الرباط- محمد التفراوتي
تتمثل الطريقة الحديثة للإدارة السليمة والمحافظة المستدامة لموارد الصيد في إنشاء مناطق محمية بحرية، ومنها الشعاب الاصطناعية. الهدف هو حماية الموائل والأنواع المعرضة لخطر الانقراض وحماية مناطق الصيد التي تعدّ ملجأً ومكاناً لنمو الأسماك الصغيرة، وبالتالي المساهمة في استعادة الأرصدة السمكية.
الشعاب الاصطناعية هي بنى تحتية اصطناعية مصنوعة من مواد مستقرة وآمنة بيئياً، وعادة ما تكون من الهياكل الخرسانية ذات الأشكال المختلفة التي تخلق موطناً مناسباً للإغاثة من أجل تطوير مجتمعات حيوية مختلفة، وتوفر المأوى وتجذب الكائنات الحية في مراحل مختلفة من حياتها. وتشمل أهداف إنشاء شعاب اصطناعية إقامة موائل مناسبة للأسماك والكائنات المائية الأخرى، والمساهمة في الحفاظ على التنوُّع البيولوجي وزيادته.
تتكوَّن الشعاب الاصطناعية من أهرامات كبيرة مكوّنة من كتل خرسانية ذات تجاويف وثقوب لتوفير المأوى وإنشاء موائل. ولوضعها تحت الماء في منطقة البحر المتوسط في شمال المغرب عدة أهداف، منها الحماية ضد الصيد غير المشروع وتوفير أماكن للتوالد.
تشكل الشعاب الاصطناعية مأوى لتجمعات الكائنات الحية الحيوانية والنباتية، وتوضع تحت الماء ليغدو مجالها واحة خصبة ومنتجة. وهي تصنّف في ثلاثة أنواع: شعاب اقتصادية منتجة لخلق التنوُّع البيولوجي ضمن الكتلة الحيوية ورفع الثروة البحرية من أجل استغلالها في مجال الصيد، وشعاب بيئية للحماية تعمل على خفض الأضرار المترتبة على الصيد بالجر ضمن ثلاثة أميال بحرية، وشعاب ترفيهية تتيح ممارسة رياضة الغوص.
وبغية مواجهة الضغط المستمر الذي تمارسه الأنشطة البشرية على الساحل وفقدان الكتلة الحيوية والتنوُّع البيولوجي البحري، باتت الشعاب الاصطناعية إحدى أدوات التنمية الحيوية، مما يسمح بالتدبير المتكامل للشريط الساحلي والموارد الساحلية. ويمكن أن يتعلق هذا التدبير بكل هذه الاستخدامات، إلى جانب الاعتبارين الصحي والبيئي.
وسعياً وراء التنبيه بأهمية وضرورة الحفاظ على النظم البيئية البحرية الساحلية في المغرب، قام قطاع الصيد البحري في وزارة الفلاحة والصيد البحري والمعهد الوطني للبحث في الصيد البحري، في إطار شراكة مع جهات أخرى، بإعداد مشروع لتصميم وتطوير إثنين من الشعاب الاصطناعية في المنطقة البحرية المتوسطية "مرتيل". وتم تنفيذ هذا المشروع في إطار الاستراتيجية الجديدة لتطوير قطاع الصيد البحري، وفق برنامج "تعزيز أدوات ووسائل حماية الموارد السمكية الوطنية"، الذي رصدت له ميزانية تقدّر بـ37.5 مليون درهم، بتمويل من صندوق تنمية الثروة السمكية، ومقره قطاع الصيد البحري في الوزارة الوصية.
وتتجلى الأهداف الرئيسية لمشروع الشعاب الاصطناعية في منطقة مرتيل في استعادة وإعادة تأهيل الموائل البحرية المتدهورة، والحفاظ على التنوُّع البيولوجي البحري وتعزيزه، والاستغلال الرشيد للموارد البيولوجية، و تحسين ولوج مجتمعات الصيادين، ثم تطوير الغوص الترفيهي في هذه المنطقة السياحية.
وقد أظهرت نتائج الرصد من قِبل المعهد الوطني للبحث في الصيد البحري فعالية الشعاب الاصطناعية كوسيلة للتنمية الحيوية للمناطق الساحلية. وتنعكس مبادرة تركيب الشعاب الاصطناعية إيجاباً على البعد الاقتصادي والاجتماعي في المنطقة، وهي بارقة أمل في أن الإنسان لا يخلق فقط أدوات تدمّر الطبيعة، بل أنه بقليل من الخيال والوعي يمكنه إيحاد بديل ينشد الاستدامة والحكامة .
