمتد سلاسل التوريد العسكرية في جميع أنحاء العالم. ويتم نقل القوات والذخائر والوقود والأغذية جواً أو شحنها عبر القارات. يُجري حلف شمال الأطلسي (الناتو) أكثر من 200 مناورة مشتركة سنوياً، غالباً ما تتضمن تحركات عسكرية واسعة النطاق، تُضيف كل منها إلى البصمة الكربونية الهائلة للجيش.
لماذا لا تُدرج الانبعاثات العسكرية على جدول أعمال المناخ؟
على الرغم من التعهد بتخصيص 950 بليون دولار منذ عام 2009 لتمويل المناخ، لا تزال الانبعاثات العسكرية مستثناة. وتحت ضغط من الولايات المتحدة، استثنى بروتوكول كيوتو (1997) الإبلاغ العسكري. أما اتفاقية باريس فلا تسمح إلا بالإفصاح الطوعي.