رجب سعد السيد (الاسكندرية)

تنعم مصر بميراث طبيعي ثري مع تنوع عريض في الأنظمة البيئية، إذ يصب فيها أربعة من أقاليم الجغرافيا البيولوجية، هي: الإيراني الطوراني، وحوض البحر المتوسط، والسندي الصحراوي، والأفريقي الاستوائي. ويزيد من تفرُّد هذا الموقع كونه منقسماً الى جزءين بواسطة أطول أنهار العالم: النيل. ويحد مصر من الشمال والشرق بحران شبه مغلقين هما المتوسط والأحمر.

يتميز البحر الأحمر بثرائه بأنواع الكائنات الحية، واحتضانه لأنظمة شعاب مرجانية هي من أغنى الأنظمة البيئية في العالم، فضلاً عن فُرش من أشجار المنغروف التي تؤدي دوراً بالغ الأهمية في الحفاظ على صحة البحر وحيويته. وتتوزع مناطق نمو نوع من المنغروف يعرف بالشورى أو أفيسينيا على امتداد الساحل، وهي تتزايد وتتسع كلما اتجهنا جنوباً. أما النوع الآخر الذي يدعى القرم أو رايزوفورا، فلا يصل الى درجة وفرة النوع الأول في نطاق الحدود المصرية.

ينمو المنغروف كشجيرات يتراوح طولها بين متر وثلاثة أمتار. وهي مهيأة بقدرات فريدة لمواجهة ظروف بيئية قاسية وتحمل الملوحة وشح الأوكسيجين. ومن هذه القدرات تفريعات شبيهة بالسيقان تنمو الى أعلى خارجة من الجذور، ويبدو أن وظيفتها إمداد الجذور بالأوكسيجين. ومنها الإسراع بإنبات البذور وهي لا تزال على النبتة، فتخرج منها جذور جنينية، وهكذا تتفادى هذه الأشجار العجيبة إشكالية أن تنبت البذور في التربة الشديدة الملوحة، وفي الوقت ذاته يأتيها ما يلزمها من أوكسيجين عبر جذورها الجنينية. وثالث هذه القدرات تمكين نبات المنغروف من امتصاص الماء المالح، واستخلاص الملح وطرده، ليظهر على سطح الأوراق في صورة بلورات.

 

تمثل منطقة المد والجزر، حيث يلتقي اليابس والماء ويتراكبان، موائل ذات قيمة كبيرة للكائنات الحية التي تعيش عند خط الشاطئ. وهي تجتذب تنويعات أخَّاذة من أشكال الحياة المرتبطة بالمياه الضحلة، التي تضم حيوانات مهيّأة للحياة في الماء وخارجه. ويستعين بعضها بالبرك التي يخلفها البحر عند انحسار مياهه في الجزر، فتعيش فيها على خير وجه، حتى تعود مياه البحر لترتفع في المد وتغطي كل المنطقة. وتشمل قائمة الكائنات التي اعتادت هذا النمط من الحياة أنواعاً من القشريات، كالجمبري (الروبيان) والسرطان ولافقاريات بحرية أخرى.

ومن أشهر الأنواع المميَّزة للموائل الطبيعية في ساحل البحر الأحمر النورس الأسحم (Larus hemprichii) الذي يبني أعشاشه على الأرض، وقد يخفيها تحت أنواع من النباتات المحلية. ويشتمل طعامه على الأسماك والقشريات، التي يلجأ أحياناً لسرقتها من طيور أخرى، فالقرصنة من سلوكياته. كما أنه يسرق بيض وأفراخ غيره من الطيور ليأكلها. أما الطائر البحري المعروف بـ "أبو ملعقة" (Platalea leucorodia) فقد أخذ اسمه من منقاره العريض الذي يستخدمه في البحث عن الطعام تحت سطح الماء، فيحتفظ به عمودياً ويحركه للأمام قابضاً على فرائسه من القشريات.

