يقع العالم العربي على عدد من البحار هي البحر المتوسط والبحر الأحمر وبحر العرب والخليج العربي وخليج عمان وخليج عدن. وقد امتازت هذه البحار بأهمية استراتيجية على مدى العصور. ومع اكتشاف النفط ازدادت أهميتها ان من حيث احتواؤها على احتياطات نفطية كبيرة أو من حيث تأمين الطرق لنقل الامدادات النفطية الى بلدان العالم. لكن هذه البحار تعرضت في الوقت ذاته لأنواع من الملوثات التي كان لا بد من وضع تشريعات للحد منها وتخفيف آثارها.
البحر المتوسط
البحر المتوسط حوض شبه مقفل يغسل شواطئ ثلاث قارات هي أوروبا وآسيا وأفريقيا. وله أهمية استراتيجية كبرى كمنفذ بحري لبلدان الاتحاد السوفياتي السابق اذ يفضي عبر مضيقي البوسفور والدردنيل الى البحر الأسود وبحر مرمرة. وهو معبر لنقل النفط من ليبيا والجزائر ودول الخليج العربي الى أوروبا والولايات المتحدة.
تبلغ مساحة البحر المتوسط حوالى 2,5 مليون كيلومتر مربع. ويمتد من الشرق الى الغرب بطول 3860 كيلومتراً، ويبلغ طول خطه الساحلي 46 ألف كيلومتر، وعلى حوضه 22 بلداً. وهو ضحل عموماً، اذ يبلغ متوسط عمقه 1500 متر وتصل أعمق نقطة فيه الى حوالى 5000 متر قبالة شاطئ اليونان. ويستغرق تجدد مياهه نحو 90 سنة عبر مضيق جبل طارق الذي يصله بالمحيط الأطلسي.
تصب في شواطئ البحر المتوسط أنواع من الملوثات النفطية والنفايات الصناعية والأسمدة الكيميائية والمبيدات ومياه الصرف، مما يهدد استمرار الحياة فيه. ففي كل سنة يتسرب اليه نحو 650 ألف طن من النفط الخام. كما أن 70 في المئة من المياه المبتذلة التي تصب فيه هي غير معالجة. وعلى رغم صغره بالنسبة الى المساحة المائية العالمية، يمخر عبابه نحو 20 في المئة من ناقلات النفط في العالم.
كان البحر المتوسط في طور احتضار في أوائل السبعينات، الا أنه بدأ يسترد عافيته بعد جمع بلدان المتوسط في خطة مشتركة لانقاذ بحرها. ففي العام 1976 اجتمع ممثلو 16 دولة متوسطية في برشلونة وأقروا اتفاقية حماية البحر المتوسط من التلوث، وبروتوكول منع تلوث المتوسط بنفايات البواخر والطائرات، وبروتوكول التعاون في مكافحة تلوث المتوسط بالنفط والمواد الضارة الأخرى في حالات الطوارئ. وباتت هذه تعرف باتفاقية برشلونة التي بدأ سريانها عام 1978.
في السنة ذاتها أنشئ في مالطا مركز اقليمي لمكافحة التلوث بالنفط. وفي العام 1979 وضعت "الخطة الزرقاء" للادارة الطويلة الأجل للمتوسط بهدف دمج الخطط الانمائية مع تدابير حماية البيئة. وفي ما بعد تم اقرار بروتوكول يحد من تلوث البحر من مصادر برية، وبروتوكول يتعلق بحماية أنواع الحياة الحيوانية والنباتية المهددة بالانقراض وموائلها. وهناك بروتوكول خامس يتعلق بالتلوث الناجم عن التنقيب والاستغلال في الافريز القاري وقاع البحر وتربته التحتية.
