وجدت دراسة حديثة أن سماء الليل تزداد سطوعاً بنسبة 10 في المئة تقريباً كل عام و"تمحو" النجوم عن الأنظار، بفضل المستويات المتزايدة للتلوّث الضوئي.
ويأتي هذا التحذير من قِبل علماء فلك يتابعون مشروعاً علمياً دولياً للمواطنين يسمى Globe at Night يجمع بيانات حول رؤية الأبراج البارزة لأكثر من عقد.
وقال العلماء إن وجهة نظرنا المتغيرة هي خسارة للعلماء، الذين يعتمدون على السماء المظلمة لدراسة الكون، ولكن أيضاً خسارة لـ"تراثنا الثقافي".
وأوضح البروفيسور كريس إمبي، من جامعة أريزونا، والدكتورة كوني ووكر، من مختبر أبحاث الفلك البصري والأشعة تحت الحمراء الوطني: "على مدى عقود، كان علماء الفلك يبنون تلسكوبات في أحلك الأماكن على الأرض لتجنُّب التلوّث الضوئي. واليوم، يعيش معظم الناس في المدن أو الضواحي التي تسلّط الضوء دون داع على السماء ليلاً، ما يقلل بشكل كبير من رؤية النجوم".
وتشير بيانات الأقمار الإصطناعية إلى أن التلوّث الضوئي في أميركا الشمالية وأوروبا ظل ثابتاً أو انخفض بشكل طفيف خلال العقد الماضي، بينما زاد في أجزاء أخرى من العالم، مثل إفريقيا وآسيا وأميركا الجنوبية.
ومع ذلك، تفوت الأقمار الإصطناعية الضوء الأزرق لمصابيح LED، والتي تُستخدم عادة للإضاءة الخارجية، ما يؤدي إلى التقليل من التلوّث الضوئي.
ويعمل مشروع Globe at Night على تجنيد أفراد من الجمهور، بصفتهم "علماء مواطنين"، لقياس مدى تغيُّر آراء الناس اليومية في السماء.
وقال كل من إمبي والدكتورة ووكر: "الاعتماد على العلماء المواطنين يجعل من السهل جداً إجراء قياسات متعددة للسماء ليلاً بمرور الوقت من العديد من الأماكن المختلفة".
ولتوفير البيانات للمشروع، يقوم المتطوعون بإدخال التاريخ والوقت وموقعهم وظروف الطقس المحلية في صفحة تقارير عبر الإنترنت، في أي وقت بعد ساعة أو أكثر من غروب الشمس في ليالي معيّنة كل شهر. ثم تعرض الصفحة ثماني لوحات، كل منها يعرض كوكبة مرئية في ذلك الوقت من العام، مثل كوكبة الجبار (أو الجوزاء) في كانون الثاني (يناير) وشباط (فبراير)، على سبيل المثال.
وتُظهر اللوحة الأولى، التي تمثّل سماء ليلية ملوّثة بالضوء، عدداً قليلاً من النجوم الأكثر سطوعاً. وتُبيّن كل لوحة نجوماً أكثر خفوتاً بشكل تدريجي، تمثّل سماء أكثر قتامة. ثم يطابق المشاركون ما يرونه في السماء بإحدى اللوحات.
وأطلق فريق Globe at Night صفحة التقارير كتطبيق عبر الإنترنت في عام 2011، تماماً كما بدأ اعتماد مصابيح LED على نطاق واسع.
وفي دراسة نُشرت مؤخراً، ألقى الباحثون نظرة على البيانات التي تم جمعها منذ ذلك الحين، حيث قاموا أولاً بتصفية التقارير التي يحتمل أن تكون غير موثوقة مثل تلك التي تم جمعها أثناء الغسق، أو عندما كان القمر يزيّن السماء، أو عندما كانت السماء محجوبة بالسحب.
وتركهم هذا مع 51 ألف نقطة بيانات هائلة، معظمها مسجلة في جميع أنحاء أوروبا وأميركا الشمالية.
ووجد الفريق، في المتوسط، أن سماء الليل أصبحت أكثر إشراقاً بنسبة 9.6 في المئة كل عام، ما يعني أن سماء الليل تظهر الآن، بالنسبة للكثيرين، ضعف سطوعها قبل ثماني سنوات فقط.
كما لاحظ البروفيسور إمبي والدكتورة ووكر: "إذا استمر هذا الاتجاه، فإن الطفل المولود اليوم في مكان يظهر فيه 250 نجماً الآن سيكون قادراً فقط على رؤية 100 نجم في عيد ميلاده الثامن عشر".
وتابع الثنائي: "السبب الرئيسي وراء زيادة سطوع سماء الليل هو التحضُّر والاستخدام المتزايد لمصابيح LED للإضاءة الخارجية. إن فقدان السماء المظلمة، بسبب التلوّث الضوئي وأيضاً بسبب الأعداد المتزايدة من الأقمار الإصطناعية التي تدور حول الأرض، يهدد قدرتنا كفلكيين على القيام بعملنا بشكل جيد".
وتابعوا: "يتداخل التلوّث الضوئي أيضاً مع الدورة اليومية للضوء والظلام التي تستخدمها النباتات والحيوانات لتنظيم النوم والتغذية والتكاثر".
ومع ذلك، هناك تدابير يمكن للناس ومجتمعاتهم اتخاذها للحد من التلوّث الضوئي، مثل حماية مصابيح الإضاءة الخارجية بحيث تضيء لأسفل، واستبدال الأضواء البيضاء ببدائل صفراء اللون، ووضع الأضواء على أجهزة ضبط الوقت أو أجهزة استشعار الحركة.
نُشِرت النتائج الكاملة للدراسة في مجلة Science. (عن "إكسبريس")