طبقت شهرة الصمغ العربي الآفاق، واستخدمه ملايين البشر منذ القدم لأغراض مختلفة. إنه العصارة الصمغية الطبيعية اللزجة التي تستخلص عن طريق جرح جذوع وأغصان نوعين من شجر الأكاسيا ينموان في الصحراء الافريقية الكبرى، هما الهشاب والطلح ( Acacia senegal وAcacia seyal). ويمتاز بقابلية ذوبانه في الماء البارد، ولونه الصافي، وتكوينه طبقات رقيقة شفافة.
يستعمل الصمغ العربي Gum Arabic أساساً كمادة مثبتة للنكهات في صناعة المنتجات الغذائية، ويشكل عنصراً رئيسياً في صناعة المرطبات والسكاكر واللبان (العلكة) والزيوت الأساسية وكثير من الأدوية. كما يستخدم في تحضير أصباغ الرسم المائية وفي طبع الصور الفوتوغرافية. وهو مكون رئيسي لدهانات الأحذية وللمادة اللاصقة على الطوابع البريدية وورق السجائر. وتستعمله المطابع لمنع تأكسد صفائح الطباعة المصنوعة من الألومنيوم خلال الفترة الفاصلة بين تهيئتها واستعمالها في الطبع.
كان الصمغ العربي ضمن منتجات قليلة استثنتها الولايات المتحدة من العقوبات التي فرضتها على السودان عام 1997. وقبل أن يبدأ السودان بتصدير النفط، كان الصمغ العربي يدر على البلاد 16 في المئة من الايرادات بالعملة الصعبة. وحتى 1920، كان هو المحصول التصديري الأول في السودان.
وفقاً لبيانات الهيئة القومية للغابات، يشمل حزام الصمغ العربي خُمس مساحة السودان، ويغطي 11 ولاية، ويعمل في إنتاجه أكثر من خمسة ملايين مواطن. ويدعم عائده المالي المزارع التقليدي، ويساهم في توفير حطب الوقود وخشب المباني والأثاث والمعدات، كما أن أشجاره تقاوم الزحف الصحراوي. وقد عرف السودان إنتاج الصمغ العربي قبل 6000 سنة، وكان يساهم في الاقتصاد القومي بنحو 15 في المئة. وتعتبر ولايتا كردفان ودارفور من أكثر الولايات إنتاجاً، حيث تساهمان بنسبة 74 في المئة من الإنتاج، تليهما ولايات النيل الأزرق والنيل الأبيض والقضارف.
ظل السودان لفترة طويلة يصنف الأول في إنتاج الصمغ العربي وتصديره، إذ ينتج 80 في المئة من الاستهلاك العالمي. وازدهرت تجارته في ستينات القرن الماضي بصادرات سنوية بلغت في المتوسط 45 ألف طن. لكن الإنتاج بدأ يتدهور منذ السبعينات حتى بلغ 11 ألف طن فقط عام 2001.
حظي الصمغ العربي مؤخراً بمساع لزيادة إنتاجيته وصادراته، خلصته من بعض وضعه البائس الذي لازمه أكثر من ثلاثة عقود. فارتفعت كميات الإنتاج والصادرات لتبلغ عام 2009 نحو 49 ألف طن بقيمة 75 مليون دولار، ثم قرابة 60 ألف طن عام 2010. وهكذا عاد السودان أكبر منتج للصمغ العربي. وهو الدولة الوحيدة التي طورت نظاماً شاملاً لتصنيف الأصماغ وفق جودتها. وقد اشتهر تاريخياً وعالمياً بنقاء أصماغه وتطور عمليات إنتاجها وتداولها. ويتصدر قائمة الأصماغ السودانية صمغ الهشاب من حيث الأهمية الاقتصادية وحجم القطاع، يليه صمغ الطلحة، واللبان، ثم القوار والكاكاموت. ويتم تداول الأصماغ الخمسة المذكورة في السوق العالمية وفقاً للمواصفات القياسية السودانية.
ويرى المختصون أن أهم أسباب تدهور إنتاج الصمغ، مع أنه سلعة عالمية نادرة، تذبذب أسعاره وإهمال مناطقه وحدة الفقر فيها وعدم مساعدة المنتجين في تجهيز المحصول، إضافـة الى مشاكـل التغير المناخي والجفـاف والآفات الزراعية ـ خصوصاً جراد ساري الليل ـ وعدم الاستقرار والنزاعات القبلية.
ارتفعت أسعار الصمغ العربي في تشرين الثاني (نوفمبر) 2010 بعد ثبات طويل بمقدار 150 دولاراً للطن، من 2000 الى 2150 دولاراً. بعد ذلك سجل سعراً قياسياً مذهلاً، إذ قفز من 2150 الى 3700 دولار للطن، ثم زاد الى 4100 دولار في آذار (مارس) 2011، قبل أن يعود مطلع نيسان (أبريل) الى 3700 دولار. والسببان اللذان ربما أثرا في حدوث هذا الصعود الهائل هما الطلب الكبير والمنافسة القوية عالمياً، بحسب الأمين العام لمجلس الصمغ العربي الدكتور عبدالماجد عبدالقادر، الذي قال: «ربما يكون سبب هذا الطلب القوي الأبحاث العالمية الجديدة التي أجريت على صمغ الهشاب وكشفت احتواءه على مادة البريبيوتك المفيدة في مقاومة العديد من الأمراض». واعتبر أن هذه الأسعار مهمة للاقتصاد السوداني، لكنها تعني أن لا بد من عمل المزيد لمضاعفة الإنتاج وكميات التصدير، الذي يسعى المجلس الى أن يكون في حدود 65 ـ 70 ألف طن في السنتين المقبلتين.
أعلن مؤخراً أن الصمغ العربي هو أيضاً مكمل غذائي فائق الأهمية للجسم، كما أنه غذاء للبكتيريا النافعة يدعمها في مواجهة البكتيريا الضارة. وقال الدكتور عصام صديق الخبير في الصمغ العربي: "إنه بريبيوتك (prebiotic) يغذي الجسم ويعزز طاقته وعملية الهضم. وتتغذى عليه أيضاً بكتيريا البروبيوتك (probiotic) التي تعمل على إخراج الفضلات والسموم والدهون الزائدة من الجسم وتقوية جهاز المناعة ومحاربة البكتيريا الضارة، وتعيش في القولون والزائدة الدودية. وبذلك تكون له استخدامات عديدة كمضاف غذائي، وفوائد طبية في مقاومة العديد من الأمراض، منها السكري وارتفاع ضغط الدم وبعض مشاكل الجهاز الهضمي".
وأوضح الدكتور جون لوبين، المستشار العلمي لمؤسسة Aid Gum أن الصمغ العربي هو بريبيوتك يعمل على إنتاج الأحماض الدهنية القصيرة الأجل التي تمد الجسم بالطاقة، ويساعد في تحسين وظيفة الأمعاء. وأضاف أن منظمة الأغذية والزراعة ومنظمة الصحة العالمية اختبرتا استخدامه وسلامته، وأعلنتا عبر لجنة الخبراء المشتركة ولجنة الدستور الغذائي أنه مادة آمنة جداً.
وأفادت الهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس أن للصمغ العربي الكثير من الخصائص الوظيفية التي تدعم إضافته الى مواد غذائية مختلفة، وهو يمثل بديلاً جيداً للمضافات الغذائية الكيميائية. ويمكن استخدامه في الصناعات الطبية والصيدلانية، وفي المنزل. وقد أجازت لجنة مضافات الأغذية استخدامه في الأغذية ذات الاستخدامات الطبية الخاصة وأغذية الحمية والأغذية المكملة.
وقالت الدكتورة أميمة محيي الدين، استشارية طب الأطفال والجهاز الهضمي والكبد: «الأبحاث الطبية التي أجريت على الصمغ العربي أثبتت فعاليته في معالجة بعض أمراض المعدة والإكزيما. وقد تحققت نتائج مذهلة، خصوصاً في معالجة حساسية الجلد وأمراض الإمساك والإسهال والجفاف والقولون العصبي والسكري والكولسترول ولين العظام لدى الأطفال وسلوكيات النشاط المفرط».
وجاء في دراسة للدكتور حامد الأمين عن الاستخدامات الطبية للصمغ أن من فوائده علاج بعض الأمراض كنزلات البرد والإسهال، ومساهمته في تقليل نسبة الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية، فضلاً عن تقليل الكولسترول وزيادة فعالية الإنسولين في إفراز السكر.
توقع مركز التجارة الدولي أن يستمر الطلب القوي على الصمغ، على رغم أن التعافي الاقتصادي العالمي ما زال هشاً، اذ استؤنف العديد من الأنشطة الاقتصادية في دول أوروبا المستوردة للصمغ، إضافة الى النمو في دول آسيا وأميركا اللاتينية الناشئة التي تعمل على شراء حاجتها من الدول المنتجة مباشرة. ولا بد أن يدفع ذلك دول الصمغ لتطوير اقتصادها ووسائل إنتاجها وتسويقها وتقوية علاقاتها التجارية مع هذه الدول المستوردة. وأكد ألفريد وولف، رئيس المنظمة الدولية لترويج الأصماغ، حرص المجموعة الدولية المعنية بالصمغ السوداني على استقرار الإمداد وهدوء الأسعار وجودة النوعية والمواصفات.
قد يستعيد حزام الصمغ العربي الشهير عافيته ونضرته بعدما فقد نحو نصف مساحته خلال العقود الخمسة الماضية، في حال نجاح فكرة مشروع زراعة 6000 كيلومتر مربع بالشجرتين المنتجتين لهذا الصمغ. ويقول رواد هذه الفكرة إن حزام الصمغ السوداني، الذي تنبت فيه شجرتا الهشاب والطلح الأكثر تفرداً وجودة في العالم، خسر الكثير من أشجاره بسبب الاهمال وعوامل عديدة أخرى. وهم يريدون أن يعوضوا الخسارة في «مشروع بليون شجرة غابية مثمرة»، وذلك في حيازات أرضية غير مستغلة يمتلكها مواطنون على امتداد مساحة الحزام الفقير. وسوف يقوم تلاميذ المدارس الأساسية برعاية بعضها مع السلطات المحلية.
جنوب السودان مُهيّـأ للنمو المُستدام بالزراعة
يواجه جنوب السودان، الذي احتفل باستقلاله في 9 تموز (يوليو) 2011، العديد من التحديات لبناء اقتصاد قوي ومستقر سنداً للأمن الغذائي وموارد رزق سكانه.
وتنشط منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (فاو) لمساعدة أحدث بلد يعلن استقلاله في بناء قطاع زراعي مستدام. وفي إطار خطة للمساعدة الموقتة، رصدت مبلغ 50 مليون دولار لبناء القدرات في مكاتب الإرشاد الزراعي، والتوسط لحسم النزاعات على موارد المياه، وتطوير قطاع الماشية. وتتضمن الخطة الانتقالية للمنظمة إنشاء قطاع لإنتاج البذور، وتدعيم أنشطة إنتاج الغذاء في المناطق الحضرية وشبه الحضرية، مع عودة أعداد كبيرة من النازحين الى العاصمة جوبا وغيرها من بلدات الجنوب السوداني، الذي يتعيّن عليه الآن إنتاج أكبر كميات ممكنة من المواد الغذائية ذاتياً.
يقول جورج أوكيتش، رئيس مكتب الفاو في جنوب السودان: "هذا البلد بالغ الثراء بمقياس الموارد الطبيعية. ومع اعتماد 95 في المئة من السكان على تلك الموارد للبقاء، ثمة إمكانات هائلة للنمو المستدام من خلال الزراعة".
وتدير الفاو حالياً برنامج طوارئ لإعادة التأهيل بقيمة 61 مليون دولار في جنوب السودان. وقد ساعد 250 ألف من العائدين والمشرَّدين داخلياً ممن فروا من مزارعهم في غضون الصراع السابق على استئناف العمل في الزراعة، وساند الأسر الضعيفة التي تستضيف العائدين. ويتضمن الدعم تدريب الشباب في مدارس المزراعين الحقلية وبناء القدرات الإدارية والمؤسسية.
في موازاة ذلك، قامت المنظمة مؤخراً بتنفيذ مسح مكثّف للغطاء الأرضي بواسطة صور الأقمار الاصطناعية، كشف أن 4,5 في المئة فقط من مجموع الرقعة الكلية المتوافرة حالياً يستخدم في الزراعة. واستهدف المسح الوقوف على توزيع الأراضي الزراعية والموارد الطبيعية الأخرى، بما في ذلك الغابات والمراعي والأنهار. وقال أوكيتش: "إن إطلاق قاعدة بيانات الغطاء الأرضي لم يكن ليأتي في وقت أفضل لأمّة جنوب السودان الجديدة".
|