البادية منطقة شبه قاحلة تشكل جزءاً هاماً من الأردن وتشمل أراضي شديدة القحولة. وهي مصنفة للاستعمال الرعوي المشاع وتعتبر موئلاً للبدو.
تمتد البادية من مرتفعات الأردن في الغرب إلى الشرق، تحدها في الشمال سورية وفي الشرق العراق وفي الجنوب السعودية وفي الغرب المنطقة الهامشية. وهي تحتل نحو 85 في المئة من مساحة الأردن الإجمالية، أي 76,500 كيلومتر مربع تسود فيها أحوال مناخية جافة، منها 11 ألف كيلومتر مربع شبه قاحلة حيث تتراوح الأمطار بين 100 و200 مليمتر في السنة. أما المنطقة الهامشية حول المرتفعات والى الشرق منها فهي أراض مسطحة نسبياً مع انحدار تدريجي نحو الشرق حيث تقع منطقة البادية.
وكما هي حال المناطق القاحلة العربية، تواجه بادية الأردن حالياً تحديات طبيعية كبيرة، خصوصاً استنزاف الموارد المائية وتملحها وخسارة التنوع البيولوجي وتدهور المراعي. وتشارف أنواع نباتية كثيرة على الانقراض نتيجة للرعي الجائر وموجات الجفاف المتكررة، كما اختفت حيوانات برية كثيرة. ومن العوامل المساهمة في ذلك الافراط في استخراج المياه الجوفية، وتوسيع الزراعة المكثفة التي تحدّ من مساحة المراعي المتوافرة مما يتسبب في احتشاد مفرط للقطعان على المساحة المتبقية، وتدهور التربة، واستعمال المركبات لنقل الحيوانات الى مراع نائية للرعي، وازدياد عدد الحيوانات لدى كل مالك قطيع، ونقل ملكية الأراضي من القبيلة أو الدولة الى الأفراد، وغياب سياسة واضحة لاستخدام الأراضي.
إيكولوجياً، يستعمل مصطلح «المناطق الهامشية» تكراراً ضمن بادية الأردن، خصوصاً عند الانتقال تدريجياً من مناطق ذات أمطار قليلة ومتقلبة الى مناطق تنعم بمزيد من المتساقطات وبنشاطات وإنتاجية زراعية. لكن يمكن تحديد المناطق الهامشية بأنها المنطقة الانتقالية بين مرتفعات الأردن والمناطق الأجفّ أو الشديدة الانحدار في الشرق.
عموماً، تصنف المناطق الهامشية بأنها أراض صالحة لزراعة محاصيل موسمية مثل القمح والشعير، تعتمد على هطول أمطار متقلبة ومتقطعة. لكن الأمور تغيرت بشكل دراماتيكي خلال العقود الأربعة الماضية، حيث حدث استثمار ضخم في الزراعة المروية المكثفة مثل إنتاج الفواكه والخضار باستعمال المياه الجوفية.
مشكلة المياه
المياه الجوفية في المناطق الهامشية هي من أكبر التحديات البيئية التي يواجهها القطاع الزراعي، ليس فقط في هذه المناطق ولكن في ما يتعلق بإنتاج المحاصيل في البلاد قاطبة. كان الاستثمار خلال العقود الثلاثة الماضية يتم من قبل مئات مزارعي القطاع الخاص ومعظمهم من خارج البادية، ومن الحكومة، وذلك للشرب والاستعمالات الصناعية، خصوصاً في المدن الكبرى. حدث ذلك غالباً من دون تخطيط أو إشراف على العواقب. ويؤدي وضع امتلاك الأراضي وتداخل المناطق القبلية إلى تعقيد تنمية المناطق الهامشية من حيث الممارسات الزراعية، خصوصاً من خلال الاستعمال العشوائي لأراضي الدولة.
العقبات البيوفيزيائية، مثل الشح الحاد للمياه وموجات الجفاف المتكررة والملوحة والتصحر وانخفاض خصوبة التربة، هي العوامل المقيدة الرئيسية في المناطق الهامشية. ومن المتوقع أن تواجه هذه المناطق في المستقبل تدهوراً حاداً بسبب تأثيرات تغير المناخ والعاملين الاجتماعي والاقتصادي مثل النمو السكاني وازدياد أعداد اللاجئين من البلدان المجاورة، بالاضافة الى استمرار الاستثمار الزراعي. ويترافق كلا العاملين مع توسع جيوب الفقر وانعدام السياسات الممكِّنة، ما يساهم في الاستعمال غير المستدام للموارد والبطالة والهجرة من المناطق الريفية.
مع أخذ هذه الأمور في الاعتبار، يزيد استخدام هذه المناطق الهامشية صعوبات استخدام الأراضي وتعقيداته. مثلاً، يجب اختيار أنواع المحاصيل التي تزرع بناء على ملاءمتها للبيئة من حيث استعمال المياه في جميع المراحل الثلاث لإنتاج المحاصيل، أي قبل الزرع وخلال الزرع وبعد الزرع، للتقليل من استهلاك المياه وتخفيض الكلفة وتحسين سبل عيش المجتمعات المحلية.
