Thursday 21 Nov 2024 |
AFED2022
 
AFEDAnnualReports
Environment and development AL-BIA WAL-TANMIA Leading Arabic Environment Magazine
المجلة البيئية العربية الاولى
 
رأي
 
عودة الجيوسي التنمية المستدامة  
حزيران (يونيو) 2006 / عدد 99
 يرجع نشوء مصطلح "التنمية المستدامة" الى عقدين من الزمان، في بداية التسعينات، مع صدور تقرير "مستقبلنا المشترك" (Our Common Future) الذي طرح أن فكرة النماء الإقتصادي وحماية الموارد الطبيعية وضمان العدالة الاجتماعية هي أهداف مترابطة ومتكاملة وليست متضاربة.وتم تطوير مفهوم التنمية المستدامة وتطبيقه ليكون بمثابة البوصلة التي تُرشد إلى تنمية إقتصادية عادلة ورفيقة بالبيئة والانسان. قد يكون هذا المآل حتمياً، إلا أن الإشكال الداعي لإعادة التفكير في هذا المفهوم هو أنه أضحى ستاراً ومسوّغاً لعدم الفعل، بل تحول إلى فرصة ضائعة.
من الضروري النظر الى التنمية المستدامة كإطار عام لجميع مكونات الحاكمية (أو الحكم الرشيد Governance) وليس ضمن رؤية جماعات الضغط والمصالح الخاصة. ويمكن إحياء فكرة التنمية المستدامة من خلال ثلاثة محاور للعمل هي: اعتبار مكافحة الفقر أولوية، وتطوير الأجندة البيئية ضمن منظومة ثقافية اجتماعية، والتركيز على المبادرات المحلية.
الفقر كأولوية
بدايةً، ينبغي أن يكون هناك تقدم ملموس ونجاح في مجال التنمية الإقتصادية، وبالتحديد في مكافحة الفقر، ويتبع ذلك حماية الطبيعة والتنمية والعدالة الإجتماعية. وقد أشارت عدة دراسات دولية أشارت إلى ضرورة توفر مجموعة عوامل لتحقيق التنمية المستدامة، منها: الإنضباط المالي، الانفتاح على آلية السوق، الاستثمار في التعليم، الحرية السياسية وعدم تفشي الفساد.
وهناك إشكالية سيادة الدولة، التي قد تشكل محدداً لتحقيق التنمية المستدامة، ولذا يجب تبني الطرح القائل بأنه ما دامت التنمية المستدامة هي هدف دولي، فيجب على الحكومات تبني هذه المسؤولية الدولية. وهنا لا بد من ضمان أن زيادة الدعم الخارجي يُفضي إلى نتائج ملموسة على الصعيد المحلي بحيث يُسهم بزيادة إعتماد السكان المحليين على مواردهم وقدراتهم المحلية، بدلاً من تأكيد تبعية الدول والمجتمعات المحلية لمزيد من الدعم الخارجي.
تطوير الأجندة البيئية
الجدلية بين أجندة الشمال وأجندة الجنوب معروفة للعاملين في حقل التنمية. لكن يبدو أن الفصام بين مدارس التفكير المختلفة ممتد إلى الخطاب السياسي وعملية صنع السياسات العامة على المستوى المحلي والدولي. ولعل عقدة نقل المشكلة عبر الزمان (الأجيال القادمة) أو المكان (الحيز الآخر) دليل على وجود خلل في تصور مسؤولياتنا نحو هذا الكوكب. وهذا مؤشر على ضرورة السعي لتغيير نسق التفكير التقليدي، الذي اعتبر أن هناك دوماً وفرة في المكان للتخلص من مخلفاته بثمن ما، وبغض النظر عن المسؤولية الأخلاقية الإنسانية.
بإختصار، نحن في أمس الحاجة لتطوير وعي جديد يستوعب ماهية هذا الكوكب الأزرق الصغير، وكيف أننا كبشر مستخلفون لحفظ رأس المال الطبيعي، وينبغي علينا اعتبار المفاهيم التالية:
  1. ان عمارة الكون تتطلب توازناً محكماً بين رأس المال الاجتماعي والإنساني والطبيعي، كي لا تثقل كاهل الأرض بمخلفات تؤدي إلى حرمان البشر من خدمات الطبيعة وخيراتها (طاقة، غذاء، علم)، ولا ينتهي بنا المطاف إلى حالة "بئر معطلة وقصر مشيد" التي وصفها القرآن الكريم كحالة الأمم المندثرة.
