يهدد الدخان الناجم عن حرائق الغابات الأخيرة بإبطاء، بل وعكس، استعادة طبقة الأوزون على الأرض، وهي نفس الطبقة التي عمل العالم بجد للحفاظ عليها منذ عام 1987.
وتعدّ طبقة الأوزون جزءا، مهماً من طبقة الستراتوسفير التي تمنع كوكبنا من الاحتراق بأشعة الشمس.
ومن المهم لصحة جميع النباتات والحيوانات أن تظل سليمة، ولكن بسبب الاستخدام التاريخي للملوثات الاصطناعية التي تسمى مركبات الكربون الكلورية فلورية (CFCs)، هناك ثقب قديم كبير في درع الغلاف الجوي للأرض، فوق القارة القطبية الجنوبية.
وبفضل الاتفاقية الدولية لحظر مركّبات الكربون الكلورية فلورية في عام 1987، تتقلص فجوة الأوزون تدريجياً. وفي عام 2019، كان الثقب هو الأصغر منذ عام 1982، عندما تم اكتشافه لأول مرة. إنها واحدة من أعظم قصص نجاح البشرية. لكن الأمر لم ينته بعد.
ففي عام 2021، بدأ الثقب فوق القارة القطبية الجنوبية يتضخم مرة أخرى، بعد عام من الحرائق الضخمة المدمرة التي أحرقت 60 مليون فدان من الغطاء النباتي في أوستراليا.
وربما هذا ليس من قبيل المصادفة.
ووجدت دراسة جديدة عن الحرائق الضخمة الأخيرة في أوستراليا أن جزيئات الدخان في الستراتوسفير يمكن أن تستنفد طبقة الأوزون لأكثر من عام. ومع تقدم الجسيمات في العمر، قد تصبح أكثر تدميراً.
وتساعد النتائج في تفسير سبب وجود مثل هذا التأثير المتأخر على سماكة طبقة الأوزون بعد نشاط حرائق الغابات.
وضخت حرائق أوستراليا 2019/2020 أكثر من مليون طن من الدخان في الغلاف الجوي.
ومع ذلك، فقد استغرق الأمر حتى آب (أغسطس) 2020، حتى يلاحظ العلماء أن ثقب الأوزون ينمو بسرعة.
ويقدّر الباحثون الآن أنه بحلول أيلول (سبتمبر)، وسّعت جزيئات الدخان ثقب الأوزون بنحو 2.5 مليون كيلومتر مربع - أكبر بنسبة 10 في المئة من العام السابق.
وتقول عالِمة المناخ سوزان سولومون، من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، التي تعمل على قضية طبقة الأوزون منذ عقود: "كانت حرائق أوستراليا عام 2020 بمثابة دعوة لإيقاظ مجتمع العِلم. لم يتم حساب تأثير حرائق الغابات سابقا، في [توقعات] استعادة طبقة الأوزون. وأعتقد أن هذا التأثير قد يعتمد على ما إذا كانت الحرائق تصبح أكثر تواتراً وشدة مع ارتفاع درجة حرارة الكوكب".
وفي العقدين الماضيين فقط، وقعت أكبر أربع حرائق غابات في تاريخ البشرية في نصفي الكرة الأرضية.
وفي عام 2022، أظهرت سولومون وزملاؤها أن دخان حرائق الغابات يمكن أن يتسبب في انخفاض مستويات ثاني أوكسيد النيتروجين في الستراتوسفير، ما يؤدي أساسا، إلى بدء تأثير الدومينو الذي يؤدي في النهاية إلى استنفاد الأوزون الكيميائي.
وأوضحت سولومون في ذلك الوقت: "بمجرد أن يكون لديك كمية أقل من ثاني أوكسيد النيتروجين، يجب أن يكون لديك المزيد من أول أوكسيد الكلور، وسيؤدي ذلك إلى استنفاد طبقة الأوزون. لكن هذا لم يفسّر كل التغييرات التي لوحظت في الستراتوسفير. وكانت هناك مجموعة كاملة من الكيمياء المتعلقة بالكلور والتي كانت خارجة عن السيطرة".
لذا ألقت سولومون وفريقها نظرة فاحصة على التفاعلات الكيميائية. وباستخدام بيانات الأقمار الاصطناعية، قاموا بتتبع أحوال طبقة الستراتوسفير فوق القارة القطبية الجنوبية في الأشهر التي أعقبت حرائق أوستراليا.
وفي البداية، رأوا انخفاض حمض الهيدروكلوريك (HCl) في الغلاف الجوي وارتفاع أول أوكسيد الكلور. وهذا يعني ضمنياً أن حمض الهيدروكلوريك يتفكك بطريقة ما، ما يسمح للكلور بحرية العبث بالأوكسيجين والتسبب في تدمير طبقة الأوزون.
وفي عمليات المحاكاة، بدا أن دخان حرائق الغابات تسبب في هذا التأثير.
وتقول سولومون: "إن جزيئات الدخان القديمة هي التي تمتص الكثير من حمض الهيدروكلوريك. ثم تحصل، بشكل مثير للدهشة، على نفس ردود الفعل التي تحصل في ثقب الأوزون".
وهذه ليست علامة جيدة في أزمة المناخ. إذا أصبحت حرائق الغابات متكررة بدرجة كافية بحيث لا يتوفر للأوزون وقت للشفاء من الآثار الضارة للدخان، فقد ينتكس بسهولة. خاصة وأن انبعاثات مركّبات الكربون الكلورية فلورية المحظورة قد تم الكشف عنها وهي تتزايد في السنوات القليلة الماضية.
طالما أننا نريد الازدهار على الأرض، سنحتاج إلى طبقة الأوزون للبقاء على قيد الحياة.
نُشرت الدراسة في مجلة Nature. (عن "ساينس ألرت")