ظل ليو روي جيانغ يتحمل الضباب الدخاني الخانق في بيجينغ على مدى سنوات، لكنه لم يشأ أن يعرّض ابنته الوليدة لهذا الخطر. وهو يحمل في كل مكان يذهب إليه جهاز استشعار يدوياً للكشف على تلوث الجو. وفي الأيام التي يتجاوز فيها مستويات الخطر لا يسمح بأن تبرح ابنته المنزل، حيث يوجد جهازان لتنقية الهواء يعملان باستمرار ويوفران للرضيعة هواء نقياً للتنفس.
وتشير تقديرات ليو، الذي يعمل بائعاً في العاصمة الصينية وينتمي إلى الشريحة الدنيا من الطبقة الوسطى، إلى إنفاقه 40 ألف يوان (6375 دولاراً) خلال العامين الأخيرين لمواجهة آثار التلوث على ابنته الصغيرة يونشو.
مثل ملايين الصينيين، يدفع ليو وأسرته ثمن عقود من النمو الاقتصادي المحموم، الذي انتشل مئات الملايين من براثن الفقر، لكنه ترك آثاره السيئة على البيئة والصحة بسبب سرعة إيقاع نشاطات التصنيع.
وأفادت بيانات من محطة الرصد البيئي في السفارة الأميركية في بيجينغ بأن «متوسط انتشار الملوثات الدقيقة في الجو زاد في السنوات السبع المنصرمة بنحو خمسة أمثال المتوسط اليومي الذي توصي به منظمة الصحة العالمية».
والعواقب الصحية لاستمرار التعرض لهذه الظروف وخيمة، إذ أوضحت دراسة أعدتها «غرينبيس» وعلماء من جامعة بيجينغ استناداً إلى بيانات من العام 2013 أن «أكثر من 257 ألف حالة وفاة سابقة لأوانها في 31 مدينة صينية، سببتها الملوثات الدقيقة التي يقل قطرها عن 2.5 ميكرومتر، ما يجعلها من العوامل الرئيسية للوفاة بدرجة أكبر من التدخين».
ويزداد الوعي بمخاطر تلوث الجو في بيجينغ، بفضل زيادة البيانات المتعلقة بجودة الهواء. ويمكن أي شخص قياس التلوث بواسطة جهاز يعطي قراءات كل ساعة لمستوى الملوثات الدقيقة، بناء على التقديرات الحكومية أو تلك الخاصة بالسفارة الأميركية. وتوقعت مؤسسة «تكساي» للبحوث زيادة حجم مبيعات أجهزة تنقية الهواء بنسبة 33 في المئة في السنوات الخمس المقبلة، ويباع الجهاز المتطور بأكثر من 3600 يوان (574 دولاراً) أي ما يعادل متوسط الراتب الشهري في العاصمة الصينية.
ويفكر بعض الأجانب في مغادرة الصين إلى الأبد. وقال الكوري جيه كيم الذي يعمل في صناعة السيارات الكهربائية في الصين منذ أكثر من عشر سنوات، إنه أُصيب بالتهاب الجيوب الأنفية والربو خلال فترة مكوثه في بيجينغ أخيراً "نتيجة تنفس هوائها الملوث". وعندما بلغت هذه الظاهرة أشدها في كانون الثاني (يناير) 2013 ، قرر الرحيل ونقل عائلته ريثما يلتحق بها عندما يجد عملاً في بلاده. واعتبر أن «ليس في إمكان الصينيين فعل شيء، لكن بصفتي أجنبياً لدي خيار العيش هنا أو في أي مكان آخر».
الصورة: شرطي في بيجينغ وسط ضباب دخاني يحجب الرؤية