في قرية عين البيضاء في محافظة الطفيلة جنوب الأردن، يقوم مهندسون من الشبكة الإسلامية لإدارة المصادر المائية بتركيب مجموعة من أجهزة التنقية البسيطة في منازل القرية، لإعادة استخدام مياه الغسيل في الزراعة. وفي حديقة وزارة المياه والري، يقوم مهندسون من مركز دراسات البيئة المبنية بزراعة نباتات تتحمل الجفاف، لانشاء نموذج "من حدائق الندرة المائية". وفي عمان، توزع جمعية البيئة الأردنية نسخاً من دليل لترشيد استهلاك المياه على أئمة المساجد، لإعطائهم معلومات تساعدهم على إلقاء خطب الجمعة حول الاقتصاد في استخدام الماء.
لماذا يفعل الأردنيون كل ذلك؟ ببساطة، لأن بلدهم هو من أشد البلدان فقراً بالموارد المائية، ومن المهم جداً العمل على حسن استخدام كل قطرة مياه موجودة. ومثل هذه المشاريع الصغيرة تساهم في التوعية عملياً بمشاكل المياه، وجعل غالبية المواطنين الأردنيين يشاركون في جهود الحفاظ على المياه، والأهم من ذلك أن يكونوا طرفاً في الحل.
أزمة مزمنة
تعتبر قضية نقص موارد المياه وتردي نوعيتها القضية البيئية الرئيسية في الأردن، التي يتم التركيز الدائم عليها كمسألة تتعلق بالأمن القومي والاجتماعي والاقتصادي في المقام الأول. يستهلك الأردن سنوياً ما مجموعه 1021 مليون متر مكعب من المياه لمختلف الأغراض، ومن المتوقع أن يرتفع الطلب إلى 1299 مليون متر مكعب سنة 2005، وإلى 1626 مليون متر مكعب سنة 2020. ويصل معدل طاقة مصادر المياه المتجددة والقابلة للتطوير الى 780 مليون متر مكعب سنوياً، منها حوالى 505 ملايين مياه سطحية و275 مليوناً مياه جوفية. يضاف إلى ذلك مخزون غير متجدد في حوض الديسي في جنوب الأردن بحدود 140 مليون متر مكعب سنوياً. ويتم استخدام 69 في المئة من المياه للزراعة و27 في المئة للأغراض المنزلية والشرب و4 في المئة للأغراض الصناعية.
حسب الإحصاءات الواردة في تقرير التنمية المائية في العالم 2003، يصل معدل استهلاك الفرد الأردني من المياه إلى 178 متراً مكعباً في السنة، وهو أقل بكثير من خط الفقر المائي المتعارف عليه دولياً والذي يصل إلى 1000 متر مكعب سنوياً. وبالطبع فإن حصة الفرد تتناقص مع الزيادة السكانية، باعتبار أن موارد المياه شبه ثابتة، وكانت نسبة المياه للفرد 2000 متر سنوياً عام 1950.
من أجل تأمين الحد الأدنى من احتياجات مياه الشرب، التي تقدر سنوياً بحوالى 300 مليون متر مكعب، تعتمد الحكومة على تنفيذ مشاريع مائية سريعة وانتقالية. فهناك مشروع "الكوريدور" غرب عمان الذي يؤمن 10 ملايين متر مكعب سنوياً، ومشروع اللجون الذي يؤمن 11 مليوناً، منها 8 ملايين للعاصمة، وتحلية مياه حسبان التي تؤمن 30 مليوناً، بينما يعتقد أن تحلية مياه العقبة ستؤمن 40 مليون متر مكعب. وهناك مشاريع مائية استراتيجية، أهمها مشروع الديسي الذي يتوقع أن يؤمن 100 مليون متر مكعب سنوياً وعلى مدى يتراوح بين 50 و100 عام، ولكن بكلفة عالية جداً تصل إلى 440 مليون دينار (نحو 620 مليون دولار) لبناء خط ناقل من الديسي إلى عمان بطول 310 كيلومترات. وهناك أيضاً مشروع سد الوحدة مع سورية الذي يؤمن 225 مليون متر مكعب بكلفة 140 مليون دينار (196 مليون دولار).
يبقى من أكبر مظاهر سوء الإدارة المائية في الأردن مشكلة الضخ الجائر من الأحواض الجوفية. ويبلغ معدل الاستخراج الآمن حوالى 275 مليون متر مكعب سنوياً، في حين بلغ مجموع الضخ عام 1997 حوالى 485 مليون متر مكعب. وهناك نحو 400 بئر غير مرخصة تضخ ما يقارب 25 مليون متر مكعب سنوياً. أما عدد الآبار التي يزيد الضخ منها على 100 ألف متر مكعب سنوياً فيبلغ 800 بئر من أصل 1650 بئراً.
غير أن المحافظة على الموارد المائية هي في الأساس قضية سلوكية، وتحتاج إلى استجابات فعالة على مستوى المواطن والمجتمع. ولذلك فإن الكثير من المشاريع المهمة التي يتم تنفيذها في الأردن تجعل المواطن شريكاًً حقيقياً في عملية الحفاظ على الموارد المائية.
المياه الرمادية
يقوم مركز دراسات البيئة المبنية والشبكة الإسلامية لإدارة الموارد المائية بجهود متكاملة لتنفيذ مشروع إعادة استخدام المياه الرمادية في الأبنية السكنية والخدمية، على النطاقين الصغير والمتوسط.
المياه الرمادية هي الخارجة من المغاسل والمغاطس والدوشات والغسالات والمصارف الأرضية. وهي تشكل أكثر من نصف مياه الصرف، ونسبة تلوّثها أقل من نسبة تلوّث مياه المراحيض. ولذلك يمكن استعمالها لري النباتات أو غسل المراحيض بعد معالجة طفيفة، أو حتى من دون أي معالجة، ولكن بعد اتخاذ بعض الاحتياطات البسيطة. ومن شأن إعادة استخدام المياه الرمادية تقليل الطلب الإجمالي على المياه، والتوفير في قيمة فاتورتها على المستهلك. وقد قدرت الدراسات في عدد من البلدان أن المياه الرمادية الناتجة من الاستخدام المنزلي يمكن أن توفر نحو ۳٥ في المئة من إجمالي الاحتياج المنزلي إلى المياه.
وبحساب بسيط، اذا كانت معدل استهلاك الفرد الاردني 178 متراً مكعباً فـي السنة، فان 48 متراً مكعباً (27%) تذهب للاستهلاك المنزلي. أي ان عائلة من خمسة أفراد تصرّف نحو 240 متراً مكعباً في السنة، يمكن اعادة استخدام 120 متراً مكعباً منها، أي نصفها "الرمادي"، في الزراعة وغيرها.
يشمل مشروع إعادة استخدام المياه الرمادية عدة مكونات، منها دراسة تطبيقات استخدامها في بلدان متعددة، وتقييم النواحي التقنية والاجتماعية والاقتصادية لهذه التطبيقات. كذلك يبحث في العوامل الاجتماعية والاقتصادية والمناخية وغيرها من العوامل البيئية التي قد تؤثر على إعادة استخدام المياه الرمادية في الأردن. وبناء على ذلك، يقوم مركز دراسات البيئة المبنية، بالتعاون مع اختصاصيين أردنيين، بتطوير حلول لإعادة استخدام هذه المياه تكون مناسبة محلياً، كما يقدم نصائح تقنية للمساعدة في تنفيذ أنظمة إعادة استخدام المياه الرمادية في مناطق حضرية وريفية.
النوادي المائية المدرسية
من أجل تعزيز مفاهيم ترشيد استهلاك المياه لدى أجيال المستقبل، تم بذل الكثير من الجهد في مجالات التوعية المائية في المدارس. فقد قامت وزارة المياه، بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم، بتأسيس نواد مائية توعوية، حيث تم تأسيس ناد في كل مدرسة لتعميق مفاهيم ترشيد الاستهلاك لدى الطلبة. كل ناد يتألف من خمسة طلاب، بالاضافة الى معلم معني بقضايا الحفاظ على المياه. ومطلوب من كل ناد الاشراف المباشر على كل مرافق المياه داخل المدرسة، وعلى صيانتها ونظافتها ونظافة المشارب والخزانات وسلامة الحنفيات، واعادة استخدام المياه لسقاية المزروعات او لتنظيف دورات المياه. كما يعنى النادي بموضوع الحصاد المائي، من خلال جمع مياه الامطار في الخزانات.
