Thursday 21 Nov 2024 |
AFED2022
 
AFEDAnnualReports
Environment and development AL-BIA WAL-TANMIA Leading Arabic Environment Magazine
المجلة البيئية العربية الاولى
 
مقالات
 
بربارة ستيوارت بيروت تحت الأرض  
حزيران (يونيو) 2003 / عدد 63
 خلال السنوات العشر الماضية، شاركت فرق أركيولوجية من 14 بلداً في مجموعة من أعمال التنقيب التي أجريت في وسط بيروت (الصورة 1). وكان بينها فريقنا من جامعة أمستردام في هولندا. وقد رافقت الحفريات الأثرية مشاريع إعداد البنية التحتية، كما واكبت مشاريع اعادة إعمار المباني المتضررة التي بدأت عام 1966. ويعود تاريخ الآثار المكتشفة الى 40,000 سنة خلت، من أدوات العصر الحجري القديم الى قبور من العصر الحديدي الى حمّامات رومانية الى مبانٍ من القرون الوسطى.
هذا المقال المصور هو حصيلة تجربتنا الشخصية خلال السنوات العشر الأخيرة كمساهمة في كشف آلاف السنين من التاريخ والحضارة تحت أنقاض بيروت.
 شكلت الخلجان على امتداد الشاطئ اللبناني ملاذات مثالية للسفن التي جابت البحر المتوسط. ومع الوقت، تأسست مستوطنات على الجزر والمنحدرات الصخرية، وفرت للبحارة مأوى آمناً في الليل وما احتاجوا اليه من الماء العذب والطعام والمؤن، في مقابل بضائع متنوعة كانوا يأتون بها من أماكن بعيدة مثل مصر وقبرص ورودس (الصورة 2).
خلال الألفين الثاني والأول قبل الميلاد، توسعت مستوطنة بيروت ـ على التل القديم ـ وأصبحت خلال العصر الهيليني مدينة تحتوي على عدد من الحصون ويحميها سور يحوطها. وفي عهد الرومان، احتلت بيروت المساحة التي تزنّرها اليوم طريق "الرينغ" وشارع الأمير فخرالدين وجادة جورج حداد. وكانت المدينة الرومانية محاطة بمقابر كبرى، تمتد من القنطاري (الصور 4 و5) حتى مستشفى القديس جاورجيوس (الروم) في الأشرفية. وشهد العام 551 للميلاد الدمار المفاجئ للمدينة المزدهرة في زلزال كبير. واعاد الناجون بناءها على نطاق صغير جداً، مستخدمين أنقاض المباني المدمرة. وظلت أنقاض بعض المباني التاريخية قيد الاستعمال حتى القرن العاشر للميلاد.
بقي موقع المستوطنة الأصلية بارزاً حتى بعد أن فقدت المدينة العز الذي كان لها خلال أزمنة الرومان. وشيد الصليبيون كنيسة، كما بنوا حصناً ظل معلماً بارزاً بالقرب من الميناء القديم حتى القرن الثامن عشر. وتميزت الفترة التي تلت بناء الحصن الصليبي بتعاقب سريع لحكام سياسيين تنافسوا للهيمنة على شرق البحر المتوسط. وشهد العهد المملوكي تحول كنيسة القديس يوحنا الى مسجد (الجامع العمري) هو اليوم من أقدم المباني في بيروت. وما زال بالامكان مشاهدة الهيكلية الأصلية للكنيسة.
خلال العهد العثماني، جلب حكم الأمير فخرالدين المعني الثاني (1623 ـ 1635) ازدهاراً جديداً لبيروت. وقد بنى قلعة وحديقة بالقرب من المنطقة التي ستقام فيها حديقة السماح مستقبلاً في ساحة الشهداء. وتميزت المدينة بشبكة من الأزقة. وفي أواخر العهد العثماني، بني السراي الكبير ومستشفى عسكري فوق الهضبة المشرفة على المدينة والميناء. وقد أصبح المستشفى في وقت لاحق قصر العدل، وهو اليوم مقر مجلس الانماء والاعمار. وبنيت ثكنة عسكرة على الرقعة التي قام فيها الحصن الصليبي سابقاً.
أضواء على الماضي
ما تعرضت له بيروت في العصور القديمة والحديثة من عمليات اعادة اعمار متواصلة ترك لعلماء الآثار بقايا قليلة للاكتشاف. وهذا يصح بشكل خاص على مستوطنة الألف الثالث قبل الميلاد، في الموقع الذي يعرف حالياً بالتل القديم شمال ساحة الشهداء. وقد تم الكشف عن جزء من منطقة مرتفعة لا بد أنها كانت حافلة يوماً بالمعابد والقصور والمخازن، وهي تطل على ميناء بيروت القديم. وما زالت مجموعة من الاستحكامات الترابية والحجرية تحوط وسط المستوطنة. أما المرتقيات الخفيفة الانحدار التي يعود تاريخها الى العصر الحديدي، حوالى الفترة 1000 ـ 550 قبل الميلاد (الصورة 6) فستبقى مرئية للزائرين وستشكل جزءاً من متحف سيقام على الموقع مستقبلاً.
