غيّر الإوز القطبي توقيت هجرته، ونوّعت الدببة القطبية وجباتها الغذائية، فيما تواجه الأيائل والثعالب وغيرها من الحيوانات القطبية صعوبة بالغة في الحصول على طعام كاف تحت جليد الشتاء
سيلين سيرات (نياليسوند، النروج)
تشهد المنطقة القطبية الشمالية ارتفاعاً في درجات الحرارة يزيد ثلاثة أضعاف عن المعدل العالمي. لذلك تواجه حيواناتها تحديات في الصمود وسط التغيرات، ومنها أيائل الرنة والثعالب والدببة القطبية التي باتت تجد صعوبة في العثور على ما يكفيها لتأكل.
ويعتبر الإوز القطبي المهاجر من الأنواع التي تكيفت حتى الآن مع تغير المناخ. فهو يغادر اسكوتلندا بالآلاف شمالاً كل ربيع ليضع بيضه في جزر أرخبيل سفالبارد القطبي النروجي حيث يعشش، مجتازاً مسافة 3000 كيلومتر. واستمر ذلك على مدى العصور حتى بضع سنوات خلت حين عدّل نمط هجرته.
يقول عالم الطيور الهولندي مارتن لونن الذي يدرس أوضاع الأرخبيل: «فجأة، في العام 2007، بكَّر الإوز رحلته أسبوعين، وبقي على هذا النحو مذذاك».
ولا يبدو أن تعديل موعد الرحلة يسبب مشكلة، فقد ازداد عدد الفراخ التي تفقس كل موسم الى أكثر من الضعفين، من 15 ألفاً إلى نحو 35 ألفاً. لكن العلماء ينبهون إلى أن الإوز يزدهر «رغم تغير المناخ، لا بسببه»، ويشتبهون بأن أعداده المتزايدة ترجع أساساً إلى قوانين الحماية الأوروبية المشددة.
لقد سخنت المنطقة القطبية الشمالية أكثر من أي منطقة أخرى على الأرض، ولذلك علاقة بخسارة الجليد البحري والتغيرات في دورات الغلاف الجوي والمحيطات. وفي سفالبارد، ارتفعت درجات الحرارة بمعدل 2,5 درجة مئوية خلال القرن الماضي، ما يتجاوز كثيراً معدل الزيادة العالمية البالغ 0,8 درجة مئوية منذ ما قبل العصر الصناعي. ولم تستطع حيوانات كثيرة التكيف مع هذه التغيرات السريعة كما فعل الإوز. فالمطر المتجمد الذي غالباً ما يهطل الآن بدلاً من الثلج، على سبيل المثال، يجعل من الصعب على الثعالب وأيائل الرنة في سفالبارد الحصول على وجبة طعام. فهذه الحيوانات لا تستطيع اختراق مياه المطر المتجمدة للوصول إلى إمداداتها الغذائية.
ويوضح لونن: «في فصل الشتاء تجد الثعالب صعوبة في الوصول إلى مؤونتها من جيف فراخ الإوز التي طمرتها احتياطاً في الربيع والصيف». أما أيائل الرنة في الأرخبيل، فحوافرها مصممة لإزالة الثلج عن الطحالب التي تأكلها في فصل الشتاء، لكنها لا تقوى على إزالة الجليد.
ما زالت أعداد أيائل الرنة والثعالب والإوز مستقرة في المنطقة القطبية الشمالية، وفق الاتحاد الدولي لحماية الطبيعة الذي يرصد الأنواع المعرضة للخطر. لكن العلماء يراقبونها بعناية أكبر حالياً لرصد أي دلائل على خطر أو اختلال.
أما الدببة القطبية فلم تعد تجد ما يكفي من الأطواف الجليدية في المحيط التي تمكنها من العبور لصيد حيوانات الفقمة. وقد يكون تقلص أماكن صيدها سبباً لتحولها إلى الإغارة على بيوض الإوز التي تشكل وجبة سريعة جاهزة غنية بالبروتين لآكلات اللحوم المتثاقلة.
والعادات الغذائية الجديدة تجعل الدببة القطبية على تماس وثيق بالبشر الذين تفوقهم عدداً في المنطقة. ويؤوي أرخبيل سفالبارد، الذي تزيد مساحته على 60 ألف كيلومتر مربع، ما يناهز ستة أضعاف مساحة لبنان، نحو 3000 دب قطبي و2500 شخص. ويقول العالم النروجي سيباستيان باروت: «تعيش غالبية دببة سفالبارد في شرق الأرخبيل، لكنها خلال السنوات القليلة الماضية استكشفت مناطق جديدة وباتت تقترب من نياليسوند»، مشيراً إلى قاعدة علمية نائية هناك تستضيف 150 عالماً وموظفاً في الصيف القطبي. ولم تكن مغادرة تلك المستوطنة بلا سلاح مشكلة قبل ثلاثين عاماً، أما الآن فقد اختلف الوضع.