خرجت قمة المناخ في باريس باتفاق تاريخي أقرّته 195 دولة مساء السبت. وتبقى العبرة في تنفيذه والتزام التعهدات، خصوصاً أنه ليس ملزماً قانونياً.
أقرّ الاتفاق الهدف الطموح جداً باحتواء ارتفاع درجة حرارة الأرض "أدنى كثيراً من درجتين مئويتين"، بل دعا إلى "مواصلة الجهود للحد من ارتفاعها أكثر من 1.5 درجة مئوية" قياســـاً إلـــى ما قبل عهد الصناعة، وهو ما تطـــالــــب به الدول الأشدّ هشاشة، إذ كــــان الهدف درجتين مئويتين حتى الآن.
وباتت المساعدة السنوية للدول النامية وقيمتها مئة بليون دولار بدءاً من سنة 2020 "حداً أدنى". وسيُطرح اقتراح بهدف جديد أعلى سنة 2025، وهو طلب ملحّ للدول النامية الفقيرة بشكل خاص.
وبدا رئيس قمة المناخ وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس شديد التأثر لدى إعلان إقرار الاتفاق، وهو احتاج إلى دقائق كي يتمكّن من ذلك وسط تصفيق وفود نحو 200 دولة. وقال: "لا أسمع اعتراضاً، تم تبنّي اتفاق باريس حول المناخ. بمطرقة صغيرة يمكن تحقيق أشياء عظيمة"، مشيراً إلى أن الاتفاق "طموح ومتوازن ويمثل نقطة تحول تاريخية" في الجهود الدولية لمنع تبعات كارثية محتملة لارتفاع درجة حرارة الكوكب.
واعتبر وزير الخارجية الأميركي جون كيري الذي قاد وفد المفاوضين الأميركيين أن الاتفاق "نصر لكل من هو على سطح الكوكب وللأجيال المقبلة". وأضاف: "حددنا مساراً هنا، والعالم التف حول اتفاق سيمنحنا صلاحية رسم طريق جديدة لكوكبنا، مسار ذكي ومسؤول ومستدام".
وصعد الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند إلى المنصة وأمسك بيد الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون وفابيوس، في حين تعانقت مسؤولة المناخ في الأمم المتحدة كريستيانا فيغيريس طويلاً مع كبيرة المفاوضين الفرنسية لورانس توبيان.
وقال وزير البيئة المالديفي رئيس مجموعة دول الجزر الصغيرة طارق ابراهيم إن "التاريخ سيحكم على النتيجة، وليس على أساس الاتفاق اليوم، بل على أساس ما سنقوم به بدءاً من اليوم".
ورأت منظمة "غرينبيس" ومنظمات غير حكومية أخرى أنه يشكل "منعطفاً"، ويضع مصادر الطاقة الاحفورية "في الجانب الخاطىء من التاريخ".
ويفترض أن يسرّع هذا الاتفاق، الذي يدخل حيز التنفيذ سنة 2020، العمل لخفض استخدام الطاقة الأحفورية مثل النفط والفحم والغاز، ويشجع على اللجوء إلى مصادر الطاقة المتجددة، ويغير أساليب إدارة الغابات والأراضي الزراعية. وتسمح التعهدات التي قطعتها الدول حتى الآن لخفض انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري بعدم تجاوز ارتفاع الحرارة ثلاث درجات عما كانت قبل الثورة الصناعية، في حين يعتبر معظم العلماء أن زيادة درجتين هي العتبة دون الاضطرابات المناخية التي تخلف عواقب خطيرة.
ويضع الاتفاق آلية تفترض مراجعتها كل خمس سنوات اعتباراً من 2025، وهو تاريخ اعتبرته المنظمات غير الحكومية متأخراً. وكانت نقاط الخلاف الأساسية تتعلق بدرجة الحرارة التي يجب اعتبارها عتبة للاحتباس الحراري، وعدم تجاوزها، و"التمييز" بين دول الشمال والجنوب في جهود مكافحة الاحتباس الحراري، ما يعني ضرورة تحرك الدول المتطورة أولاً باسم مسؤوليتها التاريخية في انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري، وقد تم أخذ ذلك في الاعتبار.
وكان الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند اقترح السبت على منبر مؤتمر باريس المناخي إتاحة المجال أمام "الدول الراغبة في المضي أسرع" في مكافحة تغير المناخ بتحديث تعهداتها قبل سنة 2020 في مجال خفض الانبعاثات. وقال: "سأتقدم من الغد بهذا الاقتراح".
ينص الاتفاق على إجراء مراجعة أولى إلزامية لخفض الانبعاثات الملوثة سنة 2025. وأبرز نقاطه "تعهد المجتمع الدولي بحصر ارتفاع درجة حرارة الأرض وإبقائها "دون درجتين مئويتين"، و"متابعة الجهود لوقف ارتفاع الحرارة عند 1.5 درجة مئوية". وفي وقت ترفــض الدول المتقدمة تقديم المساعدة وحدها، وتطالب دولاً مثل الصـين وكوريا الجنوبية وسنغافورة والدول النفطية الغنية بالمساهمة، نص الاتفــاق على أن «تقدم الدول المتقدمة موارد مالية لمساعدة الدول النامية، وتشجيع الأطراف الآخرين (دولاً أو مجموعات دول) على تقديم الدعم طوعاً"، خصوصاً في ما يتعلق بالخسائر التي لا يمكن تعويضها المرتبطة بذوبان كتل الجليد او ارتفاع مستوى المياه. وخصص الاتفاق فصلاً كاملاً لهذه المسألة، ما يشكل نصراً للدول الأشد هشاشة مثل تلك الواقعة على جزر. وأُدرج بند يوضح أن الاتفاق "لن يشكل قاعدة" لتحميل "المسؤوليات أو المطالبة بتعويضات".
وعلى نقيض بروتوكول "كيوتو" المبرم عام 1997، لن تكون معاهدة باريس ملزمة قانونياً، وهو أمر كان سيُقابل بالرفض في الكونغرس الأميركي، حيث يرى جمهوريون كثر المعاهدة محاولة خطيرة لتهديد الرخاء الاقتصادي من أجل مستقبل غير مضمون حتى لو كان أقل تلوثاً.
وكانت مطالبات بتسعير انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون، السبب الرئيسي في ارتفاع درجة حرارة الأرض، لتحفيز محطات الكهرباء والمصانع على التحول إلى أنواع أنظف من الطاقة. لكن مصدري النفط الكبار، مثل السعودية وبوليفيا، يعارضون ذلك ويرفضون تبني حل معتمد على آليات السوق. ويتضمن اتفاق باريس إشارة ضمنية وفق المحللين باحتمال ان يبني في نهاية المطاف جسراً صوب آلية عالمية لتداول انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون. إذ إن الجزء الملزم من الاتفاق يسمح للدول بتعويض انبعاثاتها طوعاً من طريق شراء الأرصدة من الدول الأخرى. وأكد الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند "السعي إلى بناء تحالف للدول الراغبة في تسعير انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون".