عندما أعلن دنغ شياو بنغ سياسة «طفل واحد» للحد من الإنجاب، توقع أن الصين تحتاج إلى نصف قرن لاستكمال عملية التحديث والسيطرة السياسية والاقتصادية، أي بحلول سنة 2028.
غير أن أموراً داهمة حصلت قبل هذا الموعد ودفعت النظام الصيني إلى السماح بانجاب طفلين، لا لأن الصين التي تضم حالياً نحو 1.4 بليون نسمة تقصد التنافس مع الهند التي يتوقع أن تسبقها في تصنيفها أكبر دول العالم سكاناً بحلول سنة 2022، بل لأنه تبيّن أن سياسة الحد من الانجاب انعكست انخفاضاً حاداً في اليد العاملة الصينية، نظراً الى تناقص جيل الشباب.
هذا إضافة إلى أمر أكثر خطورة بحسب المسؤولين الصينيين، وهو تراجع عدد المواليد من الإناث في مجتمع ذكوري تفضل فيه الأسر الاحتفاظ بالمواليد الذكور، ما دام الخيار هو طفل واحد لكل منها. لذا تسجل ولادة نحو 118 ذكراً يومياً في مقابل 100 من الإناث، ما يشكل نقيضاً لتفوق المواليد الإناث على الصعيد العالمي.
قرار الحزب الشيوعي أمس السماح للمواطنين بإنجاب طفلين لم يكن مفاجئاً، إذ مهد له تخفيف تلك السياسة الصارمة قبل سنتين، لاستدراك تراجع اليد العاملة وتنشيط القدرة التنافسية، في مجتمع يشيخ بسرعة، وسط صعوبات اقتصادية ومخاوف من انكماش، مع انخفاض معدل النموّ في البلاد.
كانت سياسة الطفل الواحد اعتبرت لدى إقرارها عام 1979 حجر الزاوية في سياسة التحديث وتحرير الاقتصاد التي أطلقها دنغ، وحوّلت بلاده لاحقاً القوة الثانية في العالم بعد الولايات المتحدة.
اعتُبر الأمر حينها تدبيراً موقتاً، هدفه كبح استهلاك المياه والغذاء وموارد أخرى. لكن عدد السكان في سنّ العمل تراجع عام 2012 للمرة الأولى منذ عقود، فيما تفيد أرقام بأن واحداً من كل ثلاثة صينيين سيتجاوز عمره 60 سنة منتصف القرن الحادي والعشرين، في حين أن معدل الخصوبة لا يتعدى 1.5 طفل لكل امرأة.
وسمحت السلطات الصينية في العام 2013 بإنجاب طفلين إذا كان أحد الوالدين ابناً وحيداً، علماً أنها كانت منحت هذا «الامتياز» لسكان الأرياف إذا كان الطفل الأول فتاة، وذلك لأسباب تتعلق بالحفاظ على الزراعة، كما أتاحت ذلك للأقليات العرقية في البلاد التي تشكل 10 في المئة من السكان.
وواجه منتهكو سياسة الطفل الواحد عقوبات صارمة، كالغرامات المالية والطرد من العمل والإجهاض القسري للنساء أو تعقيمهنّ.
اللجنة المركزية في الحزب الشيوعي الصيني لم تتردد أمس في توضيح أن قرارها يأتي «رداً على شيخوخة السكان»، ومحاولة لـ «تحسين النمو الديموغرافي المتوازن».
وعلى عكس المخاوف التي قد تتبادر الى الأذهان، فإن الاختصاصيين لا يتوقّعون «انفجاراً سكانياً» نتيجة القرار، بل يرون أنه متأخر جداً لعلاج الآثار السلبية لسياسة الطفل الواحد على الاقتصاد والمجتمع، علماً أن تخفيف القيود عام 2013 لم يؤدِ إلى ارتفاع في معدل الولادات، بسبب صعوبات تواجهها العائلات في تدبير شؤونها على خلفية غلاء المعيشة.
وكانت الحكومة توقّعت آنذاك أن يعمد مليونا ثنائي إلى إنجاب طفل ثانٍ خلال السنة الأولى بعد تطبيق القرار، لكن 1.1 مليون عائلة فقط عمدت إلى ذلك. وتخشى الحكومة أن تتحوّل الصين أضخم «مأوى للعجزة» في العالم، في غضون 15 سنة، مع أكثر من 400 مليون شخص تتعدى أعمارهم 60 سنة. (الحياة)