رغم أن حرق الوقود الأحفوري الناتج عن الطاقة والنقل يحظى بأكبر قدر من الاهتمام الدولي، باعتباره العامل الرئيسي الذي يتسبب في الاحتباس الحراري، إلا أن الأنشطة المتعلقة بكيفية إدارة الأراضي الزراعية وتربية الماشية والنظم الغذائية العالمية تلعب دوراً مهماً في كيفية مواجهة التغيُّر المناخي.
وحسب تقرير أصدرته مجلة "نايتشير" البيئية، فإن الزراعة وتربية الماشية تنتج ما يقارب ربع الغازات المسببة للاحتباس الناتجة عن الأنشطة البشرية. ويعني ذلك ضرورة إعادة العالم النظر في أنظمته الغذائية، وتخفيف استهلاك اللحوم المسؤولة بنسبة كبيرة عن التدهور المناخي الحاصل.
تشير تقارير عدة لمنظمة الأغذية والزراعة (فاو) إلى أن "إجمالي الانبعاثات الناتجة من الثروة الحيوانية العالمية تبلغ ما يقارب 7.1 جيغا طن من ثاني أوكسيد الكربون سنوياً، ما يمثل 14.5 في المئة من جميع انبعاثات الغازات التي يتسبب بها البشر".
وتُعتبر الماشية التي يجري تربيتها لإنتاج لحوم الأبقار والحليب، والحصول على السماد الطبيعي، من أكثر أنواع الحيوانات المسؤولة عن معظم الانبعاثات، وتمثل نحو 65 في المئة من انبعاثات قطاع الثروة الحيوانية.
ووفق المنظمة، تساهم لحوم الأبقار وحليب الماشية بنحو 30 في المئة من إجمالي انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، التي تتوزع بين 41 في المئة ناتجة من لحوم الأبقار، و20 في المئة من الحليب.
وتضع هذه الأرقام البشر أمام مسؤولية إنسانية وأخلاقية وبيئية، في حال استمر استهلاك كميات لحوم الماشية على الوتيرة نفسها.
ويعدّ التجشؤ مجرد بداية لقائمة طويلة من المشاكل التي تحدثها الأبقار، إذ لا يعتمد الخبراء على حساب التأثيرات البيئية لهذه الحيوانات من خلال عملية التجشؤ فقط، بل أيضاً من خلال قياس الغازات التي تطلقها عملية إخراجها الفضلات، وتأثير ذلك على الجو والتربة.
واللافت أن انبعاثات الكربون الصادرة عن الماشية أكثر ضرراً من استخدام السيارات. وهذا ما توصلت إليه تقارير عدة أحدها لمنظمة "غرينبيس" التي كشفت أن "دول الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة بين أكثر الدول التي تتسبب ثرواتها الحيوانية في زيادة الانبعاثات الكربونية". وأشارت إلى "مساهمة هذه الدول في نشر نحو 502 مليون طن من ثاني أوكسيد الكربون عام 2018.
ولدى احتساب انبعاثات غازات الاحتباس الحراري غير المباشرة، باستخدام الأساليب المعمول بها لتقدير تغيُّرات إزالة الغابات واستخدام الأراضي المرتبطة بزراعة الأعلاف الحيوانية، يعادل إجمالي الانبعاثات السنوية 704 مليون طن من ثاني أوكسيد الكربون، وهو أعلى مما تنتجه السيارات من ثاني أوكسيد الكربون، والتي وصلت انبعاثاتها إلى 656 مليوناً عام 2018".
وتشير "غرينبيس" إلى أن "إنتاج اللحوم والألبان في الاتحاد الأوروبي ارتفع بنسبة 9.5 في المئة بين عامي 2007 و2018، ما يعني زيادة الانبعاثات السنوية بنسبة 6 في المئة تعادل تسيير 8.4 مليون سيارة جديدة على طرقات عامة".
تضيف: "إذا استمر هذا الارتفاع لن تملك دول الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة فرصة كبيرة للوفاء بالتزاماتها الخاصة بخفض غازات الاحتباس الحراري بموجب اتفاق باريس للمناخ عام 2015".
ويربط خبراء الصحة والبيئة، بحسب دراسة نشرتها صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، بين تخفيف استهلاك اللحوم وإمكان الوصول إلى الأهداف التي وضعتها الدول لخفض الانبعاثات الكربونية بحلول العام 2030، "إذ إن هذا الأمر سيحوِّل عملياً الكثير من المراعي والأراضي الزراعية إلى غابات، وهو ما يلعب دوراً رئيسياً في تخفيف ملوِّثات الجو والماء".
وتوضح الصحيفة أن "تخفيف استهلاك اللحوم والاعتماد على البقوليات أو غيرها من مصادر البروتين يتركان أثراً واضحاً على البيئة"، علماً أن الخبراء لا يطالبون بالتخلي كلياً عن اللحوم، بل بخفض استهلاكها.
وحتى الآن لا توجد أرقام واضحة حول كميات اللحوم التي يجب أن يتناولها الأفراد أسبوعياً، لكن بعض الدول باشرت خفض الاستهلاك كجزء من خططها لحماية البيئة.
وأظهر تقرير نشرته صحيفة "ذي غارديان" البريطانية، أن "البريطانيين قللوا استهلاك اللحوم بنسبة 17 في المئة في العقد الماضي، بسبب توفُّر بدائل نباتية".
وحالياً تُستخدم 85 في المئة من الأراضي الزراعية في إنكلترا لرعي الحيوانات مثل الأبقار، أو زراعة طعام مخصص للماشية، وخفض استهلاك اللحوم سيحوِّل هذه الأراضي إلى استخدامات صديقة للبيئة. (عن "العربي الجديد")