وفي اجتماع اوسبار (OSPAR) 1998 في لشبونة تم الاتفاق على حظر القاء المنشآت الفولاذية في البحر، مع اعتبار خاص لقوائم أبراج الحفر الثقيلة على أن يتم التخلص منها على البر. كما تقرر اجراء تخفيضات جوهرية في تصريف المواد المشعة مع حلول سنة 2000. وفي سنة 2020 يجب أن تصبح تركيزات المواد المشعة التي تطمر في قاع البحر قريبة من الصفر. ويقضي الاتفاق أيضاً بجعل تركيزات المواد الكيميائية الدائمة الخطرة في مياه البحر قريبة من الصفر بحلول سنة 2020، وتجنب انتاج واستعمال مواد خطرة جديدة. وهذا يمنع الصناعة من تغيير بعض جزيئات المادة واسمها من أجل مواصلة انتاجها. وبغية تحقيق هذه الأهداف يتعين على صناعة المواد الكيميائية اتخاذ تدابير مشددة والاستثمار في تكنولوجيات انتاج نظيفة في جميع عملياتها.
وتشمل خطة عمل البحر المتوسط: اسبانيا، ألبانيا، ايطاليا، تركيا، تونس، الجزائر، سوريا، فرنسا، قبرص، لبنان، ليبيا، مالطا، مصر، موناكو، يوغوسلافيا، اليونان، اسرائيل، والمجموعة الأوروبية.
البحر الأحمر وخليج عدن
البحر الأحمر حوض داخلي عميق وضيق وشبه مقفل يفصل شبه الجزيرة العربية في غرب آسيا عن شمال شرق افريقيا. يحده جنوباً مضيق باب المندب الذي يربطه بخليج عدن وشمالاً قناة السويس التي تربطه بالبحر المتوسط. طوله حوالى 2250 كيلومتراً، ويبلغ أقصى عمقه 3040 متراً. وتفصل شبه جزيرة سيناء طرفه الشمالي الى خليجي السويس والعقبة. وفي جنوبه امتداد صخري لا يتجاوز عمقه 100 متر لكنه يحد من تبادل المياه مع المحيط الهندي، بينما ينحصر التبادل مع البحر المتوسط عبر قناة السويس. وهذا سبب رئيسي لارتفاع حرارة مياهه وملوحته. فهو أكثر المناطق ملوحة في محيطات العالم. وتعتبر حرارته مرتفعة نسبياً مقارنة مع موقعه الجغرافي.
منذ أكثر من 50 مليون سنة كانت قشرة الأرض تتباعد على طول هذه المنطقة. وتكون البحر الأحمر عندما انفصلت شبه الجزيرة العربية عن أفريقيا منذ نحو 20 مليون سنة. وفي القرون التي أعقبت سقوط الامبراطورية الرومانية شكل البحر الأحمر شرياناً مهماً للمواصلات والتجارة بين العالم الاسلامي وشرق أفريقيا وبلاد فارس (ايران اليوم) والشرق الأقصى. أما بالنسبة الى البلدان الأوروبية فلم تكن للبحر الأحمر أهمية تجارية تذكر الا عند اكتمال قناة السويس عام 1869 فأصبحت ممراً بحرياً مباشراً بين أوروبا والشرق الأقصى. ومن الموانئ الرئيسية على البحر الأحمر السويس والقصير في مصر وبور سودان وسواكن في السودان وجدة في المملكة العربية السعودية والحديدة والمخا في اليمن.
تستوطن البحر الأحمر كائنات حية متنوعة تكيفت مع الظروف المحلية، حتى ان بعضها يقتصر على هذه المنطقة من العالم دون غيرها. وتشير الأبحاث الى أن نحو 10 في المئة من الأنواع السمكية في البحر الأحمر و10 في المئة من لافقرياته تقتصر عليه دون سواه. وتنتشر على سواحله حيود بحرية تحظى بكمية وافرة من ضوء الشمس مما جعلها حدائق مرجانية وصفت بأنها من أروع البيئات المرجانية في العالم.
وما زالت مياه البحر الأحمر وخليج عدن قليلة التلوث نسبياً. لكن بعض المناطق تشهد نمواً سريعاً، وخصوصاً في مجال التنقيب عن النفط وانتاجه وشحنه. ومن أجل تلافي المشاكل التي يمكن أن يسببها هذا النمو السريع عقد ممثلو دول المنطقة عدة اجتماعات، وأقروا في شباط (فبراير) 1982 خطة عمل لحماية البيئة البحرية وتنمية المناطق الساحلية في البحر الأحمر وخليج عدن، واتفاقية اقليمية لحماية البيئة، وبروتوكولاً للتعاون الاقليمي لمكافحة التلوث بالنفط والمواد الضارة الأخرى في حالات الطوارئ. وتشمل خطة عمل البحر الأحمر وخليج عدن البلدان الآتية: الأردن، جيبوتي، المملكة العربية السعودية، مصر، السودان، الصومال، فلسطين، اليمن.
