أعلن رئيس الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني في السعودية الأمير سلطان بن سلمان بن عبد العزيز مؤخراً عن اكتشاف عظم بشري يعود تاريخه إلى 90 ألف سنة، حسب ما أسفرت عنه الدراسات والتحليلات الأثرية والمخبرية، وهو الجزء الأوسط من الأصبع الوسطى لإنسان عاش في تلك الفترة، ويعد أقدم عظم بشري وجد حتى الآن في شبه الجزيرة العربية، وهو بحجم مماثل لحجم أصبع إنسان اليوم.
وأشار الأمير سلطان، في محاضرة ألقاها في الأكاديمية الفرنسية للنقوش والفنون الجميلة، إلى أن اكتشاف هذا العظم، الذي وجد على ضفة بحيرة جافة في صحراء النفود بالقرب من محافظة تيماء في منطقة تبوك، هو من نتائج "مشروع الجزيرة العربية الخضراء" الذي تنفذه الهيئة مع جامعة أكسفورد البريطانية ومراكز علمية في السعودية. وهو مشروع سعودي بريطاني للمسح والتنقيب بدأ عام 2012 بإجراء دراسات أثرية بيئية معمقة لكثير من المواقع الأثرية في السعودية. شملت مواقع البحيرات القديمة في صحراء النفود والربع الخالي، ومواقع أخرى ارتبطت بوجود الإنسان خلال فترة ما قبل التاريخ. والهدف دراسة احتمالات توسع وانحسار أو انقراض المجموعات البشرية والحيوانية، والتقصي عن كيفية ارتباط هذه الأحداث مع تعاقب فترات الرطوبة والجفاف في العصرين البليستوسيني والهولوسيني حتى وقتنا الحاضر، وكيفية تكيف تلك المجموعات البشرية والحيوانية مع مجمل هذه التغيرات.
ونجح المشروع في وضع تواريخ زمنية متسلسلة لمواقع أثرية وأحفورية تعود إلى 500 ألف سنة خلت، في حين لا تزال هناك مؤشرات ترجح بأن تاريخ هذه المواقع قد يزيد على مليون سنة.
وتمكن الفريق من اكتشاف كميات كبيرة من الأدوات الحجرية تعود للعصر الحجري القديم الأوسط والعصر الحجري الحديث. كما تم اكتشاف عدد كبير من أحافير الثدييات لأول مرة في صحراء النفود وفي الربع الخالي.
وحظي موقع "طعس الغضاة" بالقرب من محافظة تيماء بمنطقة تبوك بموسمين من التنقيبات بالتعاون مع هيئة المساحة الجيولوجية السعودية، وتبين أن تاريخ استيطان الموقع يعود إلى نحو 325 ألف سنة مضت. وأسفرت أعمال التنقيب في هذا الموقع عن العثور على متحجرات لحيوانات مثل الفيل والمها والحصان والثعلب الفهد، الطائر الغواص والأسماك والزواحف. كما عثر في بحيرة أخرى على عظام متحجرة لنوع منقرض من الجواميس الضخمة.
ويعد اكتشاف هذه الحيوانات، بما فيها نوع من الأفيال المنقرضة كأحد أبرز الثدييات في صحراء النفود، مثالاً بارزاً على وفرة النباتات وموارد المياه العذبة، إذ أن هذه الأنواع تستهلك كميات كبيرة من الغذاء والمياه. ولعل وجود حيوانات كبيرة آكلة للحوم، مثل الفهد الأوراسي، يشير إلى أن أعداد الثدييات كانت كافية لجذب الحيوانات المفترسة الباحثة عن الطرائد خلال تجولها عبر صحراء النفود.
وتمكن الفريق أيضاً من جمع كمية هائلة من المعلومات البيئية والحضارية الجديدة، إذ أظهرت نتائج المشروع أن هناك تغييرات كبيرة في البيئات، تفاوتت بين القاحلة جداً والرطبة. والأدلة الحالية تؤكد بقوة أن الجزيرة العربية كانت خضراء لحقبات كثيرة في الماضي، وذلك استناداً إلى سجلات بيئية ومواقع أثرية تعود إلى 500 ألف سنة على الأقل. ومن المؤكد أيضا أن المراحل الرطبة التي تميزت بوجود الأنهار والبحيرات في أنحاء شبه الجزيرة العربية أدت إلى انتشار السكان على نطاق واسع في مختلف أرجائها، وهذا يؤكد أنها كانت مفترق طرق رئيسياً بين أفريقيا وبقية أوراسيا طوال عصور ما قبل التاريخ.
وقد وجدت أدوات حجرية من صنع الإنسان من فترة العصر الحجري القديم في موقع الشويحطية بمنطقة حائل، يعود تاريخها إلى مليون ومئتي ألف سنة، ولكن لم توجد معها عظام بشرية. ويلاحظ أن عدداً كبيراً من المواقع الأثرية التي تعود الى العصر الحجري القديم الأوسط تقع في مناطق جافة وشبه رطبة، وكانت تهطل فيها أمطار وفيرة، ومع أن هناك مواقع أثرية في المناطق الأكثر جفافاً في الشمال، فهناك أدلة تشير إلى وجود أنهار وبحيرات في تلك المناطق. وتظهر صور الأقمار الاصطناعية انهاراً وشبكات بحيرات في أنحاء شبه الجزيرة العربية، من المرجح أنها أثرت في تحركات الإنسان والمواقع التي استقر فيها. (عن "الشرق الأوسط")
الصورة: ناب فيل متحجر اكتشفه في صحراء النفود فريق من جامعة أكسفورد بالتعاون مع الهيئة العامة السعودية للسياحة والتراث الوطني