تشير المكتشفات الأثرية الى أن المستوطنة امتدت خلال العصر الحديدي المتأخر (حوالى 550 ـ 350 قبل الميلاد) والعصر الهيليني (350 ـ 50 قبل الميلاد) من التل القديم في شكل هلالي حول المنطقة التي يقع فيها مبنى بلدية بيروت حالياً. وكـانت الأحياء الغربية للمدينة تقع في منطقة سوق الطويلة (الصورة 7). ويشير وجود بيوت واسعة وشبكة من القنوات الى أن مجتمعاً موسراً عاش في هذا الجزء من المدينة، بعيداً عن أحياء الحرفيين جنوب التل. والرياح الغربية السائدة أبقت هذا الحي أيضاً خالياً من الأصوات والروائح المنبعثة من الميناء. وخلال هذه الفترة، كان الأموات يدفنون في قبور لها مداخل حفرت في الصخور على طول الخط الساحلي القديم، وبين جامع المجيدية وفندق فينيسيا حالياً (الصورة 8 و9).
شهد موت الاسكندر الكبير (323 قبل الميلاد) انقسام امبراطوريته المترامية الأطراف الى عدة ممالك صغيرة. وفي القرن الثاني قبل الميلاد استغلت بيروت سياسة السلوقيين التي منحت المدن مزيداً من الاستقلال. وإنشاء سور ضخم للمدينة محصن بمعاقل دفاعية على زواياه دليل على ثروة اكتسبتها مجدداً من علاقات تجارية مزدهرة مع مناطق متوسطية أخرى. وما زال معقلان منها شاهدين صامتين على تلك الفترة، احدهما في الطرف الشرقي لسور العصر الحجري ويشاهد جيداً من معبر جادة جورج حداد، والآخر في حديقة باتيسري بول في أول شارع الجميزة (الصورة 10).
في هذه المدينة الهيلينية بنيت معالم الحضارة والقوة الرومانية. وكان الوصول الى الساحة العامة القديمة، وهي حالياً ساحة النجمة، عبـر جادة "كاردو مكسيموس" ذات الاتجاه الشمالي ـ الجنوبي (الصورة 11). وبني عدد من مجمعات الحمامات (الصورتان 12 و13)، وهي أماكن كانت توفر خدمات الاستحمام لمرتاديها ومجالاً للتواصل وإرساء العلاقات الاجتماعية. وكانت تحفّ بالشوارع حوانيت وصفوف أعمدة وتماثيل (الصورتان 14 و15). لكن هذا الرخاء انهار مع الزلزال الذي دمر المدينة عام 551 للميلاد.
مركز تجاري
خلال النصف الثاني من الألف الأول قبل الميلاد، كانت المدينة مركزاً رئيسياً للعلاقات التجارية في المشرق. ألوف الجرار المحتوية على بضائع مثل الزيتون وزيت الزيتون وتوابل السمك والخمور كانت تجلب الى بيروت على سفن تجارية قادمة من جزيرة رودس وايطاليا واسبانيا والبحر الأسود. ولهذه الجرار مقابض دمغت بأختام تبين هوية صانعها أو صاحب الأرض التي أتت منها البضاعة الموجودة داخل الجرة، اضافة الى الشهر الذي جنيت فيه واسم الحاكم الذي سميت السنة باسمه (الصورة 17).
المستقبل
بعض الآثار التي وجدت في منطقة ساحة الشهداء ستصبح جزءاً من حديقة السماح التي ستقام مستقبلاً. والحياة الناشطة التي تشهدها حالياً الطرقات المحيطة بساحة النجمة قد تكون انعكاساً للحياة التي كانت سائدة على طول جادة كاردو مكسيموس التي تمر تحت هذه المنطقة، والتي ستخضع للحماية في الحديقة. وسيتم ترميم مبنى حمامات صغير، مما سيجذب الناس الى مواصلة طقوس العلاقات الاجتماعية، حيث يقضون فترة استرخاء بعد الظهر يتبادلون خلالها أحاديث مع أصدقاء وشركاء عمل حول ما استجد من أخبار يومية. وستكون أفكار وعناصر الطبيعة اللبنانية المعاصرة ماثلة الى جانب بقايا المدينة القديمة. وموقع الحديقة، بين المراكز الدينية التي تعود الى الماضي والحاضر وفوق بقايا ألفي سنة من تاريخ المدينة، سيدعو الزائرين الى التأمل في ماضي بيروت الزاهر، وكذلك في مستقبل مشرق للمدينة انطلاقاً من عبرة "السماح" وما تحمله من معانٍ سامية.
كادر
أنهت بربارة ستيوارت دراسة علم الآثار في جامعة أمستردام عام 1989. وخلال دراستها شاركت في التنقيب في موقع صغير شمال غرب سورية يعود تاريخه الى الألف الثالث قبل الميلاد. هناك تعرفت الى زوجها هانس كيرفرز. القبور الكثيرة التي عثرت عليها في حفرياتها الاولى أثارت اهتمامها بعادات الدفن، ودفعتها الى التخصص بالكشف عن القبور القديمة وتحليل العظام البشرية. وقد بدأت مع زوجها عام 1994 مشروعاً تنقيبياً في بيروت، ما زال مستمراً، استجابة لدعوة عالمية من الاونيسكو للمساعدة في التنقيب عن الآثار في وسط بيروت. وهما شاركا أيضاً في مشاريع في صور وشحيم ودوما وتبنين. وهما يعملان حالياً في مشروع مشترك مع جامعة جونز هوبكنز الأميركية في سهل جبول شرق مدينة حلب السورية، حيث كشفا عن أول مجموعة من القبور الملكية.
 
