من تفشّي الأمراض الحيوانية المنشأ بشكل مقلق حول العالم، إلى ازدياد سمّية المحاصيل الزراعية، بسبب تغير المناخ، يتناول تقرير جديد لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة (يونيب) مجموعة من القضايا البيئية الناشئة في العالم.
تقرير "حدود يونيب 2016"، الذي صدر هذا الأسبوع خلال اجتماع "يونيب" السنوي في نيروبي عاصمة كينيا، يطرح حلولاً لست قضايا ناشئة، بما فيها الكمية المقلقة للنفايات البلاستيكية في المحيطات وأخطارها على صحة البشر، والدور الرئيسي الذي يمكن أن يؤديه القطاع المالي العالمي في الوصول إلى مستقبل منخفض الكربون ومقتصد بالموارد.
سمّية المحاصيل
لتغير المناخ تأثير كبير على سلامة الغذاء وأمن الغذاء. يوضح التقرير كيف يتسبب ارتفاع درجات الحرارة في تراكم مركبات كيميائية في المحاصيل هي سامة للحيوانات والبشر. القمح والشعير والذرة والدخن هي من المحاصيل الأكثر عرضة لتراكم النيترات مثلاً، نتيجة جفاف يستمر فترة طويلة. وتسمم المواشي الحاد بالنيترات يمكن أن يؤدي إلى إجهاضها واختناقها وموتها، ما يقوض حياة صغار المزارعين والرعاة.
والأمطار الغزيرة التي تقطع موجة جفاف طويلة يمكن أن تتسبب في تراكم خطير لمادة سامة أخرى تدعى سيانيد الهيدروجين أو الحمض البروسي، في محاصيل مثل الكتان والذرة والسرغوم والكرز والتفاح.
أما الأفلاتوكسينات، فهي سموم فطرية يمكن أن تسبب السرطان أو تعيق نمو الأجنّة. ويزداد خطر تلوث المحاصيل بالأفلاتوكسينات، خصوصاً الذرة، في الأماكن المرتفعة نتيجة ارتفاع درجات الحرارة. وهذه مشكلة ناشئة أخرى في المحاصيل. وتتوقع دراسة حديثة أن يصبح هذا السم قضية من قضايا سلامة الغذاء في أوروبا، خصوصاً في السيناريو الأكثر احتمالاً وهو ارتفاع معدل درجات الحرارة العالمية درجتين مئويتين.
الأمراض الحيوانية المنشأ
تزداد الأمراض التي تنتقل من الحيوانات إلى البشر. ويظهر تقرير "حدود يونيب 2016" كيف يرتبط هذا الارتفاع ارتباطاً وثيقاً بصحة النظم الايكولوجية. فالنشاطات البشرية التي تعتدي على الموائل الطبيعية تتيح لمسببات الأمراض في الأحياء البرية فرصة الانتشار بسهولة أكبر إلى الماشية والبشر.
وقد شهدت السنوات الأخيرة ظهور عدة أمراض حيوانية المنشأ احتلت العناوين الرئيسية في وسائل الإعلام ومنها إيبولا وزيكا وإنفلونزا الطيور وفيروس كورونا المسبب لمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية. ولمسببات هذه الأمراض "خزّانات" في الأحياء البرية التي تستضيفها على المدى الطويل. وخلال العقدين الأخيرين، بلغت التكاليف المباشرة للأمراض الناشئة أكثر من 100 بليون دولار. ولو تفشت هذه الأمراض كأوبئة بشرية، لارتفعت الخسائر إلى تريليونات الدولارات وفق التقرير.
التلوث البلاستيكي
يتسابق المجتمع العلمي لمعرفة أثر الكمية المتنامية لجزيئات البلاستيك في المحيطات على مختلف الكائنات الحية، وعلى صحة الإنسان من خلال استهلاك غذاء ملوَّث. هذه الجسيمات البلاستيكية الدقيقة، التي تراوح بين حجم نملة وفيروس، موجودة في النظم المائية حول العالم وفي بطن كل حي، من العوالق الحيوانية إلى الحيتان.
القطاع المالي
لا يقتصر دور القطاع المالي على تعزيز النمو الاقتصادي، فله أيضاً دور حاسم ليؤديه بالاستثمار في أصول جديدة منخفضة الكربون ومقتصدة بالموارد وسليمة بيئياً. ويمكنه أيضاً نقل رؤوس الأموال بعيداً عن الأصول التقليدية التي تضر بالبيئة. ويقدم تقرير "يونيب" عدداً من المبادرات المالية الناشئة التي توفر حلولاً مبتكرة يمكنها أن تُحدث تغييراً مستداماً، بما في ذلك على سبيل المثال "خطة العيش المستدام" لشركة "يونيليفر" العالمية العملاقة التي تعهدت بخفض تأثير الشركة المضر بالبيئة إلى النصف بحلول سنة 2020، مع التعهد أيضاً بتحسين صحة بليون شخص. ومع نهاية العام 2014، كانت "يونيليفر" خفضت بالفعل كمية انبعاثات غازات الدفيئة التي تنتجها مصانعها بنسبة 37 في المئة مقارنة بمستويات العام 2008، ما يؤكد قدرة القطاع المالي على تحقيق تغيير بيئي إيجابي.
تغير المناخ
يسلط التقرير الضوء على قضيتين حاسمتين ترتبطان بتغير المناخ، هما الخسارة والضرر. وبالنظر إلى التأخيرات التي شهدتها السنوات الـ25 الأخيرة في تخفيف تأثيرات تغير المناخ والتكيف معها، تشير الأدلة العلمية إلى أن لا مفر من الخسائر والأضرار الناجمة عن تغير المناخ، مع عواقب عميقة على النظم الإيكولوجية والناس والأصول والاقتصادات. وهذا ما يحدث بالفعل. وموجات الحر الكارثية التي حصلت عام 2003 هي مثال صارخ على ما يحدث عندما تفشل جهود مكافحة التغيرات المناخية والتكيف معها. فقد توفي نحو 30 ألف شخص، وتقلصت الأنهار الجليدية، وذابت التربة الجليدية، وخسر القطاع الزراعي في الاتحاد الأوروبي 15 بليون دولار.
التجارة غير المشروعة بالحيوانات الحية
أحدث القضايا الناشئة التي يركز عليها التقرير هي التجارة غير المشروعة بالحياة البرية، التي تشكل خطراً جسيماً على النظم الإيكولوجية وأعداد الأحياء البرية. وتتنامى التجارة غير المشروعة بالحيوانات الحية و"الأليفة" حتى أصبحت قطاعاً مزدهراً يجتذب شبكات إجرامية. وذلك لا يعرض بقاء الأنواع للخطر فحسب، بل يعرض البشر أيضاً لأمراض حيوانية المنشأ ترتبط بالأنواع التي تشملها هذه التجارة.
يتفحص التقرير دراسات أخرى لحالات مفاجئة حديثة بدأت بطيئة وتسببت في خسائر وأضرار للنظم الإيكولوجية. ويعرض مجموعة من الأدوات التي ستساعد في مواجهة هذه المشاكل وإدارتها في المستقبل.