  2. إن تعديل نمط الاستهلاك ومراعاة مبدأ "الزهد" وتخفيف الحمل على هذه الأرض هو من المبادىء الأساسية التي يجب أن تحل محل النمط الاستهلاكي السائد اليوم والذي سيفضي إلى مزيد من تدهور المصادر وشقاء الانسانية.
4. ان حالة التعلم من الطبيعة هي بمثابة تنوير لعقل الانسان للارتباط بالنظام الكوني المحكم، الذي يجعله يدرك التوازنات من الذرة الى المجرة ويدرك الحكمة فيها وقيمة العلماء والباحثين في تنوير روح المجتمع من أجل تحويله إلى حالة "الاحسان" وتنمية الذكاء المجتمعي بأبعاده المختلفة والتي تتضمن الذكاء البيئي والوجودي والتواصلي.
  1. في ظل عولمة السوق الاقتصادي والمال هناك ضرورة لتنمية عولمة المجتمع المدني، لإيجاد كتلة  من المثقفين الذين يمتلكون حرية التعبير لنقد المجتمع والسياسات العامة، تكون بمثابة صمام أمان إجتماعي ثقافي لخدمة المهمشين والفقراء، تطرح خطاباً ورؤية مشتركة ضمن منظومة متناغمة للاقتصاد والثقافة البيئية.
التركيز على المبادرات المحلية
لإحياء مفهوم التنمية المستدامة، لا بد من إيجاد صيغ توافقية لحساب قيمة الخدمات البيئية ومدى تلازمها مع حزم الأمان الاجتماعي والاقتصادي. من الدروس المستفادة خلال العقود الماضية ضرورة مراعاة المنافع والفوائد الاجتماعية والاقتصادية على المستوى المحلي لضمان حماية للخدمات البيئية. كذلك فان عمليات صنع القرار على الصعيد الدولي، والفعل المحلي، هي هامة للتصدي لحالة التراجع البيئي الكوني. وهذا ما كان جلياً في التصدي الدولي والمجتمعي المدني لقضية التغيير المناخي من حيث كونها أولوية للشمال الصناعي لا للمجتمعات النامية. لكن، كما هو معلوم، اذا كان تأثير التغير المناخي عالمياً فان سبب الفعل هو محلي، لذا كان لا بد من علاج على المستوى المحلي.
خلاصة القول ان عملية إحياء التنمية المستدامة تتطلب تغييراً في نسق تفكير صانعي القرار والمجتمع، بحيث يتشكل وعي جديد للتحديات الكونية ويقوم فعل محلي يخدم الانسان والبيئة المحلية.
الدكتور عودة الجيوسي المدير الإقليمي للاتحاد الدولي لحماية الطبيعة (IUCN) لمنطقة غرب ووسط آسيا وشمال أفريقيا
 
 
 
 

اضف تعليق
*الاسم الكامل  
*التعليق  
CAPTCHA IMAGE
*أدخل الرمز  
   
 
بندر الأخضر صديق البيئة
(المجموعة الكاملة)
البيئة والتنمية
 
اسأل خبيرا
بوغوص غوكاسيان
تحويل النفايات العضوية إلى سماد - كومبوست
كيف تكون صديقا للبيئة
مقاطع مصورة
 
احدث المنشورات
البيئة العربية 9: التنمية المستدامة - تقرير أفد 2016
 
ان جميع مقالات ونصوص "البيئة والتنمية" تخضع لرخصة الحقوق الفكرية الخاصة بـ "المنشورات التقنية". يتوجب نسب المقال الى "البيئة والتنمية" . يحظر استخدام النصوص لأية غايات تجارية . يُحظر القيام بأي تعديل أو تحوير أو تغيير في النص الأصلي. لمزيد من المعلومات عن حقوق النشر يرجى الاتصال بادارة المجلة
©. All rights reserved, Al-Bia Wal-Tanmia and Technical Publications. Proper reference should appear with any contents used or quoted. No parts of the contents may be reproduced in any form by any electronic or mechanical means without permission. Use for commercial purposes should be licensed.