استوكهولم - كاظم المقدادي
باشر المؤتمر الخامس عشر للأطراف في اتفاقية التنوُّع البيولوجي (COP15) أعماله أمس في مدينة مونتريال الكندية، وهو يستمر حتى 19 كانون الأول (ديسمبر) الجاري، ويهدف إلى عكس فقدان التنوُّع البيولوجي وتداعياته والمعالجات العاجلة المطلوبة. ومن المأمول أن يشهد المؤتمر اعتماد إطار التنوُّع البيولوجي العالمي، الذي يوفّر رؤية استراتيجية وخارطة طريق عالمية للحفظ والحماية والاستعادة والإدارة المستدامة للتنوُّع البيولوجي والنظم الإيكولوجية للعقد القادم، كما تطمح الأمم المتحدة.
وقد سبق هذا إنعقاد المؤتمر السابع والعشرين للأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيُّر المناخ(COP27) ، في تشرين الثاني) نوفمبر) الماضي، في شرم الشيخ بمصر، والذي خصّص يوماً للتنوُّع البيولوجي، تدارَس المشاركون فيه التعامل مع أزمة المناخ وأزمة التنوُّع البيولوجي طيلة سنوات عديدة على أنهما قضيتان منفصلتان، بينما الحقيقة، كما تم تسليط الضوء عليها، هي أنه لا يوجد طريق قابل للتطبيق للحدّ من الاحتباس الحراري إلى 1.5 درجة مئوية من دون حماية الطبيعة واستعادتها بشكل عاجل. ومن هذا المنطلق وجوب النظر إلى القضيتين على أنهما على مستوى واحد، وليس أن إحداهما أهم من الأخرى، كما أوضحت إليزابيث مريما، الأمينة التنفيذية لاتفاقية الأمم المتحدة للتنوُّع البيولوجي (CBD) وهي الأداة القانونية الدولية لحماية التنوُّع البيولوجي التي تم التصديق عليها من قبل 196 دولة.
وأوضح برنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP) أن لفقدان التنوُّع البيولوجي آثاراً كبيرة على تغيُّر المناخ الإقليمي والعالم. فبينما تلعب النظم البيئية الطبيعية دوراً مهماً في تنظيم المناخ، ويمكن أن تساعد في عزل الكربون وتخزينه، فإن فقدان الغابات وتجفيف الأراضي الرطبة وغير ذلك من التدهور البيئي حول العالم ساهم بشكل كبير في تغيُّر المناخ. وقالت إنغر أندرسن، المديرة التنفيذية للبرنامج: "إذا استثمرنا في الطبيعة والبنية التحتية الطبيعية، والغابات، والشعاب المرجانية، وأشجار المانغروف، والغابات الساحلية، فهذا يحمينا من العواصف الشديدة، ولا يوفر موطناً للأنواع وحسب، بل يخزن الكربون أيضا، ولذلك بُعدٌ في مجالي التخفيف والتكيُّف".
إلى هذا، طلب أربعة من المهندسين الرئيسيين لاتفاق باريس للمناخ 2015، بمن فيهم الرئيسة السابقة لاتفاقية الأمم المتحدة لتغيُّر المناخ، كريستيانا فيغيريس، رسمياً من قادة العالم تقديم اتفاق "طموح وتحويلي" حول التنوُّع البيولوجي العالمي في المؤتمر الحالي.
وعشية إنعقاد المؤتمر صدر بيان مشترك بعنوان: "من أجل تحقيق عالم يعيش في وئام مع الطبيعة" بحلول عام 2050، وقّعه كل من: ديفيد بويد، المقرر الخاص المعني بحقوق الإنسان والبيئة، وإيان فراي، المقرر الخاص المعني بتعزيز وحماية حقوق الإنسان في سياق تغيُّر المناخ، وفرانسيسكو كالي تزاي، المقرر الخاص المعني بحقوق الشعوب الأصلية، دعا الدول إلى كفالة أن يركّز الإطار العالمي للتنوُّع البيولوجي على حقوق الإنسان. وقال خبراء الأمم المتحدة في مجال حقوق الإنسان في بيانهم:" إن التنوُّع البيولوجي الصحي والنظم البيئية أساس الحياة وجوهر التمتع بحقوق الإنسان، بما في ذلك الحق في الحياة والصحة والغذاء والماء والثقافة والبيئة الصحية".
وكانت الأمم المتحدة قد أقرّت بالحق في بيئة نظيفة وصحية ومستدامة في قرار مجلس حقوق الإنسان 48/13 المعتمد في تشرين الأول (أكتوبر) 2021 وقرار الجمعية العامة 76/300 المعتمد في تموز (يوليو) 2022.
وبما أن النظم الإيكولوجية الصحية والتنوُّع البيولوجي في صميم هذا الحق، فإن على الدول التزامات بحماية التنوُّع البيولوجي وحفظه واستعادته. كما شدد الخبراء على أن "الأهداف القابلة للقياس للاعتراف بهذا الحق وتنفيذه ضرورية، وأن التدابير التي تهدف إلى حماية التنوُّع البيولوجي لا يمكن أن تكون على حساب حقوق الإنسان".
