تنبعث من الأنشطة البشرية أنواع عديدة من الملوّثات في الهواء، ومن دون جزيء يسمى الهيدروكسيد (OH)، فإن العديد من هذه الملوّثات سيستمر في التراكم في الغلاف الجوي.
وتشير دراسة حديثة، نُشرت في مجلة Proceedings of the National Academy of Sciences، إلى أن مجموعة فريدة من الظروف الجوية يمكن أن تولّد جزيئات الهيدروكسيد (OH) التي تسهّل عملية التنقية الذاتية للغلاف الجوي عن طريق تحييد الملوّثات، حتى في حالة عدم وجود ضوء الشمس.
وأفاد فريق علمي، يضم سيرغي نيزكورودوف أستاذ الكيمياء في جامعة كاليفورنيا في إيرفين (UCI)، أن مجالاً كهربائياً قوياً موجوداً على الحدود بين قطرات الماء المحمولة جواً، والهواء المحيط، يمكن أن ينتج الهيدروكسيد من خلال آلية غير مكتشفة سابقاً.
وهذا اكتشاف يعيد تشكيل كيفية فهم العلماء لكيفية تنقية الهواء من أشياء مثل الملوّثات التي تنبعث من البشر وغازات الاحتباس الحراري، والتي يمكن أن يتفاعل معها الهيدروكسيد (OH) ويقضي عليها.
وقال نيزكورودوف: "إننا بحاجة إلى الهيدروكسيد لأكسدة الهيدروكربونات، وإلا فإنها ستتراكم في الغلاف الجوي إلى أجل غير مسمى".
وأوضح كريستيان جورج، عالِم كيمياء الغلاف الجوي في جامعة ليون في فرنسا والمؤلف الرئيسي للدراسة الجديدة: "الهيدروكسيد هو لاعب رئيسي في قصة كيمياء الغلاف الجوي، فهو يطلق تفاعلات تتسبب في تحلل الملوثات المحمولة جواً وتساعد على إزالة المواد الكيميائية الضارة مثل ثاني أوكسيد الكبريت وأوكسيد النيتريك، وهي غازات سامة من الغلاف الجوي. وبصفته مشاركاً مهماً في كيمياء الغلاف الجوي، فإن الحصول على فهم كامل لمصادر ومصارف الهيدروكسيد (OH) هو المفتاح لفهم تلوُّث الهواء والتخفيف من حدته".
ومن قبل، افترض الباحثون أن ضوء الشمس هو المحرّك الرئيسي لتكوين الهيدروكسيد.
وأشار نيزكورودوف إلى أنه من المعتقد على نطاق واسع أن الهيدروكسيد يتولّد عن طريق الكيمياء الضوئية أو كيمياء الأكسدة والاختزال، الأمر الذي يتطلّب ضوء الشمس أو المحفزات المعدنية ليعمل. ومع ذلك، فإن الدراسة الحالية تتحدى هذا الافتراض، وتقول إنه في الماء النقي نفسه، يمكن تكوين الهيدروكسيد تلقائياً من خلال الظروف الخاصة على سطح القطرات.
واعتمد الفريق على بحث سابق أجراه علماء جامعة ستانفورد بقيادة ريتشارد زاري، والذي أبلغ عن تكوين تلقائي لبيروكسيد الهيدروجين على أسطح قطرات الماء.
وتساعد النتائج الجديدة في تفسير النتائج غير المتوقعة من مجموعة زاري.
وقام الفريق بقياس تركيزات الهيدروكسيد في قوارير مختلفة، بعضها يحتوي على سطح الماء والهواء، والبعض الآخر يحتوي على الماء فقط من دون أي هواء، وتتبع إنتاج الهيدروكسيد في الظلام عن طريق تضمين جزيء "المسبار" في القوارير التي تتألق عندما تتفاعل مع الهيدروكسيد.
وما رأوه هو أن معدلات إنتاج الهيدروكسيد في الظلام تعكس تلك، بل وتتجاوز، معدلات المحفزات مثل التعرض لأشعة الشمس.
وقال نيزكورودوف: "سيتم إنشاء ما يكفي من الهيدروكسيد للتنافس مع مصادر الهيدروكسيد المعروفة الأخرى. في الليل، عندما لا توجد كيمياء ضوئية، لا يزال الهيدروجين ينتج بمعدل أعلى مما يمكن أن يحدث لولا ذلك".
وذكر نيزكورودوف أن النتائج تغيّر فهم مصادر الهيدروكسيد، وهو أمر سيغيّر كيفية قيام العلماء الآخرين ببناء نماذج حاسوبية تحاول التنبؤ بكيفية حدوث تلوُّث الهواء.
وأوضح نيزكورودوف: "يمكن أن يغيّر نماذج تلوُّث الهواء بشكل كبير. فالهيدروكسيد هو عامل مؤكسد مهم داخل قطرات الماء والافتراض الرئيسي في النماذج هو أن الهيدروكسيد يأتي من الهواء، ولا يتم إنتاجه في القطرة مباشرة".
ولتحديد ما إذا كانت آلية إنتاج الهيدروكسيد الجديدة تلعب دوراً أم لا، يعتقد نيزكورودوف أن الخطوة التالية هي إجراء تجارب مصممة بعناية في الغلاف الجوي الحقيقي في أجزاء مختلفة من العالم. (عن "phys.org")