أخذت 228 مدينة حول العالم زمام المبادرة في العمل المناخي، ووضعت أهدافاً لتخفيض غازات الدفيئة التي تنتجها. وإذ يبلغ مجموع سكان هذه المدن 430 مليون نسمة، فإن نجاحها يحفز بلدان العالم على العمل للوفاء بالتعهدات الوطنية بشأن تخفيض الانبعاثات وفق اتفاقية باريس.
"هل يمكن لمدينة أن تكون مستدامة؟" هو عنوان التقرير الأخير من سلسلة "حالة العالم" التي يصدرها معهد "وورلدواتش" للأبحاث البيئية والموارد في واشنطن. وهو يتناول الدور الريادي الذي تؤديه المدن وسكانها في تحقيق الأهداف العالمية لمواجهة تغير المناخ.
يعيش في المدن حالياً أكثر من نصف سكان الأرض، أي نحو 3.7 بليون نسمة، وتستأثر بنحو 70 في المئة من الاستهلاك الطاقوي العالمي وانبعاثات غازات الدفيئة. وإذا استمرت الاتجاهات الحالية، فمن المتوقع أن تزداد أعداد سكان المدن إلى 6 بلايين بحلول سنة 2045، وعندئذ سيعيش فيها ثلثا سكان العالم، وسيتضاعف استهلاك الطاقة فيها أكثر من ثلاث مرات بحلول سنة 2050 بالمقارنة مع مستويات 2005.
ويتزايد عدد المدن التي تلتزم بتعهدات مناخية. فقد باتت "مجموعة الريادة المناخية للمدن الأربعين" (C40 Cities) تضم أكثر من 80 مدينة. وأصبح "ميثاق عُمدات المدن" الذي أُطلق في قمة الأمم المتحدة المناخية عام 2014 أكبر تحالف لقادة المدن يتصدى لتغير المناخ. وتتعاون "شبكة الحكومات المحلية للاستدامة" (ICLEI) مع أكثر من ألف مدينة حول العالم.
تختلف المدن في انبعاثاتها الفردية. فقد أطلقت مدينة روتردام في هولندا، مثلاً، 30 طناً للفرد من مكافئ ثاني أوكسيد الكربون عام 2005، في حين أطلقت باريس 5.2 طن فقط للفرد. وتؤثر متغيرات كثيرة في مستوى انبعاثات مدينة ما، منها المناخ ومستوى التنظيم المدني ومصدر الطاقة الأساسي، فضلاً عن عوامل اقتصادية مثل دخل المواطنين ومستوى النشاط الاقتصادي وهيكليته.
يرى تقرير وورلدواتش أن "سياسات الطلب، الناجحة في تخفيض استهلاك الطاقة بشكل حاد في قطاعات النقل والمباني والنفايات والزراعة، هي وحدها التي يمكنها تلبية الحاجة الملحة للتحول إلى طاقة منخفضة الكربون. وعلى المدن أن تسارع إلى الخطوط الأمامية في تلك المعركة".
في التقرير، يتفحص علماء من أنحاء العالم المبادئ الأساسية للتمدّن المستدام والمدن الرائدة التي تضع هذه المبادئ قيد الممارسة. ويتناول العناصر الهيكلية الأساسية لكل مدينة: المواد والوقود، الناس والاقتصاد، التنوع البيولوجي، وغير ذلك. ويتضمن نماذج من مشاريع الاستدامة الحضرية الأكثر ابتكاراً في العالم، من أحمد أباد في الهند إلى فرايبورغ في ألمانيا إلى شنغهاي في الصين، فضلاً عن قصص نجاح سكان محليين في تحسين مدنهم حتى عندما تتقاعس الحكومات.