وتعدّ مبادرة تركيب الشعاب الاصطناعية في المنطقة من ضمن الوسائل الحديثة لمحاربة الصيد غير القانوني، خصوصاً مراكب الصيد بالجر التي تخرق القوانين البحرية وتعمد إلى استعمال شباكها في المياه غير العميقة، مما يؤدي إلى القضاء على المصايد الطبيعية وصغار الأسماك. كما تساعد هذه الشعاب في زيادة الموارد السمكية في المنطقة، وتؤثر في حماية واستعادة نظام بيئي بحري غني ومتنوّع، من خلال إنتاج نباتات عضوية ثابتة وكائنات حيوانية، وتغذية حلقات السلسلة الغذائية.
والشعاب الاصطناعية تختلف كلياً عن الشعاب الطبيعية المرجانية المشيدة بيولوجياً كهيكل طبيعي، إذ إنها تنتج من افرازات الكائنات الحية، كما انها لافقاريات بحرية صغيرة تشكل تجمعات، يمكن أن تمتد لعدة كيلومترات. وتحصل الشعاب المرجانية على معظم العناصر الغذائية التي تحتاجها من علاقة تكافلية مع الطحالب الأحادية الخلية التي تعيش داخل الشعاب المرجانية، وهي طحالب مجهرية.
وأفاد الدكتور محمد نوفل تمصوري، الباحث في المعهد الوطني للبحث في الصيد البحري في مدينة طنجة، أن عملية الشعاب الاصطناعية حققت نتائج جيدة من خلال تحسين الثراء النوعي للمنطقة المستفيدة من المشروع على مستوى التنوُّع البيولوجي وإعادة تأهيل الموائل المتدهورة. ومنذ بداية المشروع، قدم معهد البحث المراقبة التقنية والعلمية من جميع الجوانب، خاصة الدراسات والتشييد والتركيب، حيث يتم إجراء المراقبة العلمية للشعاب الاصطناعية عن طريق الغوص تدريجياً مع استمرار تقدم الوضع.
وأوضح الدكتور تمصوري أنه بمجرد وضع جميع الكتل الخرسانية المجزأة، يبدأ إجراء المراقبة الفيزيائية والبيولوجية للشعاب الاصطناعية المغمورة، كل ثلاثة أشهر، لرصد سلوك الكتل الخرسانية المتفرقة وتأثيرها على البيئة من جانب المراقبة الفيزيائية وتطور استيطان الكتل من قِبل الأنواع المختلفة من الحيوانات والنباتات، وذلك لتقييم تأثيرها في جذب الأسماك.
وأظهرت النتائج الأولى المسجلة استيطاناً جديداً يحدث تدريجياً، من خلال تدخل الأنواع الرائدة، وأخرى تحل بسرعة محل بعضها البعض، ثم يتباطأ هذا التعاقب مع استقرار الأنواع في مراحل النضج، والتي عادة ما يكون لها عمر أطول. ويلاحظ سرعة هذا التنظيم لمجتمع الأنواع، إلى حد ما اعتماداً على العمق وإعدادات الموقع، وفق حركة الدوران الهيدرولوجي.
في البداية، تتميز هذه المرحلة بتثبيت الغشاء الحيوي، الذي يبدأ من اليوم الخامس عشر. بعد ذلك، تتم تغطية الهياكل المغمورة بالطحالب من مختلف الأنواع، وسرعان ما تستوطن اللافقاريات والإسفنجيات وتجمع اليرقات الموجودة في العوالق، ومن المرجح أن تستقر. كما تستضيف آلاف الأنواع من الأسماك والرخويات والقشريات وغيرها. لذلك فإن هذا التجمُّع للأنواع يكون مصادفة، لعدم وجود علاقة بيولوجية بينها.
وفي نهاية الشهر الرابع، ظهر العديد من الأنواع الجديدة التي شكلت لها الشعاب الاصطناعية، فضلاً عن المأوى، منطقة الغذاء، وأيضاً منطقة تكاثر وتوالد لكائنات أخرى، كما هو الحال بالنسبة إلى الحبار. ومنذ 12 شهراً، ظهرت زيادة ملحوظة في عدد الأفراد والأنواع المتنقلة، مما يؤكد التأثير الجذاب للشعاب الاصطناعية.