كمال نعيمات وأحمد الكوفحي (عمّان)
من المعتقدات القديمة أن الأشجار عماد السماء، وإذا قطعت سقطت السماء على الأرض. وهذا الاعتقاد يردده علماء البيئة اليوم، بعدما أدت إبادة الغابات إلى تغيرات مناخية تهدد حياة الإنسان ورفاهيته.
الأشجار المعمرة في الأردن تروي تاريخه الحي لمئات السنين. فهي تدل على التغيرات المناخية ودورات الجفاف ومعدلات سقوط الأمطار، اضافة الى التاريخ الحضري للاستيطان البشري الذي شهدته. وارتبط وجود الأشجار المعمرة بالأساطير الجميلة والمعتقدات المتوارثة، وخاصة ما كان منها بجانب قبور الصالحين مما أدى إلى حمايتها والعناية بها لمئات السنين. وكان الناس يلجأون اليها للتبرك بالأولياء وطلب الشفاء من الأمراض المستعصية أو استجابة دعوات المظلومين. وعندما تستجاب هذه الدعوات يزداد إيمان الناس ويترددون على المزارات المتاخمة لهذه الأشجار ويقدمون الأضاحي والنذور بقربها تيمناً.
للأشجار قوة جذب روحية. فالمسافر يلجأ إلى ظلها، ويشرب من الجدول القريب منها، ثم يفرش عباءته ويناجي ربه بصلاة وشعور غامر بقرب السماء. وبعض هذه الأشجار كانت تعتبر ملاذاً آمناً يترك الناس عندها أمتعتهم ومحاريثهم من دون أن يجرؤ أحد على المساس بها خوفاً من انتقام الأرواح التي تحرسها.
الأردن، على صغر مساحته، غني بالحياة البرية بفضل توفر الموائل الطبيعية لأعداد كبيرة من الطيور والحيوانات البرية. وهذه الثروة أصبحت الآن عماد السياحة البيئية النامية، ومكنت المجتمعات المحلية وخاصة في محيط المحميات الطبيعية من تنمية مصادر الدخل الناجمة عن حماية الطبيعة والمحافظة على التراث البيئي.
تبرز الأشجار التاريخية التنوع الحيوي الفريد في الأردن. وتبعاً لتعدد الأقاليم المناخية، نجد في المناطق الجبلية أشجار الصنوبريات والسنديان والبطم والخروب والزيتون، وفي المناطق الصحراوية النخيل والأشجار الشوكية كالطلح والأثل، وفي الأغوار أشجار المناطق شبه الاستوائية كالسدر والبونسيانا.
وتنتشر الأشجار المعمرة والتاريخية في مواقع مختلفة، وتعتبر شواهد حية على مدى الانتشار الطبيعي للأشجار الحرجية في الماضي. ومعظمها موجود على المقابر والمزارات والأماكن التاريخية. وتحتفظ مديرية الحراج في وزارة الزراعة بسجلات خاصة لمعظم هذه الأشجار، تبين مواقعها وقياسات علوّها وقطرها وعمرها ومحيط جذعها.
البطم العتيق
شجرة البطم الأطلسي في منطقة البقيعاوية، شرق الطريق المؤدية من الأزرق إلى الصفاوي، شاهد على مدى انتشار هذا النوع في عمق البادية الأردنية خلال القرون الوسطى. ويرتبط أهالي الصفاوي بالبطمة العملاقة التي يصل عمرها الى 550 عاماً.
وفي قلب مدينة البتراء الأثرية بطمة نمت بشكل متداخل مع أساسات مبنى ''سبيل الحوريات'' حتى احتضنت جذورها حجارة هذا المعلم الأثري. وهي الشجرة الوحيدة على الطريق التي تربط بين أهم المعالم الأثرية في البتراء، ويمكن للزائر أن يستفيء بظلها، كما تتيح لسكان المنطقة فرصة لعرض بضائعهم وحرفهم أمام زائري المدينة الأثرية.
ويصل عمر شجرة البطم الأطلسي في ياجوز إلى أكثر من 1100 عام. وهي تقع وسط قرية أثرية فيها مقبرة قديمة جداً ما زال المواطنون يدفنون موتاهم فيها. واكتسبت هذه الشجرة كرامتها من قدسية المكان.
وتنتصب ''شجرة المنية'' على قمة جبل في منطقة وادي موسى. ولأهالي المنطقة طقوس وعادات خاصة بهم نظراً لما تعاقب على وادي موسى من حضارات عبر التاريخ. ومن أهم تلك العادات زيارة مقام النبي هارون وعين موسى وشجرة المنية، هذه التي إن تمنى الزائر عندها تتحقق أمنيته، كما يعتقد، بسبب كرامتها.