لتحقيق أمن غذائي بشكل أفضل في الأراضي الجافة الهامشية، يجب أن يكون التركيز على تنويع سبل العيش الريفية وتحسينها عن طريق تحسين وصول السكان الريفيين الى التكنولوجيا المتوافرة والمنقولة. وهذا يمكن الحصول عليه من خلال معالجة المواضيع الآتية: أولاً، تحقيق تنمية زراعية مستدامة في الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والبيئية. ثانياً، الاستعمال الأمثل للموارد الطبيعية مثل المياه والتربة. ثالثاً، جعل الخدمات المالية والتسويقية الريفية متوافرة للأسر الزراعية. رابعاً، تشجيع المزارعين على إنتاج منتجات عضوية وتحويل جزء من الإنتاج الأردني نحو هذه السوق لزيادة المردود، سواء في الإنتاج الحيواني أو النباتي أو حتى في المنتجات المصنَّعة حيث قد تكون هوامش الربح أعلى. خامساً، تطوير دور النساء الريفيات في استخدام مهاراتهن لتحسين مداخيل الأسرة من خلال توفير التسهيلات المطلوبة لتطوير مهاراتهن في مجالي الإنتاج والتسويق. سادساً، تحسين تسويق المنتجات الزراعية التي تعاني من ضعف الراوبط بين العرض والطلب، وارتفاع خسائر ما قبل الحصاد، وانخفاض الأسعار، وغياب ضبط النوعية وتوحيد المقاييس، لتحسين هوامش الربح ونوعية الحياة لجميع الذين يعيشون في هذه المناطق.
تدابير لتطوير المناطق الهامشية
تتضمن المقاربة الشاملة لتعزيز تطوير المناطق الهامشية:
● إدارة جريان مياه الأمطار من خلال إنشاء سدود ومصاطب ترابية صغيرة لإقامة نظم لحصاد المياه يمكن أن تروي المزروعات وتوفر المياه للاستهلاك المنزلي المحلي وتساهم في تجديد المياه الجوفية المحلية.
● نظام إعادة زرع يجمع بين إنبات أنواع متوطنة وإعادة نثر بذورها، ويستخدم تقنيات لحصاد المياه على نطاقين كبير وصغير ومخططات لاحتجاز المياه وتخزينها وإعادة توزيعها لري هذه المزروعات.
● التحول من التربية الموسعة للحيوانات الى التربية المكثفة لزيادة الإنتاجية وتوفير الدعم للمزارعين الصغار.
● تشجيع صغار مالكي المواشي على تخفيض عدد الحيوانات لكل أسرة.
● التخلي عن الأراضي الخاضعة للدولة، ووقف الملكية الخاصة، وحل قضايا امتلاك الأراضي خصوصاً الأراضي القبلية أو الخاضعة لادعاءات الملكية.
● استعادة النظام الإيكولوجي للمراعي من خلال غرس شجيرات وأشجار وأعلاف متوطنة مناسبة مثل Atriplex وAcacia وSalsola وJuncos
● برامج إعادة تأهيل من خلال تبني نظام بديل تقليدي محلي لحماية المراعي. وفي هذه الحالة، مفهوم «الحمى» هو المقاربة الأكثر انطباقاً ونفعاً كخيار لعكس اتجاه النظام الإيكولوجي المتدهور الى الوضع الأصلي، وهو أيضاً مفهوم جذاب كنموذج لإشراك المجتمعات في «تنظيم ذاتي» لإدارة الموارد بشكل مستدام.
● تمكين المجتمعات المحلية بالمعرفة والمهارات لضمان إشراك جميع المعنيين في إدارة العملية وتخطيطها.
● استعمال تقنيات نظم الري التقليدية، وفهم التفاعل بين الإنتاج الحيواني والنباتي، والاستفادة من خبرة المزارعين القدماء، والاعتماد على منظمات المزارعين، والتعاون والبناء على المعرفة السائدة.
● وضع خطة لاستخدام الأراضي وقاعدة بيانات لجميع المناطق في البادية. واستخدامات الأراضي هي بشكل رئيسي للإنتاج الزراعي.
● الاستشارة والتخطيط التشاركي من خلال إشراك جميع المعنيين على مختلف المستويات. وسوف يضمن هذا أن تكون عمليات التخطيط وصنع القرارات على المستويين الوطني والحكومي، في ما يتعلق باستخدام الأراضي وإدارة المياه، مستندة إلى أفضل المعلومات من خلال الوقائع المحلية، فتؤدي إلى أطر سياسات تدعم صنع القرار على مستويات أدنى. وبذلك ستتاح للمستخدمين النهائيين فرصة أفضل لامتلاك الموارد المائية المحلية وتحمل مسؤولية إدارتها. وهذا ممكن من خلال دعم شبكات مختلف المعنيين، من المجتمع المحلي إلى مستوى السياسات الوطنية.
الدكتور عوده المشعان مدير برنامج بحوث البادية في عمّان، الأردن.