عندما تدخل معهد تكنولوجيا المعلومات، على بعد نحو ساعة بالسيارة من وسط القاهرة، تشعر فوراً بأنك خرجت من مصر. فبعيدا عن الصراع السياسي، يبحث شباب مصريون، عن حلول مبتكرة لمشكلات بلادهم. وفي حزيران (يونيو) 2014 احتفل المعهد بتخريج 714 طالباً هم الدفعة 34 من برنامج التدريب الاحترافي.
كغيرهم من ملايين المصريين المهمومين بأزمة الكهرباء التي أصبحت مشكلة وطنية منغصة للحياة، انشغل المخترعون بالبحث عن حلول. وبعد أشهر من الأبحاث والتجارب ابتكروا جهازاً سموه "العداد الذكي"، لا تتعدى كلفته 70 دولاراً، يتم تركيبه على عداد الكهرباء. وهو يحوي حسّاساً (sensor) يعمل بالأشعة تحت الحمراء، يقيس حجم الاستهلاك، ويسجلها على هاتف المستخدم من خلال رسالة نصية أو تطبيق بلوتوث. هكذا يتابع المواطن استهلاكه اليومي أو الأسبوعي أو الشهري من الكهرباء. وعندما يتجاوز استهلاك المنزل حدود القدرة المالية لصاحبه يطلق الجهاز جرس إنذار.
وذهب المخترعون أبعد من ذلك، فابتكروا "طائرة" صغيرة بلا طيار لرصد المشكلات الفنية التي تقلل كفاءة أبراج نقل الكهرباء.
وتجاوزت نسبة دخول سوق العمل 75 في المئة بين خريجي هذه الدفعة.
واقترب المخترعون من فئات فقيرة طالما عانت في مصر، ومنها الصيادون. فابتكر الطلاب تطبيقاً أطلقوا عليه اسم "صياد تك" لمساعدة الصيادين على تحديد الأماكن التي تتكاثر فيها الأسماك، وذلك بالتعاون مع هيئة الاستشعار عن بعد وهيئة الثروة الثورة السمكية في مصر.
ويعتمد التطبيق على معلومات توفرها هيئة الاستشعار، عن طريق الأقمار الاصطناعية، عن الأماكن التي تكثر فيه الأعشاب الخضراء الغنية بمادة الكلوروفيل التي يتغذى عليها السمك، ودرجة حرارة المياه. ويجري تحليل هذه المعلومات فورياً عن طريق برنامج الكومبيوتر، وتحديد أفضل أماكن للصيد، ثم ترسل المعلومات إلى الصيادين إما من خلال موقع على الإنترنت باشتراك مجاني، أو رسائل نصية قصيرة، أو تطبيق على الهاتف المحمول.
وقال الطالب بيشوي ماجد: "اتصل بنا مسؤول من وزارة التخطيط لطلب تطبيق الفكرة، وأحلناه إلى إدارة المعهد. وأضاف: "نحن واثقون من أن هذا العمل سوف ينفع ملايين الصيادين، ونريد تطبيقه حتى يمكننا معرفة مشكلاته وتطويره".
ولم ينس المعهد الفلاحين، الذين هم على رأس الفئات الأكثر معاناة في مصر. وقدم طلاب الدفعة نفسها تطبيقاً أطلقوا عليه "ماشية تك" لتمكين مربي الماشية من الحفاظ عليها وتربيتها بطرق أكثر كفاءة باستخدام وسائل بالتعاون مع هيئة الارشاد البيطري. وهذه الخدمة المتكاملة تجمع معلومات عن مربي الماشية وأفضل السبل لمساعدتهم عن طريق ايجاد أقرب طبيب بيطري ومركز تلقيح اصطناعي، مما يساعد على مكافحة الأمراض بسرعة. كما يذكِّر التطبيق المربين بمواعيد التطعيم وأهم المعلومات الصحية دورياً عن طريق إرسال رسائل نصية وصوتية على الهواتف المحمولة. ويساعد التطبيق نفسه المسؤولين على التعرف على خريطة توزيع الماشية في مصر.
وتعاني مصر من ظاهرتي انهيار المباني والحرائق اللتين يروح ضحيتهما كثيرون، خاصة في مناطق سكنية تتسم بالعشوائية في البناء ما يصعب الوصول إلى الضحايا تحت الأنقاض. وصمم شباب المعهد آلة أطلقوا عليها المستكشف الذكي"، هي عبارة عن سيارة صغيرة مزودة بالكاميرات للدخول الى المناطق التي يصعب أو يحظر على الإنسان دخولها في مواقع الحرائق أو انهيار المنازل. وتساعد الآلة على استكشاف تلك المناطق وإرسال صور فورية عما يدور في هذه المواقع.
أنشأ مجلس الوزراء المصري المعهد عام 1993، وفي 2005 انتقلت تبعيته إلى وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات. وهو يرتبط بشراكات مع مؤسسات علمية عالمية مرموقة.
غير أن المبدعين الشبان المتحمسين يشكون من عدم الاستفادة من ابتكاراتهم. ويؤكد وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات عاطف حلمي أنه يتابع بشكل مستمر إبداعات طلاب المعهد، مضيفاً: "ندرس بجدية الآن إنشاء كيان عملاق يستوعب الأفكار المبتكرة، ودراسة سبل تطبيقها، لأن تكنولوجيا المعلومات هي الحل لمشكلات التنمية". وحسب الوزير، فإن هذا الكيان سيكون "أول مجمع للابتكارات بالتعاون مع وزارة البحث العلمي، وسيكون مقره القرية التكنولوجية في منطقة المعادي جنوب القاهرة".
ووعدت المهندسة هبه صالح، القائمة بأعمال رئيس المعهد، بالاستجابة فوراً لأي وزارة أو جهة في مصر ترغب في تطبيق ابتكارات المبدعين الشبان. ورأت أن الشباب يفضلون السعي لوظيفة بدخل ثابت، وحثتهم على تغيير في نمط التفكير لو أرادوا ترجمة حماستهم إلى عمل فعلي يروج لإبداعاتهم. وقالت: "المشكلة الرئيسية هي أننا في مصر لا نزال نفتقد الرؤية الشاملة لأهمية التكنولوجيا البالغة، ولم تترسخ القناعة بعد بأنها عصب الحياة في كل القطاعات".
الصورتان:
- فريق من المعهد فاز بجائزة "مايكوسوفت" بابتكار لعبة الفيديو Puppy in the Bubble (جرو في الفقاعة)
- طائرة صغيرة لرصد مشاكل أبراج الكهرباء