العرعر الفينيقي والسرو
من الأشجار المعمرة في الأردن ''العرعر الفينيقي''، الذي يحمل اسم حضارة عريقة سادت في حوض البحر المتوسط. وقد استخدم الفينيقيون خشب العرعر في صناعة السفن التجارية والحربية والمنشآت، مما أكسب هذه الأشجار قيمة خاصة.
يتواجد هذا النوع بشكل طبيعي في جنوب الأردن حيث سادت الحضارات والممالك، خصوصاً مملكة الأنباط. واستعمل خشب العرعر في سقوف وأبواب المباني والمعابد والقصور. على سبيل المثال، استخدم على شكل فواصل بين حجارة بناء قصر البنت (المعبد النبطي) مما أكسبه مرونة كبيرة لمقاومة الانهيار وحماه من الهزات. وما زال القصر قائماً على رغم تعرض هذه المنطقة للعديد من الزلازل. كما استخدمت ألواح خشب العرعر للتوثيق والكتابة. ونجد في قرية ضانا أبواباً وسقوفاً قديمة من خشب العرعر هي شواهد على ديمومته ومتانته.
واستخدم زيت العرعر، وزيت البطم أيضاً، في العلاج والتحنيط والتجميل لدى الفراعنة وغيرهم ممن سكنوا منطقة حوض البحر المتوسط.
ومع أشجار العرعر في منطقة عين لحظة في الطفيلة مجموعة من السرو الطبيعي تحمل الصفات الوراثية النقية وتتراوح أعمارها بين 200 و700 عام. ويطلق على هذا السرو محلياً اسم ''أرز الطفيلة'' لأن شكله الظاهري يشبه شجرة الأرز. وكان السرو الطبيعي يغطي مساحات واسعة من تلك المنطقة، إلا انه تعرض لعوامل بيئية وبشرية أدت إلى تدهوره بشكل مأسوي.
الزيتون الروماني
الزيتونات العملاقة في قرية الوهادنة في عجلون يزيد عمرها عن 2000 عام، وهي من أقدم الأشجار المعمرة في الأردن. كذلك أشجار الزيتون في بلدة عيمة في محافظة الطفيلة.
شجرة الزيتون مباركة، ورد ذكرها في الانجيل والقرآن الكريم، وتعتبر رمزاً للسلام والمحبة. وتنتشر أشجار الزيتون المعمرة، ويطلق عليها اسم ''الزيتون الرومي'' اذ يربطها الناس بالفترة الرومانية. وهناك عدد كبير من معاصر الزيتون الرومانية القديمة في هذه المنطقة. وكان زيت الزيتون يستخدم في الأكل والعلاج من قبل الكنعانيين والفينيقيين والأنباط وغيرهم من الأمم التي سكنت هذه البقاع، كما استخدم لإنارة المسارح والساحات والكنائس والمساجد والصروح الأخرى.
ملّول وسنديان
تنتصب في مرج أبو الكدوش في منطقة جلعد إحدى أقدم أشجار الملول في المنطقة. وهي تدعى ''شجرة العروس''، اذ كانت تقام في المرج سباقات خيول بمناسبة الأعراس، وتنصب الخيام حول هذه الشجرة. ويروى أن أحد الغزاة قدم إلى جلعد وأقام معسكراً خارج القرية. فاستعد الأهالي لمواجهته. وفي الصباح الباكر خرجت فتاة من القرية والتقت بقائد الغزو، وأنذرته بأن أهل القرية عازمون على الاستماتة عن قريتهم، وأن دماءً كثيرة سوف تسيل، ونصحته بالرحيل والعودة سلماً كضيف. فأعجب الغازي بالفتاة وبما قالته وجلا عن القرية، ثم عاد إليها زائراً وطلب يد الفتاة وتزوجها. وسميت القرية بعدها جلعاد من ''جلا وعاد''.
وثمة ملّولة أخرى يقال لها ''شجرة الحصان'' موجودة في منطقة بيوضة في البلقاء ويتجاوز عمرها 700 عام. وما زال المواطنون يتفيأون ظلها ويتذكرون أجدادهم الذين جلسوا تحتها.
أما ''سنديانة يوشع'' الموجودة في المزار الديني فيقدر عمرها بنحو 700 عام، ويتعامل معها الزوار بإكرام اكتسبته من قدسية المقام.
المهندس كمال نعيمات، خبير في الغابات ومنسق مشروع الحديقة النباتية الملكية في الأردن. والمهندس أحمد الكوفحي المدير التنفيذي لجمعية البيئة الأردنية.