علي سالم (صنعاء، الحياة)
عشرات القتلى والجرحى بسبب نزاع على نبع ماء. ليس هذا مشهداً سينمائياً عن حروب المياه في المستقبل، بل واقعة حقيقية مسرحها قريتا قراضة والمرزوح في محافظة تعز اليمنية.
تودي النزاعات على المياه والأراضي بحياة مئات الأشخاص سنويّاً في اليمن. وفيما يستمر صراع النُخَب على النفط المُهدّد أيضاً بالنضوب، يبدو الصراع على المياه هو الحلقة غير المرئيّة، لكنها مرشّحة لأن تكون الأكثر عنفاً ودراماتيكية في المستقبل القريب.
انخفض النصيب السنوي من المياه للفرد في اليمن من 176 متراً مكعّباً في العام 1995 إلى 120 متراً مكعّباً في العام 2013. وفي المقابل، يصل المعدل عينه إلى 1250 متراً مكعّباً في منطقة الشرق الأوسط. وما زالت معادلة العرض والطلب مختلة يمنيّاً، إذ يفوق الاستهلاك السنوي للمياه الإمدادات المتجدّدة للمياه بنسبة 30 في المئة. ويوصف الرقم الأخير بأنه يمثّل «العجز المائي» في اليمن.
وفي محاولة متأخّرة لتحاشي كارثة نضوب مياهه الجوفيّة، أعلن اليمن عن توجّه الى تحلية مياه البحر. وأكّد وزير المياه والبيئة عبدالسلام رزّاز، في حديث مع «الحياة»، حصول الحكومة اليمنية على 200 مليون دولار مساعدة من «الصندوق السعودي للتنمية». ويهدف المبلغ إلى تمويل مشروع خط نقل المياه المُحلاّة من منطقة المخا على البحر الأحمر إلى مدينتي تعز وإب. ويوضح رزّاز أن مشروع التحلية أصبح حقيقة، مشيراً إلى إمكان التوصّل إلى حل لمشكلة مياه الشرب في محافظتي تعز وإبّ، خلال العامين المقبلين. ويضيف: «لا خيار أمامنا حاليّاً سوى تحلية مياه البحر».
ووفق تقديرات الحكومة اليمنية، يقتل 4 آلاف شخص سنوياً في الآونة الأخيرة، بسبب نزاعات على المياه والأراضي. ويعتقد أن الرقم أعلى من ذلك، خصوصاً أن بعض المنازعات لا تصل إلى الجهات الرسمية، بينما تقَيّد بعض نزاعات المياه ضمن الجرائم الجنائية في السجّلات الرسميّة.
وتسبب النزاع بين قريتي قراضة والمرزوح، المستمر منذ 1997، في مقتل ما لا يقل عن 17 شخصاً وجرح قرابة 70 آخرين، إضافة إلى نزوح عشرات الأُسَر.
يعتمد اليمن في تنفيذ خططه التنموية على المساعدات والقروض الخارجية. ويصف الرزّاز توقّف المساعدات الخارجية بأنه «كارثة»، موضحاً أن ما يخصّص للمياه من إجمالي الموازنة العامة لا يزيد عن 1 في المئة.
ويرتفع سعر المياه في القرى إلى عشرة أضعاف سعره في المدن. ونفى الرزّاز أن تشكّل كلفة المياه المُحلاّة عبئاً على المستهلكين، موضحاً أن سعر الماء المنقول من محطات التحلية لا يزيد عن السعر الذي يدفعه المواطن مقابل حصوله على المياه من العربات المتنقلة لبيع المياه.
وتحدّث الرزّاز أيضاً عن احتمال تعرّض أنبوب محطة التحلية للتخريب. وقال: «لن نكرر خطأ وزارة الكهرباء التي أغفلت توصيل التيار الكهربائي إلى المناطق التي تمر بها خطوط نقل الطاقة، ما أدى إلى تعرّضها للتخريب». وأشار إلى أن المناطق التي سيمر بها الأنبوب ستكون ضمن أراضي المنتفعين من المياه المنقولة.
وبصورة عامة، يتّسم الاقتصاد اليمني بالضعف، ويعاني من مشاكل بنيوية. وبلغت نسبة الفقر في اليمن ما يزيد على 50 في المئة من السكان. ولم تخرج البلاد بعد من دوامة الفوضى الأمنية.
وفي هذا الصدد، يعتقد الرزّاز أن الاستثمار في المياه بحاجة إلى دولة قوية ومناخ أمني مستقر. وتحدّت عن عجز الحكومة في الوقت الراهن عن تحصيل فاتورة المياه، إضافة إلى قصورها عن حماية المستثمرين في مشاريع المياه.
وفيما تفيد تقارير موثوقة بأن ثلثي مياه صنعاء تهدر بسبب تهالك البنية التحتية لشبكة المياه، اشتكى الرزّاز من تفاقم القرصنة المائيّة. وأشار إلى أن 51 في المئة من مياه شبكة منطقة الحديدة، تجري قرصنتها من جانب مواطنين.
وعلى صعيد متّصل، أخفقت السلطات اليمنية في الحد من زراعة نبات القات الذي يستهلك قرابة 40 في المئة من المياه الجوفية. وفي الآونة الأخيرة، برزت مشكلة اتساع رقعة زراعة الموز الذي يرى بعض الخبراء أنه يستنزف المياه، خصوصاً في ظل الري بالغمر. وفي خضم هذه الصورة المربكة، يستمر الحفر العشوائي لآبار المياه الجوفية.
ويعاني اليمن فقراً مائياً مطلقاً. وتوقعت دراسات نضوب حوض صنعاء بحلول سنة 2025.