خلال مقابلة إذاعية استثنائية، أعلن نيكولا أولو تخليه عن منصب وزير البيئة في حكومة رئيس الوزراء الفرنسي إدوار فيليب. أولو، الذي رفض هذا المنصب ثلاث مرات قبل أن ينجح إيمانويل ماكرون في إقناعه بتولي حقيبة البيئة في نيسان (إبريل) 2017، وجد أن همّة الرئيس الفرنسي والتزامه بخطة العمل البيئي بدأت بالتراجع، ما دفعه لإعلان الاستقالة في آب (أغسطس) 2018.
وكانت الحكومة الفرنسية أبدت حماساً لدعم قضايا البيئة خلال سنتها الأولى إذ أقرّت إيقاف التنقيب عن الوقود الأحفوري ضمن الأراضي الفرنسية بحلول 2040، وعارضت توجهات الرئيس الأميركي دونالد ترامب التي تتجاهل التغير المناخي العالمي وتقلل من مخاطره.
إلا أن هذه الحكومة أخذت تتنصل من تعهداتها البيئية الأخرى كالسير في درب التحول عن الطاقة النووية إلى اعتماد مصادر الطاقة الخضراء، وتقليص استخدام المبيدات لاسيما مبيد الغليفوسات الذي يصنفه كثيرون ضمن المواد السامة المسرطنة.
نتيجة إحباطه المتراكم، تساءل أولو «هل بدأنا في خفض انبعاث غازات الدفيئة؟ هل اتجهنا نحو الحد من استخدام المبيدات؟ هل أوقفنا تراجع التنوع الحيوي؟ الإجابة هي: لا! كيف يمكننا الوقوف بلا مبالاة فيما الكارثة تقع أمام أعيننا؟ ولماذا لا تسعى الأحزاب السياسية الموالية والمعارضة إلى الاتفاق على الأساسيات والسمو فوق النزاعات؟ إذا استمر الحال كذلك ستبقى خطواتنا محدودة وصغيرة».
وفي ردّه على استقالة وزير البيئة، سعى مسؤول في الإليزيه للتقليل من شأن هذه الاستقالة ونسبها إلى "فقدان الأمل والإرهاق"، ملمحاً إلى أنها صدرت عن وزير متعجل قليل الخبرة، ذلك أن «الأطر الزمنية السياسية والإدارية لا تأتي بالضرورة كما قد يتمنى القادم من صفوف النشطاء».
المسوغات التي قدمتها إدارة ماكرون حول استقالة أولو لم تكن مؤثرة في دفع الانتقادات المتزايدة لفشلها في تطبيق سياساتها البيئية المعلنة. وفي الأثناء، تكبر التساؤلات المحرجة حول قدرة بلد مثل فرنسا في التصدي لمسائل بيئية عالمية مثل تغير المناخ، في حين أن بلداً بحجم الولايات المتحدة يتخلى عن التزاماته لاهثاً خلف مصالحه الاقتصادية الآنية.
والأسوأ عدم اقتصار الوهن تجاه حماية البيئة على الرئيس الفرنسي بل تسلله أيضاً إلى المستشارة الألمانية التي تعد القائد الفعلي لأوروبا. أنجيلا ميركل، التي شغلت في الماضي منصب وزير البيئة في بلادها، كانت عرضةً للانتقاد قبل أيام نتيجة رفضها للأهداف المناخية الجديدة للاتحاد الأوروبي تحت تأثير الضغوط الداخلية التي تتعرض لها.
مع تفاقم أزمة تغير المناخ العالمي، جاءت استقالة الوزير الفرنسي نيكولا أولو لتكشف على الملأ مقدار ارتهان القضايا البيئية الملحة لتوجهات مراكز القوى التي تضع مصلحة الأحزاب والتكتلات فوق مصلحة الشعوب والأوطان. فإذا كان زعماء بحجم إيمانويل ماكرون أو أنجيلا ميركل، سبق لهم الإعلان عن رغبة بلادهم في قيادة التصدي لتغير المناخ، ثم تراهم لا يستطيعون تحريك شيء في الميدان، فأين سنجد المخلص الذي يقود سفينة العالم المتداعية إلى بر السلامة والأمان؟
|