من جهة أخرى، تعاونت وزارتا المياه والتربية والتعليم مع الجمعية الملكية لحماية الطبيعة ومشروع الكفاءة المائية المدعوم من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID)، من أجل إدخال مفاهيم إدارة المياه والحفاظ عليها في المناهج الدراسية. وبناء على دراسات وخطط شارك فيها اختصاصيون تربويون ومائيون، أصبحت المناهج المدرسية في الأردن تتضمن الكثير من المفاهيم حول المياه.
خطباء المساجد
في مجال مهم جداً من مجالات التوعية، قدم مشروع الكفاءة المائية والتوعية، بالتعاون مع جمعية البيئة الأردنية، الدعم الفني والعلمي لخطباء وأئمة المساجد، لإدخال مفاهيم ترشيد استهلاك المياه في المساجد وخطب الجمعة والدروس الدينية.
وتم استثمار الموروث الثقافي الديني لايصال رسالة التوعية المائية إلى عدد كبير جداً من المواطنين الذين يستمعون بجدية وايمان الى الدروس الدينية. وتدرب الأئمة، الذين يحظون بمصداقية كبيرة في المجتمع، على مفاهيم الحفاظ على المياه في الإسلام وايصالها الى الناس. واعتبرت هذه الطريقة من أنجح طرق التوعية في الأردن.
حدائق الندرة المائية
يمكن أن تكون الحديقة المنزلية جذابة ومفعمة بالأزهار والخضرة والغطاء النباتي، ولكن من دون أن تستهلك كميات كبيرة من المياه. هذه هي الفكرة الرئيسية وراء "حدائق الندرة المائية" التي يصممها مركز دراسات البيئة المبنية في الأردن بالتعاون مع مشروع الكفاءة المائية.
وتزرع النباتات المقاومة للجفاف في العديد من حدائق المنازل والمؤسسات. وبعكس الفكرة السائدة، فإن هذه ليست مجرد نباتات صحراوية باهتة وقصيرة تعطي إحساساً كئيباً، بل هي نباتات مزهرة وجذابة.
الحصاد المائي
يعتمد الحصاد المائي بشكل مباشر على مياه الأمطار. وهو من الوسائل التراثية التي استخدمها أجدادنا في تخزين المياه في فصل الشتاء للاستفادة منها وقت الحاجة أو الجفاف. انه عملية جمع المياه خلال مرحلة معينة من الدورة المائية، تبدأ لحظة وصول مياه الأمطار إلى سطوح المنازل أو الأرض، أو حتى في مرحلة الجريان المائي على شكل سيول، أو احتجاز المياه عن طريق بناء سد أو حقنها في آبار، بهدف التخزين والاستفادة من المياه المهدورة في أوقات الجفاف.
وتتم عمليات الحصاد المائي لأغراض الشرب والري وسقاية الماشية، من خلال طرق متعددة أهمها:
جمع الأمطار من سطوح المنازل: هذه من التقنيات القديمة الحديثة الأسهل تنفيذاً، حيث يتم جمع مياه الأمطار بواسطة (الميزاب) إما إلى الخزان مباشرة وإما باستخدام الأنابيب لنقل المياه من السطح إلى الخزان، الذي يكون عادة بئراً محفورة يدوياً. وقد أدخلت بعض التحسينات على هذا الأسلوب، فأصبح الخزان يبنى باستخدام الإسمنت المسلح. وبما أن نوعية مياه الأمطار جيدة، فإنها تكون صالحة عادة لجميع الاستخدامات، وخاصة الزراعية في الحدائق المحيطة بالمنازل. كما يمكن استخدامها للشرب في حال إضافة الكلور إليها.
