في أحد شوارع أربيل، عاصمة كردستان العراق، يدخل محمد من سورية وميديا من العراق إلى أحد المتاجر الكبرى لشراء حاجتهما من المواد الغذائية ومواد التنظيف.
يشتري كل منهما الأغراض ذاتها، إلا أن محمد يختار المنتجات العضوية، بينما تشتري ميديا منتجات عادية. وعند الدفع جاءت فاتورة محمد ضعف فاتورة ميديا تقريباً. إذ دفعت هي حوالي 43 دولاراً، بينما دفع هو حوالي 88 دولاراً.
يكمن سر الفارق الكبير هذا في ما يعرف بـ "المواد الصديقة للبيئة".
"الغسيل الأخضر"
في المتاجر، تكثر التسميات: منتجاتٌ بيئية، حيوية، عضوية، مستدامة... لكن هذا لا يعني أن كل هذه المواد صديقة للبيئة، إذ يجب أن تخضع هذه التصنيفات لنوع من الرقابة، كما يترتب على المستهلك أن يتأكّد من طريقة تصنيعِ المنتج قبل شرائه.
تزداد أهمية هذا الأمر مع انتشار ما يعرف بظاهرة الـ "Greenwashing" أو "الغسل الأخضر"، والذي تلجأ إليه بعض الشركات التي تعمد إلى تضليل المستهلكين حيال مدى توافق ممارساتها مع جهود حماية البيئة، من أجل إقناعهم بشرائها.
إذ تشير دراسات نفّذتها عدة شركات في السنوات الأخير إلى تزايدٍ في أعداد المستهلكين المهتمين بأثر المنتجات التي يشترونها على البيئة، حيث يبدي كثيرون استعدادهم لشراء مواد صديقة للبيئة حتى لو كان ثمنها مرتفعاً.
لكن الضغوط المعيشية المتزايدة حول العالم تجعل القدرة على تحمّل هذه التكلفة الإضافية أمراً صعباً.
فبحسب دراسة أجراها موقع Money.co.uk المتخصص في إدارة مصاريف الأفراد عام 2020، يدفع المستهلك الأوروبي الذي يشتري أغراضاً صديقة للبيئة سنوياً ما لا يقل عن 2000 جنيه إسترليني، أكثر من المستهلكين الآخرين.
فما هو مبرّر هذا الفارق في الأسعار؟
تلخّص المستشارة في الاقتصاد الأخضر عنود اللوزي الأسباب بأربعة أساسية:
ضعف الطلب: إذ أن الطلب على المنتجات الصديقة للبيئة ليس كبيراً بعد، ممّا يجعل كمية إنتاجها محدودة أيضاً.
زيادة الإنتاج هي التي تخفّض الأسعار عادة، وهو ما يسمّى اقتصادياً "وفورات الحجم".
العلامة البيئية: المنتجات الصديقة للبيئة بحاجة إلى شهادات توثق جودتها وتؤكّد أنها تتناسب مع ما تدّعيه. يتطلّب ذلك أن ترسل الشركات منتجاتها إلى مختبرات متخصصة، ممّا يرفع تكلفة الإنتاج.
رواتب الموظفين: غالباً ما تكون رواتب الموظفين في الشركات الصديقة للبيئة أكثر إنصافاً مقارنة بالشركات الأخرى وينعكس ذلك بالتالي على أسعار المنتجات.
مدّة الصلاحية: المواد الصديقة للبيئة تكون خالية من المواد الحافظة في كثير من الأحيان. يقصّر ذلك مدّة صلاحيتها فيصعب تصريفها وحفظها.
زيادة الإنتاج
في ظل عرضٍ وطلبٍ منخفضين، هل إنتاج المواد الصديقة للبيئة بكميات كبيرة، مُمكن أصلا؟
تؤكد اللوزي أن هناك إمكانية لرفع إنتاج المواد الصديقة للبيئة لكن ذلك لا يمكن أن يوازي الكميات المنتجة بطريقة غير صديقة للبيئة. تتابع اللوزي: "الإنتاج بهذه الطريقة يتناقض مع فكرة الاستهلاك المستدام خاصّة أن المطلوب حالياً هو الابتعاد عن النزعة الاستهلاكية وعدم الإفراط في الشراء لأن هذه الممارسات تؤدي إلى المزيد من المخلفات المضرّة بالبيئة".
الحلول
في مقابلِ هذه الصعوبات، ثمة حلول يمكن للحكومات في المقام الأول، وكذلك لشركات القطاع الخاص والمستهلكين أن يقدموها.
تعتبر المستشارة في الاقتصاد الأخضر عنود اللوزي أن البداية تكون بنشر الوعي من أجل التأثير في هذه الفئات المعنية. وتضيف: "يجب أيضاً التشجيع على الابتكار الأخضر، فمن أجل خفض الأسعار، تعد زيادة التنافس والإنتاج أساسية".
كذلك تذكر اللوزي أهمية زيادة الحوافز للمستهلك والشركات، إضافة إلى زيادة القروض المصرفية، التي تسمى "قروضاً خضراء".
وتشير إلى أن الحكومات يمكن لها أن تقدم مجموعة من الحوافز للتشجيع على إنتاج واستهلاك المنتجات الصديقة للبيئة كخفض الضرائب عليها. من ناحية أخرى، تقول اللوزي إنه "يترتّب على القطاعِ الخاص أيضاً تخفيف نهجِ الربحِ السريع".
ليست كل الممارسات الخضراء مكلفة، لكن لا يزال يُنظر للمواد الصديقة للبيئة على أنها رفاهية أو ترف، خاصة أن من يشترونها هم في أكثر الأحيان من فئات اجتماعية قادرة على تحملّ التكلفة الإضافية المرتبطة بها. تغيير هذه النظرة يبدأ بجهد كل فرد ومستهلك لتوسيع حلقة الوعي وبالتالي الضغط على الجهات المعنية لجعل هذه السوق متاحة للجميع. (عن "بي بي سي عربية")