يستطيع المتجول بين قرى الطفيلة وأوديتها الخصبة أن يشرب كل يوم من نبع مختلف على مدار العام. هذه الينابيع، التي يتراوح تدفقها بين الغزير والشحيح، ارتبطت بدلالات وحملت أسماء البلدات والقرى وتشكلت حولها بساتين الزيتون والكرمة والتين.
لكن، مع توالي سنوات الجفاف وتذبذب معدلات الأمطار التي تغذي مصادر هذه الينابيع، تلاشى العديد منها فيما شحت أخرى تبخرت مياهها في القنوات الترابية التي أقامها الأجداد لإيصال المياه إلى بساتينهم. وبقيت ينابيع هنا وهناك تصدح بخرير المياه المنسابة لري الأشجار المعمرة التي نمت حولها، وقد قامت عندها عبر القرون قرى ما زالت آثارها ظاهرة للعيان.
امتازت عيون المياه في الطفيلة بارتفاع نسبة الأملاح المعدنية، كعين لحظة وعين غرندل والحرير، مما استدعى بذل الجهود لاستثمار مياهها المعدنية. كما استغلت وزارة المياه بعض هذه الينابيع لغايات الشرب وغيرها من الاستعمالات، ومنها عين الحرير.
يقول المؤرخ سليمان القوابعة ان عيون المياه كانت تشكل ملتقى اجتماعياً يتداول عندها الناس الأخبار ويستطلعون شؤون حياتهم، خصوصاً تلك المتاخمة للتجمعات السكانية كعيون البيضاء والحمة والجهير والعنصر وضانا واللعبان، وهي كلها عذبة وغزيرة. وكانت مياه زبدة هي المزود الرئيسي للطفيلة وقراها بغزارة 600 متر مكعب في الساعة. وتميزت ينابيع عفرا والبربيطة المعدنية بقيمة علاجية، اذ تصل حرارتها على مدار العام إلى 46 درجة مئوية، لتكون نقطة جذب سياحي وعلاجي للباحثين عن الاستجمام والعلاج من أمراض المفاصل والجلد.
ويتدفق معظم ينابيع الطفيلة من خزانات مائية قديمة، أو ما يسمى مياه المستحثات أو المياه الجيولوجية التي تجمعت في خزانات مائية كبيرة عبر ملايين السنين. ويشير القوابعة الى الارتباط العضوي بين التجمعات السكانية والحضارية ووجود ينابيع المياه، فضلاً عن الموقع الاستراتيجي للمنطقة التي أمنت الملجأ الآمن للسكان. فقد كانت الجبال وسفوحها تشكل معاقل وتحصينات دفاعية يعيش فيها سكان تلك المناطق من دون خوف، لسهولة الدفاع عنها ولكونها تشرف على الطرق والمسالك التي تسهل مراقبتها والسيطرة عليها.
ونمت على المنحدرات القريبة من ينابيع المياه أصناف من الأشجار العطرية وغيرها من النباتات، كالدفلى والقصب والمليس والخزامى (اللافندر) والقطف والعليق، فيما تشكلت بساتين الزيتون المعمر حول الينابيع على شكل مصاطب تسقى من قنوات ترابية. وتمتد المساحات الزراعية لبساتين الزيتون والكرمة واللوزيات على طول الشريط المتاخم لمدينة الطفيلة، بمساحة تبلغ نحو 32 ألف دونم، مزروعة بالأشجار المعمرة. وقد قامت حضارة الادوميين في مناطق السلع وبصيرا، واعتمدت على الينابيع التي تنساب مياهها عبر قنوات فخارية تحت الأرض.
يقول المزارعين في منطقتي شيظم وعيمة وغيرهما إن الينابيع التي كانت تنساب مياهها في الأودية وتروي البساتين قد انخفض تدفقها وتلاشت مياهها، مما اثر على إنتاجية الأشجار المثمرة التي تعتبر من أهم مصادر رزقهم. وجفت مئات الدونمات في وادي شيظم من جراء انخفاض منسوب المياه في عين شيظم.
ويطالب مزارعو الطفيلة وزارتي الزراعة والمياه بصيانة الينابيع المغذية لبساتينهم والتي أصبحت شحيحة التدفق، وتوفير قنوات إسمنتية وأنابيب بلاستيكية لحفظ الضائع والمتبخر من هذه المياه النقية. وقال مدير مشروع تطوير قرى الطفيلة الشمالية المرتفعة وقرى الشوبك المهندس جمال العوران انه لا توجد مخصصات مالية هذه السنة لصيانة الينابيع من خلال المشروع الذي تعد صيانة الينابيع احدى مهماته. وأضاف أن مشروع المصادر الزراعية سيقوم بأعمال الصيانة لنحو 14 نبعاً خلال هذه السنة في مختلف مناطق المحافظة، كما تمت صيانة ينابيع اخرى من خلال مشاريع وزارة الزراعة كمشروع فاقد مياه الينابيع.
كادر
مواشي الطفيلة ضحية جفاف 10 سنين
طالب مربو المواشي في الطفيلة بإعلان المحافظة منطقة جفاف، من جراء تدني إنتاجية المحاصيل الحقلية وتلاشي المراعي الطبيعية بسبب انخفاض معدلات الأمطار. وتوالي سنوات الجفاف خلال السنين العشر التي مضت. وقد تقلصت المساحات الرعوية وتحولت الى مناطق جرداء تذروها الرياح بعد اختفاء الشجيرات الرعوية الغنية بالبروتينات اللازمة لتغذية هذه المواشي. وقد أدى ذلك الى تدني انتاجية الحليب واللحوم وضعف الخصوبة الإنجابية للمواشي ومناعتها ضد الأمراض التي تسببت في نفوق أعداد كبيرة منها. ووصف أصحاب المواشي موسم المحاصيل الحقلية الحالي بأنه الأسوأ منذ عدة عقود.
|