الخليج العربي وخليج عمان
الخليج العربي بحر داخلي ضحل تغطي مياهه جزءاً من الافريز القاري. وهو يتصل بخليج عمان من ناحية الجنوب الشرقي عن طريق مضيق هرمز، وبذلك يمثل ذراعاً للمحيط الهندي تفصل شبه الجزيرة العربية غرباً عن ايران. يبلغ طوله من مضيق هرمز الى شط العرب حوالى 965 كيلومتراً، ويراوح عرضه بين 47 و370 كيلومتراً. مساحته نحو 233 ألف كيلومتر مربع، وأقصى عمقه حوالى 91 متراً. ويقدر حجم المياه فيه بنحو 8500 كيلومتر مكعب.
ونتيجة للموقع الجغرافي المتميز للخليج فقد كان عبر التاريخ مركزاً تجارياً وممراً مائياً عالمياً بين المحيط الهندي والبحر المتوسط. ونشأت على ضفافه صناعة السفن ونشطت الموانئ التجارية وانتشرت مصائد الأسماك ومحار اللؤلؤ نظراً لتوافر الظروف المناخية والبحرية المناسبة لنموها وتكاثرها، اذ تتميز مياه الخليج بأنها صافية معتدلة الملوحة ودافئة. ولهذا نمت فيه الشعاب المرجانية التي تكثر في الأجزاء الضحلة أمام السواحل الغربية. وتمثل هذه الشعاب بيئة صالحة لتجمعات الأسماك وتكاثرها وتربية محار اللؤلؤ. كما تنمو في الكثير من خلجانه وأخواره أنواع من النباتات الملحية ذات الأهمية البيئية والاقتصادية مثل أشجار القرم.
من الناحية الجيولوجية، تعرضت منطقة الخليج لحركات أرضية قديمة نتجت عنها التواءات وقباب متعددة شكلت مكامن هائلة للنفط الذي يجري استخراجه من قاع الخليج بكميات كبيرة. وتمتلك دول الخليج أكثر من 50 في المئة من مجموع الاحتياط العالمي المؤكد من النفط. كما أن انتاجها يمثل نحو 35 في المئة من جملة الانتاج العالمي.
والخليج بالنسبة الى سكان الدول الصحراوية المطلة عليه بمثابة الرئة التي يتنفسون من خلالها لانتشار مناطق الترويح المتميزة بجمال الطبيعة. وهو المحور الاقتصادي الذي يعتمدون عليه كمصدر للثروة السمكية التي تعتبر من أهم مصادر الغذاء المحلية. كما أن أكثر من 95 في المئة من مياه الشرب في المنطقة تنتج من محطات تحلية مياه الخليج.
ومع تزايد النشاطات الاقتصادية والصناعية والعمرانية التي شهدتها دول الخليج أصبحت البيئة البحرية معرضة للتلوث من مصادر متعددة، أهمها: مخلفات المصانع، وأنابيب صرف المياه الساخنة من محطات توليد الطاقة الساحلية والمصانع التي تعتمد على مياه الخليج في عمليات التبريد، والمخلفات العمرانية ومياه المجاري والصرف الصحي من المدن الساحلية، ومخلفات أعمال الحفر لانشاء الموانئ والأرصفة البحرية وتوسيع القنوات الملاحية وبناء السفن وطلائها واصلاحها، ومخلفات عمليات الحفر والتنقيب واستخراج النفط من الحقول البحرية وشحنها في موانئ التصدير، ومخلفات مصافي النفط ومصانع البتروكيميائيات الساحلية، وحوادث التسرب من السفن التجارية وناقلات النفط والمواد الكيميائية، والتسربات النفطية نتيجة انفجار آبار بحرية أو تدمير خطوط أنابيب أو منشآت خلال الحروب التي وقعت في المنطقة.