من جهته، دعا الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، إلى "إبرام اتفاق سلام مع الطبيعة لكي نورّث أطفالنا عالماً أفضل، وأكثر اخضراراً وزرقة واستدامة. وقال إن "هذا المؤتمر يدور حول المهمة الملحة لصنع السلام لأننا اليوم غير متناغمين مع الطبيعة"، مشيراً إلى أن إزالة الغابات والتصحُّر يؤديان إلى خلق أراضٍ قاحلة من نظم إيكولوجية كانت مزدهرة ذات يوم. "فأرضنا ومياهنا وهواؤنا مسمومة بالمواد الكيميائية والمبيدات الحشرية ومخنوقة بالبلاستيك. وقد أدى إدماننا الوقود الأحفوري إلى جعل مناخنا في حالة من الفوضى، من موجات الحر وحرائق الغابات، إلى المجتمعات التي عطشت بسبب الحرارة والجفاف، أو التي غمرتها المياه ودمرت بسبب الفيضانات المرعبة".
وأوضح الأمين العام أن مؤتمر الأطراف الخامس عشر "يمثّل فرصتنا لوقف عربدة الدمار هذه، وللانتقال من الخلاف إلى الانسجام". وأشار إلى ثلاثة إجراءات ملموسة في سبيل إبرام ميثاق سلام مع الطبيعة، هي:
أولاً، على الحكومات وضع خطط عمل وطنية جريئة عبر جميع الوزارات، من المالية والغذاء إلى الطاقة والبنية التحتية، تعيد تقديم الإعانات والإعفاءات الضريبية بعيداً عن الأنشطة المدمرة للطبيعة نحو حلول خضراء مثل الطاقة المتجددة، والحدّ من البلاستيك، وإنتاج الغذاء الصديق للطبيعة، واستخراج الموارد المستدامة.
ثانياً، على القطاع الخاص أن يدرك أن الربح والحماية ينبغي أن يسيرا جنباً إلى جنب، في اقتصاداتنا المعولمة، بحيث تعتمد الشركات والمستثمرون على هدايا الطبيعة من جميع أنحاء العالم، لذا فمن مصلحتها وضع الحماية أولاً. وهذا يعني أن على الصناعة الغذائية والزراعية تتجه نحو الإنتاج المستدام والوسائل الطبيعية للتلقيح ومكافحة الآفات والتسميد. كما يجب أن تكون الشركات والمستثمرون حلفاء للطبيعة وليسوا أعداء.
ثالثاً، يجب على الدول المتقدمة أن تقدم دعماً مالياً كبيراً لبلدان الجنوب لحماية الثروة الطبيعية لعالمنا. لا يمكننا أن نتوقع من البلدان النامية أن تتحمل العبء بمفردها. وعلى المؤسسات المالية الدولية وبنوك التنمية متعددة الأطراف مواءمة محافظها مع حفظ التنوُّع البيولوجي واستخدامه المستدام.
لقد أعطتنا هذه البيئات الطبيعية الكثير، وقد "حان الوقت لرد الجميل"، وفقاً للأمين العام، الذي حذّر من "أن الإنتاج والاستهلاك غير المستدامين يؤديان إلى زيادة الانبعاثات بشكل كبير، مما يؤدي إلى تدهور أرضنا وبحرنا وجونا". وأضاف: "لقد تدهور ثلث مجموع الأراضي، مما يجعل من الصعب إطعام السكان المتزايد عددهم. النباتات والثدييات والطيور والزواحف والبرمائيات والأسماك واللافقاريات كلها معرضة للخطر. مليون نوع يتأرجح على حافة هاوية الانقراض. يؤدي تدهور المحيطات إلى تسريع تدمير الشعاب المرجانية التي تحافظ على الحياة والنظم الإيكولوجية البحرية الأخرى ويؤثر بشكل مباشر على المجتمعات التي تعتمد على المحيطات في كسب عيشها".
وأضاف :" إن الشركات متعددة الجنسيات تملأ حساباتها المصرفية بينما تفرغ عالمنا من الهدايا الطبيعية"، محذراً من أن النظم البيئية أصبحت مجرد أدوات من أجل الربح. ومع شهيتنا التي لا حدود لها للنمو الاقتصادي غير المنضبط وغير المتكافئ، حذّر الأمين العام من أن البشرية أصبحت سلاحاً للانقراض الجماعي، محذراً من أن فقدان الطبيعة والتنوُّع البيولوجي يأتي بتكلفة بشرية باهظة، نقيسها في فقدان الوظائف والجوع والمرض والوفيات. كما نقيسها بخسائر سنوية تقدر بثلاثة تريليونات دولار من تدهور النظام البيئي بحلول 2030. تكلفة نقيسها بارتفاع أسعار المياه والغذاء والطاقة، وفي الخسائر الجائرة للغاية والمتعددة التي تتكبدها أفقر البلدان والسكان الأصليون والنساء والشباب. ونبّه إلى أن الأشخاص الأقل مسؤولية عن هذا التدمير هم دائماً أول من يتضرر من هذه التأثيرات.
الدكتور كاظم المقدادي، طبيب عراقي متقاعد مقيم في السويد