 
 
 

اضف تعليق
*الاسم الكامل  
*التعليق  
CAPTCHA IMAGE
*أدخل الرمز  
   
. سطوح شمسية تنير مباني أبوظبي
"البيئة والتنمية" لعبة خطرة
بيروت ـ نسرين عجب البرلـمـان البيئي للشباب اللبنــاني
أناهي راما (مكسيكو) اختناق مـدينة
عزة عبدالمجيد - عمٌان البحر الميت حي بثرواته
 
بندر الأخضر صديق البيئة
(المجموعة الكاملة)
البيئة والتنمية
 
اسأل خبيرا
بوغوص غوكاسيان
تحويل النفايات العضوية إلى سماد - كومبوست
كيف تكون صديقا للبيئة
مقاطع مصورة
 
احدث المنشورات
البيئة العربية 9: التنمية المستدامة - تقرير أفد 2016
 
ان جميع مقالات ونصوص "البيئة والتنمية" تخضع لرخصة الحقوق الفكرية الخاصة بـ "المنشورات التقنية". يتوجب نسب المقال الى "البيئة والتنمية" . يحظر استخدام النصوص لأية غايات تجارية . يُحظر القيام بأي تعديل أو تحوير أو تغيير في النص الأصلي. لمزيد من المعلومات عن حقوق النشر يرجى الاتصال بادارة المجلة
©. All rights reserved, Al-Bia Wal-Tanmia and Technical Publications. Proper reference should appear with any contents used or quoted. No parts of the contents may be reproduced in any form by any electronic or mechanical means without permission. Use for commercial purposes should be licensed.