انعقد في مقر لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا) في بيروت المنتدى العربي متعدد الشركاء حول تمويل التنوُّع البيولوجي وتعزيز الصمود المناخي، بمشاركة ممثلين عن منظمات دولية وخبراء من مختلف القطاعات. شكّل اللقاء محطة محورية في مسار انطلق منذ 2023 بدعم من حكومة السويد، حين تأسست المنصة العربية متعددة الشركاء لحماية التنوُّع البيولوجي لتكون فضاءً للتعاون الإقليمي، من خلال ثلاث مجموعات عمل ركزت على الحلول القائمة على الطبيعة، وتدهور الأراضي في المناطق القاحلة، والطاقة المتجددة والتنوُّع البيولوجي.
افتتحت الأمينة التنفيذية للإسكوا رولا دشتي المنتدى بالتأكيد على أن الاستثمار في الطبيعة ضرورة لا غنى عنها، وأن "اللاعمل لم يعد خياراً". فيما حذّرت وزيرة البيئة اللبنانية تمارا الزين من أن المنطقة العربية تقف على "بركان قابل للانفجار" بسبب فقدان التنوُّع البيولوجي والتغيُّر المناخي، داعية للتخطيط المشترك والتمويل المبتكر. كما شددت كلمات أخرى على أن التحديات في المنطقة متشابهة وتشمل النزاعات والجفاف والتلوُّث، وأن الحل يكمن في تصميم حلول جماعية.
من جانبه، أكّد الدكتور محمود فتح الله، ممثل جامعة الدول العربية، أن ضعف حصة الدول العربية في التمويل الدولي يتطلب مبادرات جديدة، مثل استراتيجية تعبئة التمويل المناخي 2030 والمبادرة العربية لتمويل المياه. وأوضح أن المنتدى يعدّ فرصة لصياغة مشاريع قابلة للتمويل في مجالات استعادة الأراضي المتدهورة وتطوير الطاقة المتجددة.
أجمعت المداخلات على أن التغيُّر المناخي يفاقم هشاشة المنطقة العربية عبر الجفاف، تراجع الموارد المائية، وفقدان الأراضي الزراعية، مما يجعل قضية التنوُّع البيولوجي إنسانية واجتماعية بقدر ما هي بيئية. وأكّد الخبراء على أهمية الإعلام والتواصل في رفع الوعي العام، لأن مشاركة المواطن تبقى شرطاً لإنجاح أي استراتيجية.
كما طرحت دعوات لتوحيد الرؤى العربية في المفاوضات العالمية، عبر اعتماد مقاربة شمولية تتجاوز الحلول المجزأة. وأبرز النقاش أن البيئة لم تعد ملفاً قطاعياً، بل رهاناً سياسياً يمسّ الأمن الغذائي والمائي.
تناولت الجلسات أهمية الحلول المبنية على الطبيعة، مثل استعادة الغابات وحماية المانغروف وإدماج البنية الخضراء في المدن. هذه الحلول قادرة على المساهمة بنحو 37 في المئة من الجهود العالمية لخفض الانبعاثات بحلول 2030، إضافة إلى دورها في الأمن الغذائي وتنظيم المياه. غير أن التمويل لا يزال محدوداً، إذ تقدّر الاحتياجات بنحو 200 بليون دولار حتى 2030.
عرضت تجارب إقليمية ملهمة. استعادة المانغروف في الإمارات، حماية الغابات الجبلية في الأطلس في المغرب، مكافحة العواصف الرملية في العراق، ومبادرات في عُمان واليمن. هذه الأمثلة أظهرت أهمية الجمع بين المعرفة التقليدية والبحث العلمي.
سلّط المنتدى الضوء على الفجوة التمويلية. وناقش المشاركون مبادرات مثل الصكوك الخضراء، برامج البنك الدولي في الاستثمار بالطبيعة، وتجارب المغرب في زراعة شجر أركان بمقاربة تشاركية. كما استعرض الصندوق الدولي للتنمية الزراعية (إيفاد) أدوات مبتكرة لدعم صغار المزارعين الذين يشكّلون الأغلبية في المنطقة.
ومن أبرز المحاور الدعوة إلى تعزيز التآزر بين اتفاقيات ريو الثلاث. المناخ، التنوُّع البيولوجي، والتصحر. واقترح الخبراء برنامج عمل مشترك، واعتماد تقارير موحدة لتقليل الأعباء على الدول، وضمان تمويل متكامل من الصناديق البيئية.