عندما يخرج أقزام شمال جمهورية الكونغو الى الغابة حاملين أقواسهم ورماحهم التقليدية، يحمل بعضهم أيضاً أجهزة رصد تعمل بواسطة الاقمار الاصطناعية. وباستعمالهم هذه الأجهزة لتحديد المواقع المقدسة لديهم ومناطق الصيد، يضع سكان الغابة الرحل أنفسهم على الخريطة لحماية موئلهم ومصادر رزقهم من مناشير تجار الأخشاب وجرافاتهم.
من خلال برنامج لاعداد الخرائط بواسطة أجهزة تحديد المواقع العالمية (GPS)، يعمل رجال قبيلة مبندجيل ياكا في شمال الكونغو مع أكبر شركة لصناعة الأخشاب في هذا البلد الوسط افريقي، في تحالف غير اعتيادي لضمان بقاء المناطق الغابية الحيوية لحياتهم اليومية.
يقول سكوت بوينتون، المدير التنفيذي لاتحاد شركات الغابات الاستوائية الذي يروج لادارة غابية مسؤولة في العالم: ''انها أساساً عملية تستهدف احترام الحقوق التقليدية للأقزام وحمايتها''. ومن خلال التدريب والتكنولوجيا اللذين يقدمهما الاتحاد والشركة الكونغولية لصناعة الأخشاب، التي تملكها مجموعة DLH الدنماركية وشركاء دوليون آخرون، يستعمل المبندجيليون أجهزة تحديد المواقع العالمية لتعيين المناطق الغابية وحتى أشجار محددة يريدون حمايتها.
ويشير بوينتون الى أن شاشات الأجهزة تحوي صوراً (icons)، لذلك لا حاجة لأن يكون مستعملوها قادرين على القراءة والكتابة، ''وما عليهم إلا الخروج، والتوقف في مكان معين حيث يقررون: هنا يوجد موقع مقدس، إكبس. فتؤخذ نقطة على جهاز GPS وتوصل بالقمر الاصطناعي''. ويضيف: ''باستطاعتهم التجول في الغابة واعداد خرائط لجميع المناطق، مثل أضرحة أسلافهم والمواقع المقدسة وأماكن الصيد وآبار الماء ومناطق النباتات الطبية، التي تسجّل جميعاً في نقاط على GPS وتفرغ في الكومبيوتر. وفجأة تصبح لديك خريطة''.
استخدمت الشركة الكونغولية لصناعة الأخشاب هذه الخرائط لتوجيه عمليات قطع الأشجار في منطقة امتيازاتها ضمن هذا الجزء من غابة المطر في حوض الكونغو. وهي ثانية أكبر غابة مطر في العالم، ويقول دعاة الحفاظ على الطبيعة انها معرضة للخطر من جراء صناعة الأخشاب العشوائية وغير المشروعة.
وتستعمل الشركة برنامج تحديد المواقع العالمية لتمديد ترخيص امتيازاتها في الكونغو من ''مجلس رعاية الغابات''، الذي يقيّم صناعة الأخشاب المسؤولة والمستدامة التي تأخذ في الحسبان حقوق الشعوب الأصلية.
استعانت الشركة بالانثروبولوجي جيروم لويس من معهد لندن لعلم الاقتصاد، وهو خبير في أقزام المبندجيل، لتصميم ''ايقونات'' لشاشة GPS تمكن قاطني الغابات من استعمال الجهاز وتحديد المواقع الهامة عليه، وسط الأشجار الاستوائية الباسقة في الغابة. فعلى سبيل المثال، تمثل صورة حقنة منطقة تحتوي على نباتات طبية، وتمثل صورة قزم يحمل قوساً منطقة صيد، فيما تشير صورة كوخ من أوراق الشجر الى منطقة سكنية. يقول بوينتون: ''نعمل معهم منذ أشهر، وصدقاً هم كالسمك في الماء، كأولاد يلهون بلعبة كومبيوتر. وقد وجدنا أن باستطاعتهم إعداد خرائط لمناطق شاسعة وبسرعة كبيرة جداً''.
حصل المشروع أيضاً على تمويل من برنامج ''سوق التنمية'' في البنك الدولي. ومن بين الأشجار التي يعلّمها الأقزام للحفاظ عليها أشجار السابيلي العملاقة التي يزيد ارتفاع كثير منها على 40 متراً ويبلغ قطر جذعها أكثر من مترين، ويجمع منها المبندجيليون يرقات الفراشات لأكلها.
يقول بوينتون: ''حسناً، هناك أشجار تسقط، لكن المجتمع المحلي لا يعتبرها هامة تقليدياً. أما الأشجار التي تهمه فتوضع عليها علامات فلا تمسها الجرافات والمناشير''.
يقوم المشروع أيضاً ببناء محطة اذاعة للمجتمع المحلي تدعى بيسو نا بيسو، أي ''في ما بيننا''، تبث باللغة المحلية للمساعدة في نشر قضايا الأقزام بين مجتمعات متناثرة عبر الغابة الفسيحة. يقول بوينتون ان المحطة ''تجعل أصواتهم مسموعة''، مضيفاً أن برنامج إعداد الخرائط أرسى الأساس لشراكات حماية، وأن اتحاد شركات الغابات الاستوائية يعمل على مشروع مماثل في الكاميرون المجاورة.