ومن اللافقاريات البحرية في ساحل البحر الأحمر السرطان الشبح (Ocypode spp) الذي تبني ذكوره روابي صغيرة من الرمال على الشاطئ وتستخدمها في اجتذاب الإناث. وهو ينشط ليلاً، مفتشاً عن غذائه بين النفايات عند خط المدِّ، ويبدو كالشبح بعينيه المحملتين على ذراعين طويلتين. أما النوع الثاني فهو السرطان الناسك (hermit crab) ويُعدُّ أعظم "كانس" لشاطئ البحر الأحمر. إن له جيوباً خيشومية تمكنه من البقاء خارج الماء لفترات طويلة، وعندما يأتي المساء ينضم الى السرطان الشبح، وتنطلق حشودهما الصغيرة على طول الشاطئ تلتهم ما يقابلها من أسماك ميتة وما توجهها إليه حاسة الشم.

تكثر الجزر في مياه البحر الأحمر المصرية، وكلها غير مأهولة، مما يجعلها ملاذاً للسلاحف البحرية في مواسم وضع البيض، وكذلك لعدد من أنواع الطيور البحرية والبرية. وثمة أرخبيل عند مدخل خليج السويس  يضم أكثر من 22 جزيرة. أما خليج العقبة فلا يوجد في مدخله غير جزيرتين كبيرتين، هما تيران وسنافير. والى الجنوب من مدينة الغردقة تقع عدة جزر، أهمها سفاجا ووادي الجمال والزبرجد. وفي أقصى الجنوب تنتهي مجموعة الجزر المصرية بجزيرة حلايب. وينتشر المنغروف على بعض هذه الجزر، وهو الموئل الطبيعي لعدد من الطيور تبني عليه أعشاشها، ولمجموعة متنوعة من الحيوانات القشرية.

وتجد السلاحف البحرية، وبخاصة العقفاء والخضراء، مواقع مناسبة لوضع البيض على شواطئ بعض جزر البحر الأحمر. أما الطيور البحرية فثمة 16 نوعاً منها تستوطن هذه الجزر، ومنها أيضاً النورس الأبيض العينين (Larus leucophthalmus)، علماً ان البحر الأحمر هو موطنه الأصلي حيث يعيش 30 في المئة من مجمل تعداد تجمعاته في العالم. وبالإضافة الى ذلك، يتوقف عدد كبير من الطيور المهاجرة في جزر البحر الأحمر خلال فصلي الربيع والخريف لالتقاط الأنفاس. وهي تستضيف أيضاً تجمعات كبيرة نسبياً من صقر الغروب في موسم التكاثر.

تحتل الشعاب المرجانية أعلى مكانة بين الموائل في البحر الأحمر، حين الظروف البيئية مثالية لتكوين الشعاب الصلدة التي يوجد منها في هذا البحر شبه المغلق أكثر من مئتي نوع، معظمها من "بانيات الشعاب". وهي عموماً تعيش في تجمعات، أو مستعمرات، حيث يقوم كل مرجان فرد (بوليب) ببناء هيكله، فيستقر في بناء كلسي يقوم هو بإفرازه، يشبه القدح، ويكون بمثابة غلاف له. ويتصل مجموع البوليبات الفردية بعضها ببعض.

الجدير بالذكر أن معدل النمو يتفاوت بين أنواع الشعاب، فيتدنى في حالة الأنواع الصلدة الى سنتيمتر واحد في السنة، ويتراوح في أنواع أخرى بين 20 و25 سنتيمتراً في السنة في الظروف المواتية. لذلك فان انتزاع سنتيمترات قليلة من شعاب مرجانية، للاحتفاظ بها كتذكار، يعني ضياع عدة سنين استغرقها هذا الجزء الصغير لينمو.

أما حشائش البحر فتمتد مسطحاتها على طول الأجناب القليلة الغور، وتضم 11 نوعاً، وتوازي في أهميتها الشعاب المرجانية إذ تعتبر من أغنى الأنظمة البيئية البحرية وأعلاها انتاجية. ففي خليج العقبة، يتخذ 49 نوعاً من اللافقاريات البحرية مهاد الحشائش البحرية موطناً. وهي مورد هام للطعام، وهي المأوى والحمى لصغار أنواع مختلفة من الأسماك والقشريات ذات الأهمية الاقتصادية الكبيرة. كما أنها مصدر الطعام الوحيد للسلحفاة البحرية الخضراء، وللحيوان اللبوني البحري المعروف باسم الأطوم أو عروس البحر، الذي لا يأكل سوى نوع وحيد من الحشائش هو "هالوديول يونينيرفيس" فينتزعه بطرفيه المجذافيين ويحتفظ به في أكوام يستهلكها على دفعات.