ومن أهم التطورات في هذا المجال أن قانون ترخيص المنازل في أمانة عمان الكبرى وضع شرط إنشاء خزان مائي أرضي ليتم ترخيص البناء. وتظهر هذه التقنية كفاءة عالية في المسطحات ذات المساحة الكبيرة، كالجامعات والمستشفيات، حيث يمكن الحصول على كميات كبيرة تروي مساحة واسعة من الحدائق والأشجار، ومن خلالها يتم غسل التربة من الأملاح بفضل نوعية مياه الأمطار الجيدة.
آبار التجميع: وهي طريقة قديمة ترجع إلى العصر الروماني، وتتمثل بإنشاء خزانات في باطن الأرض غالباً ما تكون على شكل "إجاصة" لتسهيل حفظ المياه. وقد تستخدم هذه الطريقة لجمع المياه عن سطوح المنازل، إلا أن غالبية استخداماتها هي في جمع المياه عن سطح الأرض ومن مساحة يتم اختيارها حسب طاقة التخزين. وتنتشر هذه الآبار في مختلف المناطق، منها ما هو قريب من المدن ومنها ما هو صحراوي أو في الأماكن الريفية النائية. وغالباً ما تستخدم مياهها للري التكميلي أو لسقاية المواشي. وقديماً كانت تستخدم للشرب أيضاً.
الحفائر الصحراوية: وهي طريقة متطورة عن البرك الصحراوية الرومانية، يمكن من خلالها استيعاب كميات أكبر من المياه وبكلفة اقتصادية أقل. فالحفر هي عبارة عن خزان أرضي يُحفر على شكل بركة في التربة الطينية أو الطمي لأعماق تصل إلى عشرة أمتار. ويتم تحويل المياه الجارية في السيول والناتجة عن الأمطار إلى هذه البرك بعد مرورها على بركة أو عدة برك ترسيبية للتخلص من الرسوبيات. وقد يلجأ البعض إلى تبطين البرك بالنايلون أو البلاستيك للحد من فاقد التسرب إلى باطن الأرض. ويمكن استخدام هذه المياه للري.
السدود الترابية: تستخدم هذه السدود لتجميع المياه الجارية والأمطار لغايات الري أو الري التكميلي، أو من أجل تنفيذ عملية التغذية الاصطناعية للمياه الجوفية، أو لري النباتات الرعوية أو سقاية المواشي. وقد تم إنشاء عدد من السدود في مواقع مختلفة من الأردن.
آبار تجميع المياه المنزلية
يعاني الكثير من المجتمعات الريفية من صعوبات الحصول على مياه الشرب الملائمة من ناحية النوعية والكمية. فمياه الشرب التي يتم ضخها عبر الشبكة البلدية تنقطع معظم أيام الشهر، وفي الصيف لا تضخ إلا مرة واحدة اسبوعياً ولساعات قليلة. وهذا يضع العائلات أمام ضرورة شراء مياه الصهاريج.
بعض المؤسسات المانحة، مثل الوكالة الألمانية للتعاون التقني(GTZ) وبرنامج المنح الصغيرة لمرفق البيئة العالمي (GEF)، قدمت الدعم للكثير من المنظمات الريفية غير الحكومية، وخاصة الجمعيات النسائية، من خلال قروض دوارة للمجتمع المحلي والعائلات. وتستخدم هذه القروض لبناء آبار لتجميع مياه الأمطار والحصاد المائي في الحدائق والمنازل، مما يوفر كمية كافية من المياه النظيفة طوال أيام السنة للاستعمالات الزراعية والمنزلية، ويقلص الحاجة لشراء المياه من الصهاريج. وقد انتشرت هذه المشاريع الصغيرة في أرياف الأردن وأثبتت نجاحاً واضحاً.
هذه المشاريع، منفردة، تمثل مجموعات صغيرة من الجهود. ولكنها في النهاية تنصبّ معاً لتشكل محصلة من النتائج الهامة. فهي زادت وعي المواطن بأهمية ترشيد استهلاك المياه، وأشركته في جهود الحفاظ عليها كقضية وطنية.