وقد أدت اصابة آبار حقل نيروز الايراني أثناء الحرب العراقية الايرانية في شباط (فبراير) 1983 الى اندلاع النيران فيها وتسرب كميات كبيرة من النفط في مياه الخليج بلغت نحو 3000 برميل يومياً، ثم تزايدت الكمية في أيار (مايو) من تلك السنة نتيجة انهيار بعض منصات الآبار الى 4000 برميل يومياً ثم الى 12000 برميل يومياً لمدة عام. وأدى تدمير حقول النفط واشتعال النيران في الآبار الكويتية أثناء الغزو العراقي في أوائل 1991 الى تسرب النفط الخام بكميات كبيرة من ميناءي الأحمدي والبكر شمال الخليج العربي. وتعد هذه الحادثة من أعظم الكوارث البيئية في التاريخ الحديث، فقد أدت الى تسرب ما بين 8 و10 ملايين برميل من النفط الخام الى البيئة البحرية.
وثمة قنابل غير منفجرة في مياه الخليج هي من مخلفات الحروب وتشكل خطراً أمنياً وبيئياً في المنطقة. وهناك أكثر من 250 سفينة وقارباً غارقة في المياه الضحلة شمال الخليج وفي شط العرب، كثير منها يحتوي على ذخائر. ومن السفن الغارقة ناقلتا نفط كبيرتان محملتان على بعد أقل من كيلومترين من الساحل الكويتي قبالة جزيرة بوبيان، وقد أخذ هيكلاهما يتأكل مما يهدد بتسرب ما تبقى في خزاناتهما.
تشير الدراسات الى أن الأضرار التي لحقت بالحياة الفطرية في الخليج العربي كبيرة. وقد نفقت أعداد لا تحصى من الطيور والأسماك والأحياء البحرية نتيجة التسرب النفطي الناتج من حرب الخليج. كما تعرضت مواطن الشعاب المرجانية والأعشاب البحرية والطحالب والعوالق النباتية لأضرار من جراء التلوث. ولكن على رغم ما تتعرض له بيئة الخليج من ضغوط فهي ما زالت منطقة حيوية لنمو وتكاثر الأسماك والقريدس (الجمبري) وعرائس البحر والسلاحف والدلافين والطيور المهاجرة والمستوطنة.
عقد برنامج الأمم المتحدة للبيئة في الكويت عام 1978 مؤتمراً حول حماية البيئة البحرية والمناطق الساحلية وتنميتها، شارك فيه ممثلو دول الخليج. وأقر المؤتمر اتفاقية الكويت للتعاون في حماية البيئة البحرية من التلوث وبروتوكولاً للتعاون الاقليمي لمكافحة التلوث بالنفط والمواد الضارة الأخرى في حالات الطوارئ. وبدأ سريان الاتفاقية عام 1980. وفي 1981 أنشئت المنظمة الاقليمية لحماية البيئة البحرية للعمل على تطوير الخطة وتنفيذها. وفي آذار (مارس) 1998 وقعت الدول الأعضاء في المنظمة بروتوكولاً لضبط التحركات عبر الحدود والقاء النفايات الخطرة.
وتشمل اتفاقية الكويت الدول الخليجية الآتية: الامارات العربية المتحدة، ايران، البحرين، المملكة العربية السعودية، العراق، سلطنة عمان، قطر، الكويت.
كادر
البحر الميت: الأدنى على سطح الأرض
البحر الميت بحيرة مالحة بين الأردن واسرائيل. ينخفض سطحه 395 متراً تحت مستوى البحار العالمية، مما يشكل أدنى سطح على الكرة الأرضية. طوله 76 كيلومتراً وعرضه الأقصى حوالى 16 كيلومتراً ومساحته 1049 كيلومتراً مربعاً. وهو في الجزء الشمالي من وادي الصدع الكبير الممتد من نهر الأردن في آسيا الى وسط موزمبيق في أفريقيا. عمقه الأقصى 399 متراً، أي 794 متراً تحت مستوى سطح البحار.
يتغذى البحر الميت أساساً من نهر الأردن الذي يصب في شماله، كما تصب فيه عدة مجارٍ مائية صغيرة، خصوصاً في الشرق. وليس له أي مخرج. ودرجة التبخر فيه عالية بسبب الطقس الصحراوي الحار.
