للمرة الأولى، يعثر علماء على جزيئات من الهواء الملوّث في رئات وأدمغة أجنة لم يبصروا النور بعد.
بناءً عليه، يطرح البحث الجديد الرائد الذي قامت به كل من "جامعة أبردين" البريطانية و"جامعة هاسيلت" في بلجيكا أسئلة مقلقة حول ما إذا كان تلوّث الهواء السام يترك تأثيرات سلبية مباشرة في نمو الطفل في الرحم.
في التفاصيل، قام العلماء بدراسة جسيمات نانوية [تتراوح عادة بين 100 و2500 نانومتر] تكون محمولة في الهواء الملوّث، تسمى "الكربون الأسود"، كي يستكشفوا ما إذا كان في مقدورها الوصول إلى الجنين في بطن أمه.
لم تُظهر النتائج أن الجزيئات الدقيقة من الهواء الملوّث تطاول المشيمة فحسب [مع الإشارة إلى أن هذا العضو يعمل على توفير الأوكسيجين والعناصر المغذية للجنين أثناء نموه مع التخلُّص من الفضلات الموجودة في دم الجنين]، بل إن تلك الجسيمات الملوّثة متناهية الصغر تعبر إلى الجنين في الرحم في وقت مبكر من الحمل قد يكون خلال الأشهر الثلاثة الأولى منه.
فلقد تم العثور على تلك الجسيمات الملوّثة داخل أعضاء الجنين التي ما زالت في طور النمو، من بينها الكبد والرئتان والدماغ.
والكربون الأسود هذا هو مادة سخام سوداء اللون تطلقها محركات السيارات ومحطات الطاقة العاملة بالفحم في الهواء، فضلاً عن أي مصادر أخرى تقوم بحرق الوقود الأحفوري.
وكانت دراسات سابقة قد كشفت عن أنه قد تم العثور على الكربون الأسود داخل المشيمة أثناء الحمل، ولكن لم يتوفّر قبل الآن دليل قاطع على أن في مقدور تلك الجسيمات الوصول إلى الجنين نفسه.
وقد أثارت النتائج الأخيرة قلق العلماء من الأضرار السلبية المحتملة التي ربما تلحقها هذه الجزيئات بصحة الأجنة.
أحد هؤلاء هو البروفيسور بول فاولر من "جامعة أبردين" المشارك في البحث، والذي أعرب في تعقيبه على النتائج عن شعوره وزملائه "بالقلق من أنه إذا دخلت الجسيمات النانوية إلى الجنين، فقد تطرح ضرراً مباشراً على نموه في الرحم".
وبحسب فاولر فإن الدراسة "أظهرت للمرة الأولى أن الكربون الأسود، تلك الجسيمات النانوية الملوّثة للهواء، لا تدخل فقط إلى المشيمة في الثلثين الأول والثاني من الحمل، بل تجد طريقها أيضاً إلى أعضاء الجنين في طور النمو، بما في ذلك الكبد والرئة".
ويضيف البروفيسور فاولر: "الأمر الأكثر إثارة للقلق هو أن جزيئات الكربون الأسود هذه تدخل أيضاً إلى دماغ الإنسان خلال نموه، وذلك يعني أنه من غير المستبعد أن تتفاعل تلك الجسيمات بشكل مباشر مع أنظمة التحكم داخل أعضاء الجنين البشري وخلاياه".
في الواقع، "نعلم أن التعرض لتلوّث الهواء أثناء الحمل والرضاعة يؤدي إلى حالات من المواليد الموتى، والولادة المبكرة، وانخفاض الوزن لدى الرضع، واضطراب نمو الدماغ، مع استمرار العواقب طوال الحياة"، على ما قال البروفيسور تيم ناورو من "جامعة هاسيلت".
وأضاف البروفيسور ناورو أنه يتعين على الهيئات التنظيمية المعنية بجودة الهواء "العمل على حماية أكثر المراحل حساسية في رحلة نمو الإنسان". (عن "إندبندنت" عربية)