قررت الجزائر بناء ملايين المنازل سعياً إلى حل مشكلة الكثافة السكانية، إذ يُراد لعاصمة هذا البلد أن تكون أول عاصمة أفريقية خالية من أحياء الصفيح. لكن التسرع في بناء هذه المجمعات يهدد بتحولها إلى كوارث عمرانية واجتماعية.
ويرى وزير السكن عبدالمجيد تبون أن النزوح الريفي «تسبب في مضاعفة الطلب على السكن عشرين مرة مقارنة بالعرض».
فمنذ الاستقلال، تسجّل البلاد ارتفاعاً كبيراً في عدد السكان، من تسعة ملايين في 1962 إلى 40 مليوناً هذه السنة. واستقطبت سياسة التصنيع في السبعينات سكان الأرياف نحو المدن، فنمت في أطرافها الأكواخ والأبنية العشوائية. وحاولت الحكومة القضاء عليها بإعادة ترحيل النازحين إلى قراهم الأصليّة. لكن في التسعينات شهدت البلاد نزوحاً ريفياً جديداً في ظل أعمال العنف الدامية. وأصبحت محاربة المجموعات المتشددة هي الأولوية لدى السلطات، وتخلّت عن مهمات مراقبة البناء، فتضاعفت أعداد الأحياء العشوائية في الضواحي القريبة من المدن.
ومع ارتفاع مداخيل الدولة بفعل زيادة أسعار النفط والغاز، ومع تراجع العنف المسلح، بدأت الحكومة بناء مئات الآلاف من المساكن لقاطني الأكواخ وللاستجابة للطلب المتزايد على السكن.
ووعدت السلطات كل عائلة جزائرية بالحصول على سكن، وتخليص عاصمة البلاد نهائياً من الأكواخ والأحياء العشوائية.
ويتنافس على تنفيذ المشاريع العمرانية الجديدة مقاولون من الصين وتركيا والبرتغال ومصر والإمارات وقطر. إلا أن كثيراً من الأحياء «يفتقر إلى مؤهلات الحياة الكريمة خصوصاً في مجال النقل ووسائل الترفيه»، وفقاً للمهندس المعماري مرحوم العربي الحائز مراراً على الجائزة الوطنية للهندسة في الجزائر.
ويُبدي العربي قلقه من أن تتحول هذه الأحياء إلى تجمّعات يتنامى فيها الانحراف كما حدث في المدينة الجديدة علي منجلي في قسنطينة. فقد تحوّل هذا الحي الكبير، الذي يقطنه 150 ألف شخص، إلى مسرح لحرب العصابات، ما جعل أحد الوزراء السابقين يصفه بأنه «كارثة عمرانية»، ولم يتردد رئيس الوزراء عبدالمالك سلال في اعتباره «مثالاً سيئاً لا يجوز اتباعه».
ويرى العربي أن هذه المشاكل ناجمة عن إخفاق السياسات الحكومية في مجال الإسكان، مضيفاً: «نحن نفكر في السكن ولا نفكر في المدن». ومما يُقلق المعماريين والمهتمين بالتراث المعماري للجزائر هو الخطر المحدق بالطابع العمراني المتميز للعاصمة في قصبتها المعلّقة بين الأرض والسماء، المدينة القديمة التي يتم هدمها على رغم انها مدرجة على قائمة التراث العالمي لمنظمة اليونيسكو. أما المدينة الجديدة الموروثة من عهد الاستعمار الفرنسي، فإن جمال طابعها العمراني يتلاشى شيئاً فشيئاً لعدم وجود أعمال صيانة.
وفيما تؤكد السلطات أنها ستقضي على أحياء الصفيح في نهاية 2015، لتكون الجزائر العاصمة المغاربية والأفريقية الأولى التي تخلو من أحزمة البؤس، يبدي كثير من المتخصصين شكوكهم ازاء القدرة على تنفيذ هذا الطموح.
ويقول المهندس المعماري أكلي عمروش مدير مجلة «حياة المدن»: «في غياب مشروع حقيقي للمدينة فإن القضاء على بيوت الصفيح غير ممكن».
وترى المهندسة بهية كبير من جامعة عنابة أن «الدولة التي تخطط للسكن بشكل مركزي تواصل البناء على عجل لكنها لا تملك القدرات الكافية للوصول إلى أهدافها». وتضيف: «التأخر في إنجاز المشاريع يتراكم وأحياء الصفيح تنمو من جديد أو لا تختفي أصلاً. ومع مرور السنين تنشأ روابط إجتماعية في هذه الأحياء التي تعيش بعيداً من النظام، بل تنشئ قوانينها الخاصة. عندما يُعاد إسكان الناس فإن هذه الروابط تتحلل في الأحياء الجديدة حيث يأتي السكان من أماكن مختلفة، ما يتسبب في نشوء التوتر كما يحدث في المدينة الجديدة علي منجلي وغيرها».
وما زال الجزائريون ينجذبون نحو عاصمة بلادهم، حيث تتركز المؤسسات الطبية والتعليمية والتجارية المهمة، وهذا يتحول إلى مشكلة حقيقية. يقول عمروش: «الجزائر العاصمة أصبحت مدينة جذابة، وكل واحد يريد العيش فيها ولو سكن كوخاً في حي صفيح بانتظار إعادة إسكانه في أحد الأحياء الجديدة". (أ ف ب)
الصورة: حي صفيح تحت أبنية جديدة في ضاحية عين المالحة قرب العاصمة الجزائر