جهود مكافحة التصحر و"ترميم" النظام الايكولوجي بدأت تؤتي ثمارها في منغوليا، المعرفة بأنها مصدر للعواصف الرملية التي تجتاح العاصمة الصينية بيجينغ. فقد أعلن يانغ جينغ، رئيس هذا الاقليم الداخلي المتمتع بحكم ذاتي، ان التدهور البيئي قد تم كبحه الى حد كبير في شمال الصين بفضل الاهتمام بالجانب الايكولوجي في "برنامج إنماء الغرب" الذي أطلق عام 1999 بهدف مساعدة الغرب الاقصى المتخلف على اللحاق اقتصادياً بالمناطق الساحلية في الشرق.
نتيجة لجهود استصلاح الاراضي منذ انتهاء حكم سلالة كينغ (1911-1644)، تصحر أكثر من 60 في المئة من أراضي منغوليا الداخلية التي تبلغ مساحتها 1.18 مليون كيلومتر مربع، وتمتد من شرق الصين الى شمالها الغربي. ومشكلة التصحر هناك وفي اقاليم شمالية أخرى أشارت اهتماماً حكومياً واجتماعياً كبيراً، لأن بيجينغ ومدناً شرقية أخرى تعرضت تكراراً منذ أواخر التسعينات لعواصف رملية مصدرها تلك الاراضي المتصحرة. ولا يبعد الجزء الجنوبي الشرقي من منغوليا الداخلية عن بيجينغ إلا 400 كيلومتر.
جدار عظيم أخضر
بعد اطلاق برنامج إنماء الغرب، بدأ المسؤولون في اقليم منغوليا الداخلية يحثون المزارعين على التخلي عن أراضيهم الزراعية لاعادة تحريجها. وحظر الرعي في بعض المناطق لحماية السهول. واضافة الى الاستثمار في حماية الغابات الوطنية والحفاظ على التربة يسعى الاقليم الى اقامة "جدار أخضر عظيم" هو حزام من الاشجار الغابية يصد زحف الصحارى على بيجينغ ومدينة تيانجين الساحلية في شمال غرب الصين.
في العام 1997، كانت الغابات تغطي 13,8 في المئة من أرض الاقليم، وقد ارتفعت حالياً الى 14,8 في المئة. وأظهر مسح حديث أن المساحة المتصحرة هوركين، وهي منطقة صحراوية، تقلصت من 50 ألف كيلومتر مربع في الخمسينات الى 42 ألف كيلومتر مربع حالياً. وانخفضت المساحة المتصحرة في مدينة تونغلياك من 23 ألف كيلومتر مربع في 1994 الى 21 ألف كيلومتر مربع حالياً. وسجلت مدينة شيفنغ سابقة في مكافحة التصحر، اذ انخفضت المساحة المتصحرة في نطاقها الى 1100 كيلومتر مربع بعدما بلغت 20 ألف كيلومتر مربع في منتصف التسعينات.
يقول جينغ ان مشروع مكافحة التصحر لم يضف تحسناً على البيئة المحلية فحسب، وانما ساعد أيضاً على تعزيز دخل المزارعين والرعاة من خلال ترويج تكنولوجيا التشجير. وأضاف أن سلالات شجرية ذات مردودات اقتصادية عالية يتم ادخالها الى المناطق المتصحرة، مما زاد دخل المزارعين وحفزهم على دعم مشروع مكافحة التصحر. وحصلت 1.45 مليون عائلة تعمل في الزراعة على اعانات حكومية لتعويض تخليها عن أراضيها الزراعية. وتبلغ الحصة السنوية التي تقدمها الحكومة لكل أسرة نحو 550 كيلوغراماً من الحبوب و200 يوان (24 دولاراً).
