التغيرات البيئية التي تجتاح العالم تحدث بوتيرة أسرع مما كان يُعتقد سابقاً، ما يحتم على الحكومات العمل فوراً لعكس الضرر، وفق "التقييمات الإقليمية لتوقعات البيئة العالمية" التي أصدرها برنامج الأمم المتحدة للبيئة (يونيب) في دورته المنعقدة حالياً في نيروبي عاصمة كينيا. وهي ست دراسات سيستند إليها تقرير "توقعات البيئة العالمية" السادس (GEO-6) الذي يتوقع صدوره سنة 2018، وتتناول بالتفصيل القضايا البيئية الرئيسية في ستة أقاليم هي: أوروبا، أميركا الشمالية، آسيا والمحيط الهادئ، غرب آسيا، أميركا الجنوبية، الكاريبي، أفريقيا.
تم نشر هذه الدراسات التقييمية قبيل انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة للبيئة (UNEA) اليوم في نيروبي. وهي أظهرت أن العالم يتقاسم مجموعة من التهديدات البيئية المشتركة والمتفاقمة بشكل سريع. ففي كل منطقة تقريباً، تضافرت عوامل النمو السكاني والتوسع الحضري السريع وارتفاع مستويات الاستهلاك والتصحر وتدهور الأراضي والتغير المناخي، لتتسبب في معاناة البلدان من ندرة مائية حادة. وتحذر الدراسات التقييمية، التي شارك فيها أكثر من 1200 عالم ومئات المؤسسات العلمية وأكثر من 160 حكومة، من أن هذه الاتجاهات المقلقة تزيد صعوبة إطعام سكان العالم. ولا بد من معالجة عاجلة إذا أريد للعالم أن يحقق أهداف التنمية المستدامة لسنة 2030.
وقد تحدث أمين عام المنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد) نجيب صعب أمس خلال الاجتماع الدوري للمجموعة الرفيعة المستوى التي تقدم إرشادات في السياسة حول تقرير GEO-6، فقال: "الإرشاد الذي تقدمه أي مجموعة إشرافية، على أي مستوى كانت، لن يصل إلى مكان من دون مؤلفين مؤهلين يملكون الخبرة الوافية". وأضاف أن اختيار مؤلفي التقرير يجب أن يستوفي أعلى المعايير الأكاديمية والعلمية والكتابية.
تقييم المنطقة العربية:
تشير الدراسة التقييمية للمنطقة العربية إلى أن ازدياد رقعة الأراضي المتدهورة وانتشار التصحر هما تحديان رئيسيان يفرضان تأثيرات اقتصادية وبيئية عميقة. وتشكل ندرة الموارد المائية المتجددة تحدياً كبيراً في المنطقة، مما يؤثر سلباً في قدرتها على إنتاج غذاء كاف لتلبية متطلبات سكانها المتزايدين. فالنمو السكاني المرتفع والنزاعات القائمة أضعفا قدرة الأراضي على تأمين ما يكفي من المياه العذبة والغذاء. ويزداد الطلب على المياه في المنطقة مترافقاً مع تدهور نوعيتها والإفراط في استغلال مواردها الجوفية. ونتيجة لذلك، فإن غالبية البلدان العربية هي دون حد الندرة المائية البالغ 1000 متر مكعب في السنة.
وتسببت النزاعات المستمرة والنزوح الكثيف للسكان في تأثيرات بيئية حادة تعرض صحة الناس للخطر. وقد تسربت إلى البيئة معادن ثقيلة من الذخائر المنفجرة، وإشعاعات من القذائف والصواريخ، نتيجة النزاعات في المنطقة. وفي لبنان والأردن واليمن والعراق ثلاثة ملايين لاجئ يلقون عبئاً بيئياً هائلاً، وقد أنتجوا نحو 1440 طناً من النفايات يومياً خلال العام 2015، ما يضع ضغوطاً على الحكومات ويزيد خطر تفشّي الأمراض.
أما أهم عوامل الخطر البيئي على صحة الإنسان في المنطقة فهي تلوث الهواء، ونقص المياه المأمونة وخدمات الصرف الصحي، وتغير المناخ، والتعرض للمواد الكيميائية والنفايات الخطرة، وحالات الطوارئ والكوارث، والتعرض للاشعاعات. في منطقة غرب آسيا مثلاً، يموت سنوياً نحو 230 ألف شخص قبل الأوان بسبب مخاطر بيئية محددة، وتسجل خسارة 8.24 مليون "سنة حياة صحية" نتيجة تلك المخاطر. هذا يعني أن كل فرد في المنطقة يخسر 17 "يوم حياة" سنوياً بسبب عوامل خطر بيئية يمكن تعديلها أو تفاديها.
ويتم التخلص من نحو 90 في المئة من النفايات البلدية الصلبة في مطامر غير مبطنة. والعصارة الناتجة عنها تلوث موارد المياه الجوفية الشحيحة. وتتضافر عوامل ارتفاع عدد السكان، والتوسع الحضري، والنمو الاقتصادي، وحرق الوقود، والنزاعات، لتلقي مجتمعة ضغطاً هائلاً على البيئة وعلى صحة الإنسان. ويقدر أن تلوث الهواء الذي ازداد باطراد خلال العقدين الماضيين، كان مسؤولاً عن أكثر من 70 ألف وفاة قبل الأوان في غرب آسيا عام 2010.
ومن القضايا الرئيسية الأخرى في المنطقة تغير المناخ الذي سيفاقم الإجهاد المائي، والتنوع البيولوجي الذي يهدده التوسع الحضري والتلوث وتدمير الموائل والاستهلاك المفرط للموارد البيولوجية. كما تواجه مصائد الأسماك استغلالاً مفرطاً، خصوصاً نتيجة الصيد غير القانوني وغير المنظم.
ومن شأن اعتماد خيارات منخفضة الكربون ومتكيفة مع تأثيرات تغير المناخ المساهمة في تطوير البنية التحتية وتحسين أداء الصناعة وزيادة إنتاج الطاقة والغذاء والاستهلاك المستدام للموارد الطبيعية.
جمعية الأمم المتحدة للبيئة ولقاء المجموعات الرئيسية
يلتقي اليوم في نيروبي المئات من صانعي القرار وأصحاب الأعمال وممثلي المنظمات الحكومية الدولية والمجتمع المدني في الدورة الثانية للجمعية العامة للأمم المتحدة للبيئة (UNEA-2)، أحد اللقاءات الرئيسية الأولى منذ إقرار أجندة التنمية المستدامة 2030 واتفاق باريس المناخي. وسوف تمهد قرارت UNEA-2 الطريق لعمل مبكر حول تنفيذ أجندة 2030 نحو مستقبل أكثر استدامة وعدلاً.
سبق ذلك اجتماع يومي السبت والأحد للمجموعات الرئيسية لتبادل الأفكار وتطوير شراكات وصوغ مداخلات تطرح في UNEA-2.