والبحر الميت أملح من المحيط سبع مرات تقريباً. وعلى عمق 305 أمتار تحتوي مياهه على مواد صلبة نسبتها 27 في المئة هي كلوريد الصوديوم (ملح الطعام) وكلوريد المغنيزيوم وكلوريد الكالسيوم وكلوريد البوتاسيوم وبروميد المغنيزيوم ومواد كثيرة أخرى. وبسبب كثافة المواد الصلبة في المياه يطفو الجسم البشري بسهولة على السطح. ولا يعيش في البحر الميت سوى أنواع قليلة من الجراثيم. واذا ما وضعت في مياهه سمكة بحرية فهي سرعان ما تموت.
البحر الميت مهم اقتصادياً كمصدر للبوتاس والبروم والجص (الجبس) والملح وغيرها من المنتجات الكيميائية التي يجري استخراجها بكلفة بخسة. وتزداد أهمية شواطئه كمنتجع شتوي صحي.
كادر
اسرائيل ماضية في تسميم المتوسط
نيقوسيا - تقوم السفينة الاسرائيلية »أرييل« برحلات منتظمة الى عرض البحر قبالة حيفا حيث تفرغ حمولاتها من الوحول السامة في المياه الدولية.
وكان ناشطون من منظمة "غرينبيس" قد انطلقوا في قاربين مطاطيين من قبرص واعترضوا السفينة وهي تفرغ حمولتها وطلبوا منها التوقف عن هذا العمل. وتضغط المنظمة منذ العام 1994 على الحكومة الاسرائيلية لوضع حد لهذه الممارسات الخطرة، لكن رافاييل ايتان وزير البيئة الاسرائيلي ما ان يعد بوقف هذه الاعمال حتى يصدر اذناً جديداً لشركة حيفا للكيميائيات للاستمرار في تصريف المزيد من الملوثات.
وتدعي الشركةأن الوحول التي تفرغها سفينتها هي "بقايا صخور بوتاس معالجة". لكن الاختبارات التي اجرتها "غرينبيس" في مختبرها في لندن أثبتت أن العينات المأخوذة من السفينة تحوي مواد كيميائية سامة مثل الهيدروكربونات العطرية المتعددة الحلقات والبنزول المؤكلل والألكينات المهلجنة. وهذا يسبب تلوثاً خطيراً ويؤثر سلباً على النظم الايكولوجية البحرية. ومن أكثر الدول تأثراً قبرص ومصر ولبنان.
كادر
تفادي الكارثة: ماذا يحل بالجزر الصغيرة اذا ارتفعت البحار؟
بقلم: مأمون عبد القيوم
رئيس جمهورية الملديف
تتنبأ اللجنة الحكومية المشتركة لتغير المناخ بأن يرتفع مستوى البحار في العالم حوالى 95 سنتيمتراً بحلول سنة 2100. في المناطق البعيدة عن خط الاستواء قد تحدث هذه الظاهرة من دون أن تلاحظ. لكنها تحمل نذر الخطر لكثير من المناطق المنخفضة، سواء في الدول الكبرى أو الصغرى. والأدهى من ذلك أن ارتفاع مستوى البحار ليس ظاهرة معزولة وانما هو جزء من عملية أوسع للتغير المناخي ستكون لها تأثيرات سيئة على جميع شعوب الأرض.
المناطق المنخفضة خصبة ومكتظة بالسكان، وتطوير بناها التحتية مكلف. لذلك فان ارتفاع مستوى البحار متراً واحداً سيؤدي الى خسائر بشرية ومادية خيالية. فهو قد يؤثر، مثلاً، على أكثر من 70 مليون شخص في المناطق الساحلية في الصين، ويؤدي الى نزوح عشرة في المئة من سكان مصر و60 في المئة من سكان بنغلادش. وسوف تعاني البلدان الغنية أيضاً. فقد يتأثر أكثر من 60 في المئة من سكان هولندا، ويتعرض للخطر 15 في المئة من سكان اليابان و50 في المئة من صناعتها. وقد تخسر الولايات المتحدة 17 ألف كيلومتر مربع من الأراضي الرطبة ومساحة مماثلة من الأراضي الجافة. وفي الدول المنخفضة مثل جزر الملديف وجزر مارشال سيصبح كل السكان في خطر.