صناعة صحراوية
في تشرين الثاني (نوفمبر) 2003، أطلقت الصين ثالث وأكبر حملة لمراقبة التصحر في البلاد، يشارك فيها أكثر من 10 آلاف خبير وباحث وفتى، مما يعتبر رقماً قياسياً من حيث عدد الاشخاص العاملين. ويجمع أسلوب المراقبة بين المسح السطحي وتكنولوجيا الاستشعار عن بعد بواسطة الاقمار الاصطناعية ونظام المعلومات الجغرافية (GIS) ونظام الرصد الموقعي العالمي. ويتوقع ان تستمر الحملة 18 شهراً وأن تغطي 851 مقاطعة في في 30 اقليماً. وسوف تنشر نتائجها سنة 2005، بما في ذلك معلومات عن حالة الاراضي المتصحرة وتطورها منذ 1999 وتحليل شامل للوضع والاتجاهات والتأثيرات السلبية.
وتعتبر هذه الحملة التي تجري كل خمس سنوات الحملة الوحيدة في العالم التي ترعاها حكومة لمراقبة التصحر. وقد قدرت مساحة الاراضي المتصحرة في الصين بنحو 1.69 مليون كيلومتر مربع عام 1994، و1.74 مليون كيلومتر مربع عام 1999، وهذه تغطي 18.2 في المئة من أراضي البلاد. ويتعرض لخطر التصحر 130 ألف كيلومتر مربع من الاراضي الزراعية ومليون كيلومتر مربع من السهول العشبية.
ويقول زهو ليكي، وكيل ادارة التحريج الحكومية، ان التصحر اصبح مشكلة خطيرة في الصين تتوجب مواجهتها، معتبراً دعم "الصناعة الصحراوية" أولوية قصوى. وكان العالم الصيني كيان زوسين اقترح، للمرة الاولى عام 1984، اعتماد الصناعة الصحراوية، التي تشمل جميع الاقتصاديات الزراعية الغابية المركزة على الصحراء وتهدف الى مكافحة التصحر وتحقيق تنمية مستدامة للموارد. وأكد ليكي أن الصين ستبذل جهوداً لاقامة صناعة صحراوية مستقرة ومزدهرة خلال 50 سنة للحد من التصحر. وتقع الصناعات الصحراوية غالباً في المناطق الشمالية والشمالية الغربية، وقد أصبحت دعامات أساسية للاقتصاد المحلي بعد عقدين من التنمية. وكشف أن سرعة التصحر حالياً تبلغ نحو 200 كيلومتر مربع في السنة في أقاليم هيلونغجيانغ وجيلين ولياونينغ وجزر من اقليم منغوليا الداخلية في شمال شرق الصين، الذي يعتبر قاعدة مهمة للمواد الخشبية ويواجه حالياً مشاكل بيئية خطيرة، اذ ان الموارد الغابية باتت في طريق الزوال، مشيراً الى أن 70 في المئة من الانتاج السنوي من الخشب يأتي من غابات حديثة، وأن قطع الاشجار حالياً يفوق قدرة الغابات على النمو. ودعا الى بذل الجهود لاعادة هيكلة الصناعة الغابية المحلية.
من ناحية أخرى، أفادت ادارة التحريج في اقليم انهوي أن أعمال مكافحة التصحر هناك لا تثمر جيداً. فقد شكلت الرقعة التي غرست بالاشجار 3.5 في المئة من أراضي الاقليم الرملية التي تبلغ مساحتها 7700 كيلومتر مربع، ويتم تحويل القسم المتبقي تدريجياً الى أراض زراعية وبساتين تحميها مصدات الرياح. وبفضل هذه المصدات زاد انتاج الهكتار في الاقليم من 3000 كيلوغرام في التسعينات الى 7500 كيلوغرام حالياً.
اعادة تحريج الاراضي المتصحرة في الصين يعيد الى الطبيعة بعضاُ من مكوناتها الفطرية التي دمرتها يد الانسان. وهي عملية ناجحة تجدر دراستها وتجربة ما يلائم منها بعض الأراضي المتحصرة في المنطقة.