ومياه البحر الأحمر العميقة مواطن لنحو 1284 نوعاً من الأسماك، يعيش في المياه المصرية منها 337 نوعاً. (على سبيل المقارنة، ولإظهار درجة غنى هذا البحر، فإن عدد أنواع الأسماك في كل حوض البحر المتوسط لا يزيد على 638 نوعاً). ومن أهم عائلات الأسماك في البحر الأحمر الأسماك الفراشية التي تضم 14 نوعاً، سبعة منها أصيلة في هذا البحر، وكلها تقريباً زاهية الألوان.

أما السمكة الشفاهية المنظِّفة (Labroides pectoralis) فهي سمكة صغيرة الحجم، تنشئ "محطة تنظيف" بين الشعاب يتوجه اليها "العملاء" ممن يعانون من مشاكل الطفيليات، مثل قمل البحر وبعض الكائنات القشرية الصغيرة التي تعلق بالأسماك. وأثناء إجراء عملية التنظيف، تفتح السمكة طالبة التنظيف فمها، أو حجرة صفائحها الخيشومية، حتى تستطيع السمكة المنظفة الوصول الى الطفيليات التي تستقر غالباً بين الأسنان أو في الخياشيم.

تنتشر على ساحل البحر الأحمر مئات النوادي والمراكز المتخصصة بالغوص. ومن أجمل مواقع الغوص ذات الشهرة العالمية رأس نصراني ورأس أم سيد ورأس محمد ومضايق تيران، وهي مناطق ذات امتدادات عظيمة من الشعاب المرجانية المروحية. اما منطقة نبق فهي أكبر محمية بحرية على خليج العقبة، وفيها مسطحات هائلة من غابات المنغروف. وتتيح رياضة الغوص في مرسى علم الاستمتاع بالشواطئ التي لا تزال محتفظة بحالتها الفطرية، والتي تزخر مياهها بتكوينات رائعة من الشعاب وتجمعات الدلافين والأسماك النادرة. وفي مدينة الغردقة مواقع مخصصة للمبتدئين في رياضة الغوص، لا يزاحمهم فيها المحترفون.

وتوفر نوادي الرياضات البحرية في الغردقة وغيرها من المواقع على الساحل تسهيلات لممارسة رياضة التزلج المائي وصيد الأسماك. وفي منطقة الصمدي يمكن للسائح السباحة مع الدلافين في مياه البحر المفتوحة، وهي متعة ربما لا تتوفر إلا في هذه المنطقة من العالم، وتلقى رواجاً واقبالاً شديدين، مما جعل الادارات المحلية تلجأ لإجراءات تنظم نزول السياح الى مياه الدلافين، كي لا يتحول النشاط السياحي الى عبء وضغط يؤثران على تجمعاتها في المنطقة.

واستجابت الادارات المسؤولة في نويبع لتزايد الإقبال على التخييم الشاطئي، فوفرت الامكانيات للراغبين فيه، من أكياس النوم على رمال الشواطئ الذهبية، الى أكواخ القش، الى المنشآت السياحية الصغيرة التي يراعى في انشائها وادارتها التوافق مع الاعتبارات البيئية. وتشتمل أنشطة السياحة في ساحل البحر الأحمر أيضاً على ركوب الأمواج (الركمجة) في سفاجا، التي تتمتع أيضاً بكثيبات الرمال السوداء ذات الخواص الاستشفائية. وثمة مواقع أخرى للسياحة البيئية العلاجية، منها "العين السخنة" قرب السويس في أقصى شمال الساحل وهي منطقة ينابيع كبريتية حارة مصدرها جبل عتاقة، وعيون موسى وفيها "حمام فرعون" المعروف بمياهه الكبريتية الذائعة الصيت بقدرتها على تخفيف آلام الروماتيزم.

البحر الأحمر موطن 1284 نوعاً من الأسماك التي تلوذ بمرجانه وحشائشه، ما جعله المقصد الأول لهواة الغوص في العالم