خاص مجلة البيئة والتنمية
قام فريق من الباحثين في بريطانيا بابتكار نظام فلترة (غربال) يستخدم مادة الغرافين لإزالة الملح من مياه البحر. ومن المتوقع أن يساعد هذا الابتكار، بعد تطويره، ملايين الأشخاص الذين لا يحصلون على مياه شرب نظيفة. نظام الفلترة الجديد يبدو ذا كفاءة عالية في ترشيح الأملاح، ويجري اختباره بالمقارنة مع أنظمة الأغشية المستخدمة حالياً في تحلية مياه البحر.
والغرافين مادة ذات أصل كربوني، ثنائية الأبعاد وبنيتها البلورية سداسية لذلك تسمى أيضاً قرص العسل، وهي أنحف مادة معروفة على الإطلاق حيث يعادل سمكها سمك ذرة كربون واحدة، كما أنها تتمتع بخصائص مدهشة من حيث المتانة والناقلية الكهربائية والحرارية، وقد جرى عزلها ودراستها من قبل العالمين أندريه جيم وقسطنطين نوفوسيلوف في جامعة مانشستر البريطانية سنة 2004، مما أهلهما لاحقاً للحصول على جائزة نوبل في الفيزياء.
يعتمد نظام الفلترة الجديد على أوكسيد الغرافين للتغلب على الصعوبات المرتبطة بإنتاج كميات كبيرة من الغرافين على طبقة واحدة، باستخدام الأساليب الحالية التي تعتبر مكلفة للغاية. ووفق ورقة البحث الخاصة بهذا الابتكار، والتي جرى نشرها في مجلة Nature Nanotechnology، فإن غشاء الغرافين يتم تشكيله بأكسدة الغرافين على مادة أساس ذات طبيعة مسامية بشكل مشابه لوضع الحبر أو المحاليل، وهذه الطريقة ذات جدوى من ناحية الكلفة والإنتاج، مقارنة باستخدام غرافين ذي طبقة واحدة.
ولا يمكن الإفادة من الغرافين ذي الطبقة الواحدة لأنه كتيم نسبياً، مما يتطلب إجراء ثقوب فيه. فإذا كانت أبعاد الثقوب أكبر من نانومتر واحد (جزء من مليون جزء من المليمتر)، فإن الأملاح ستتمكن من النفاذ عبرها، أما تشكيل ثقوب بأبعاد أقل من ذلك تصلح لتنقية المياه المالحة فهي مهمة عسيرة للغاية.
وفي المقابل، أثبتت أغشية أوكسيد الغرافين جدارتها في فلترة الجزيئات الدقيقة والجزيئات العضوية والأملاح الكبيرة، ولكن حتى الآن لا يمكن استخدامها للأملاح الشائعة التي تتطلب فلاتر ذات ثقوب أصغر.
وكانت محاولات سابقة أظهرت أن أغشية أوكسيد الغرافين تنتفخ قليلاً عند غمرها بالماء، مما يسمح للأملاح الدقيقة بالتدفق من خلال المسامات مع الماء. أما الابتكار الجديد فهو يستخدم جدراناً من راتنج الإيبوكسي على جانبي غشاء أوكسيد الغرافين لوقف توسعه عند الغمر، وبالتالي يصبح بالإمكان ضبط خصائص الغشاء الغرافيني من خلال التحكم بمدى انتفاخه، وهذا يسمح بالتحكم في أبعاد جزيئات الملح التي يُراد تمريرها.
محطات تحلية المياه الحالية في جميع أنحاء العالم تستخدم الأغشية المصنعة من البوليمرات، ولازال الأمر يتطلب مزيداً من العمل لإنتاج أغشية أوكسيد الغرافين بشكل غير مكلف على المستوى الصناعي. الهدف النهائي هو ابتكار جهاز ترشيح ينتج مياهاً صالحة للشرب من مياه البحر أو المياه العادمة، وبأقل استهلاك للطاقة.
الجدير ذكره أن الأمم المتحدة توقعت أن 14 في المئة من سكان العالم سوف يعانون من ندرة المياه الصالحة للشرب بحلول سنة 2025. وهي مشكلة ستواجه البلدان المتقدمة أيضاً، حيث يساهم التغير المناخي في تراجع إمدادات المياه الحضرية، ولذلك نجدها تستثمر في تقنيات تحلية المياه.