قال مدير شبكة البيانات الجليدية في سويسرا، ماتياس هاس، الأربعاء، إن الأنهر الجليدية في البلاد حطمت خلال العام الجاري الأرقام القياسية من حيث سرعة الذوبان، جراء التأثير المزدوج للجفاف في الشتاء وموجة الحر القوية في الصيف، في انعكاس جليّ ومباشر للتغيُّر المناخي.
وأضاف المسؤول عن متابعة الملف: "من غير الممكن إبطاء الذوبان على المدى القصير، إذ فقدت الأنهر الجليدية 3 كيلومترات مكعبة من الجليد، أي ما يوازي 6 في المئة من إجمالي كتلتها في البلاد".
وتابع: "إذا قلّصنا انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون لحماية المناخ، قد يسهم ذلك في إنقاذ ما يقرب من ثلث الكتل الإجمالية في سويسرا في أفضل الأحوال"، مشيراً إلى أن عدم حدوث ذلك سيؤدي إلى زوال شبه كامل للأنهر الجليدية في سويسرا "بحلول نهاية القرن".
وأوضح هاس أنه "إذا رأينا في خلال الأعوام الـ 50 المقبلة الظروف المناخية عينها (...) سيكون الأثر أكبر بكثير، لأنه في خلال الـ 50 عاماً، نتوقع أن تكون الأنهر الجليدية قد زالت، ما يعني أنها لن تستطيع تزويدنا بالمياه".
"تهديدات كبرى"
ولم تكن سماكة الثلوج في جبال الألب بهذا المستوى الضعيف يوماً في ما مضى خلال فصل الربيع، كما أن رمالاً من الصحراء الكبرى لطخت الثلج الذي امتص تالياً حرارة أكبر وذاب بسرعة أكبر، حارماً الأنهر الجليدية من طبقة الثلج الحامية منذ مطلع الصيف.
بعدها تعرض الجليد لموجة حر من دون درع الحماية التقليدية. وفي نهاية الصيف، باتت قطعة أرض عند التقاء نهر تسانفلورون الجليدي مع مجلدة سكس روج على علو يزيد قليلاً عن 2800 متر، من دون أي طبقة جليدية للمرة الأولى منذ الحقبة الرومانية.
وبحسب تقرير نشرته اللجنة الحكومية الدولية المعنية بتغيُّر المناخ في الربيع، يشكل ذوبان الجليد والثلوج "أحد التهديدات الكبرى الناجمة عن الاحترار المناخي".
أضرار واكتشافات
وفي هذا الصدد، أشار الخبراء السويسريون إلى أن "الأضرار كانت كارثية على الأنهر الجليدية الصغيرة".
فبعد إعلان انحسارها بالكامل عام 2019، باتت مجلدة بيزل شرق البلاد "على شفى الزوال التام"، شأنها في ذلك شأن مجلدة فادريه دال كورفاتش جنوب شرقي البلاد، أو شفارسباكفيران جنوباً.
وتدهور الوضع بدرجة كبيرة لدرجة دفعت المسؤولين إلى التوقف عن قياس حجم الكتلة الجليدية، لكن على ارتفاع 3 آلاف متر، في منطقة إنجادين في جنوب شرقي سويسرا وفي الجزء الجنوبي من كانتون ڤاليه، زالت طبقة جليد تتراوح سماكتها بين 4 و6 أمتار، وهو مستوى يفوق أحياناً ضعفي الحد الأقصى المسجل سابقاً.
وشددت مجموعة الخبراء على أنه "حتى في أعلى نقاط القياس، كما الحال مثلاً في يونجفراويوخ (على ارتفاع حوالى 3500 متر)، سجلنا فقدان مساحات كبيرة" من الجليد.
ولفت التقرير إلى أن الظاهرة آخذة في التسارع، إذ إن "التسجيلات تظهر أن ألسنة جليدية كثيرة تتفتت وتظهر جزر صغيرة من الصخور في وسط النهر الجليدي، عندما لا يكون الجليد سميكاً بدرجة كبيرة".
ووفقاً للخبراء، فإن هذه التغييرات تظهر أيضاً أهمية الأنهر الجليدية خلال سنوات الحر والجفاف على صعيد التغذية بالمياه والطاقة، ويرتدي ذلك أهمية كبرى في بلد يعتمد بنسبة تفوق 60 في المئة من إجمالي إنتاجه للطاقة على الموارد الكهرمائية.
كما أن لذوبان الأنهر الجليدية تبعات غير متوقعة، إذ يقع المتنزهون بصورة متزايدة على اكتشافات مريعة تطفو إلى الواجهة بسبب ذوبان الجليد، كانت أسيرة داخله لعقود وحتى لقرون.
وقد يشكل ذلك مصدر اكتشافات مذهلة لعلماء الآثار، إذ يضع أمامهم قطعاً عمرها آلاف السنين. وفي أمر غير متوقع أيضاً، أزاح ذوبان نهر جليدي بين إيطاليا وسويسرا، الحدود بين البلدين عند نقطة تماس مائي في هذه النقطة، ما أرغم البلدين على خوض مفاوضات دبلوماسية شاقة. (عن "أ ف ب")