مواجهة الحقيقة
ترتفع جزر الملديف بمعدل متر واحد عن سطح البحر. وفي عامي 1987 و1991 غمرت الأمواج العالية التي سببتها العواصف عدداً كبيراً من الجزر بما في ذلك ثلث العاصمة حيث يعيش ربع سكان البلاد. وأغلق المطار الدولي مما ألحق ضرراً بالغاً بالسياحة وأعاق عمليات الاغاثة. وأظهرت المسوحات أن نحو ثلث الجزر المأهولة التي يبلغ عددها مئتين واجهت مشاكل تأكل وانجراف خطيرة في الشواطئ.
وارتفاع مستوى البحار ليس فرضية علمية تقليدية بل هو حقيقة. فقد ارتفعت البحار فعلاً خلال هذا القرن بين 10 سنتيمترات و25 سنتيمتراً. ويجمع العلماء على أن النشاطات البشرية التي تؤثر في المناخ ستجعل البحار ترتفع بوتيرة أسرع في المستقبل.
لا مفر للدول من اتخاذ اجراءات فورية في ثلاثة مجالات رئيسية: ترحيل السكان عن مناطق الخطر وتوطينهم في مناطق آمنة، والتكيف مع ارتفاع مستوى البحر، واتخاذ التدابير الوقائية لمنع الأراضي من الغرق. وبالنسبة الى كثير من الدول الصغيرة، خصوصاً القائمة على جزر، فان نقل السكان مستحيل. واتخاذ اجراءات تخفيفية ووقائية مكلف الى حد بعيد، اذ يبلغ متوسط الكلفة السنوية اثنين في المئة من الناتج الوطني الاجمالي. لذلك لا بد للدول الصغيرة من مساعدات خارجية كبيرة لكي تتمكن من اتباع استراتيجيات تخفيفية ووقائية.
معالجة المشكلة
يجب أن يكون الرد مستديماً وطويل الأجل وأن يعالج المشكلة من جذورها. فمستوى البحار يرتفع بسبب التمدد الحراري للمحيطات وذوبان الجليد القطبي، وهذه احدى نتائج التدهور الايكولوجي الذي يؤدي الى ارتفاع الحرارة في العالم. والجوانب الأخرى لتغير المناخ، مثل الظواهر الحادة في أحوال الطقس، من شأنها أن تضاعف الخطر. وهناك تأثيرات أخرى، منها ازدياد تأكل المناطق الساحلية، وارتفاع ملوحة مصبات الأنهار وطبقات المياه العذبة الجوفية، وتغير حركات المد والجزر وأنماط التيارات، وتغير الأوضاع الكيميائية والميكروبيولوجية للمياه الساحلية. وسوف تتلف المحاصيل مما يسبب مجاعات ويؤدي الى تفشي أمراض جديدة في أنحاء العالم.
وارتفاع الحرارة في العالم هو نتيجة ازدياد تركيزات ثاني اوكسيد الكربون وغازات الدفيئة الأخرى في الغلاف الجوي. والسبب الرئيسي لذلك هو اعتماد الاقتصاد العالمي الى حد كبير على الوقود الاحفوري. وقد أدى التصنيع والتمدد العمراني والنمو السكاني السريع الى ازدياد الطلب العالمي على الطاقة الناتجة أساساً من حرق الوقود الأحفوري. وفي الوقت ذاته حدّ زوال الغابات من القدرة الطبيعية على خفض تركيزات ثاني اوكسيد الكربون في الجو. لذلك فان الحل على المدى الطويل هو في وقف عملية ارتفاع الحرارة العالمية وخفض التدهور الايكولوجي. وهذا يتطلب شراكة دولية في اتخاذ اجراء فعال وسريع.
قد يكون الوقت لم يتأخر كثيراً لكبح جماح تغير المناخ. لكن الوقت ثمين، ليس فقط لحماية المناطق الساحلية وانما لمنع كارثة عالمية محتملة.