الملتقى الاعلامي العربي الأول للبيئة والتنمية المستدامة، الذي نظمتة جامعة الدول العربية برعاية الأمير تركي بن ناصر بن عبد العزيز، الرئيس العام للأرصاد وحماية البيئة في السعودية ورئيس المكتب التنفيذي لمجلس الوزراء العرب المسؤولين عن شؤون البيئة، عقد الشهر الماضي في القاهرة. وقد افتتحه، إلى جانب الأمير تركي، المهندس ماجد جورج وزير البيئة المصري، بحضور العديد من قيادات البيئة والاعلام العربي.
هدف الملتقى في الدرجة الأولى الى تعزيز قدرات الإعلاميين البيئيين العرب وتشخيص واقع تناول قضايا البيئة والتنمية المستدامة في وسائل الإعلام العربية، وكيفية تأثير الاعلام البيئي في سلوك المواطن العربي، والبحث عن أفضل السبل لبناء الشراكات الاعلامية التي تمكن من توظيف الإعلام في خدمة قضايا البيئة والتنمية المستدامة.
استمرت جلسات الملتقى على مدار ثلاثة أيام في الفترة من 26 تشرين الثاني (نوفمبر) حتى 28 منه. وبدأت بالجلسة الافتتاحية، التي شهدت حضوراً كبيراً ومكثفاً، وتحدث فيها كل من الأمير تركي بن ناصر بن عبد العزيز والدكتور حبيب الهبر المدير الاقليمي لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، والسيدة فاطمة الملاح مديرة ادارة البيئة والاسكان والتنمية المستدامة في جامعة الدول العربية. وغاب الدكتور مصطفى كمال طلبة عالم البيئة المصري الأشهر، الذي كان يفترض أن يقدم محاضرة افتتاحية. كما غاب أيضاً أنس الفقي وزير الاعلام المصري وأسامة سرايا رئيس تحرير الأهرام، على الرغم من وجود اسميهما في دعوات المؤتمر.
قال الأمير تركي في كلمته إنه "بالرغم من أن الاهتمام بالبيئة بدأ منذ بداية السبعينات، فإن الآثار السلبية استمرت في تصاعد وتنوع سريع". وأضاف ان البنك الدولي أوضح في تقرير له أن "الدول العربية تخسر أكثر من 20 مليار دولار سنوياً لأسباب بيئية من خلال تلوث الهواء والتربة والمياه والسواحل". ولفت الى أن "ثلث أمراض العالم ناجمة عن الأخطار البيئية، وأن العالم استهلك أكثر من 60 في المئة من موارده الطبيعية و25 في المئة من مخزون الثروة السمكية خلال السنوات الخمسين الماضية". وطالب بتطوير خطة عملية، تكون بديلة للواقع المخزي والسيناريوهات التقييمية، وبأن تكون هناك مواجهة تشريعية اجتماعية إعلامية وتربوية، للحفاظ على التوازن الطبيعي والأمن البيئي، وإدخالها في صلب القرارات الدولية وإجلاء التناقض بين قوانين منظمة التجارة والمعاهدات البيئية الدولية.
ورأى المهندس ماجد جورج، وزير الدولة المصري لشؤون البيئة، أن الدول العربية في حاجة اليوم "الى مزيد من التكاتف وتوحيد وجهات النظر نحو سياسة إعلامية عربية واحدة، تتبنى قضية الدفاع عن البيئة وحماية الموارد". ولفت الى أن الملتقى "يجدد الرؤية الاستراتيجية لمستقبل العمل الإعلامي البيئي".
وأكد الدكتور حبيب الهبر أن المشكلة الكبرى التي تواجه الإعلام البيئي العربي هي "كيفية التعامل مع معطيات علمية والنجاح في إيصالها للقارئ بشكل مبسط دون سلبها من محتواها العلمي، لذلك لا بد أن يتمعن رجال الإعلام العرب في التعريفات والمؤشرات والأدلة الخاصة بالبيئة، وكذلك توثيق البيانات". واعتبرت السيدة فاطمة الملاح "المؤتمر بمثابة دعم جديد للبيئة العربية والاعلام البيئي العربي، خاصة مع تزامن تدشين قناة "بيئتي" التلفزيونية معه".
صعب: البيئة في وسائل الاعلام العربية
شهد اليومان التاليان للافتتاح عرضاً لعدد من الدراسات والبحوث، بدأت بدراسة الاستاذ نجيب صعب، رئيس تحرير مجلة "البيئة والتنمية"، عن البيئة في وسائل الاعلام العربية. وقد تناولت رصداً دقيقاً لواقع الاعلام البيئي في الصحف والمجلات والاذاعة والتلفزيون في كل بلد عربي على حدة، وأفردت فصلاً خاصاً بالاعلام البيئي العربي على الانترنت. وقدم صعب تحليلاً للمحتوى الاعلامي والعلمي والتوعوي في الصفحات والبرامج البيئية التي استعرضها.
وأفاد صعب أنه تم تجاوز مرحلة إقناع الناس بأهمية الحفاظ على البيئة سليمة، إلى مرحلة تحديد الأساليب الناجعة لتحقيق هذا الهدف النبيل الذي أصبح مقبولاً. وهذا يعني معاملة البيئة إعلامياً كقضية وليس كأخبار في صفحات النشاطات الاجتماعية أو إشاعات في صحف الإثارة. وأضاف: "أما إعادة تدوير الأخبار بلا معلومات جديدة وبلا تحليل موضوعي موثّق، فتجعل الإعلام اجتراراً وتفقده صدقيته، ناهيك عما في هذه الممارسة من استهتار بالجمهور واستخفاف بقدراته ومداركه. والجمهور لا يستمع إلى من يتعامل معه بخفة".
وأوضح أن ورود كلمة "بيئة" تزايد آلاف المرات في وسائل الاعلام العربية خلال السنوات العشر الأخيرة، إلا أن طريقة التصدي لهذا الموضوع بقيت في معظم الحالات مرتبطة بالخبر وردود الفعل الآنية على تطورات دولية وكوراث. وقد ساهمت المؤتمرات الدولية الكبرى حول البيئة والتنمية، ومشاركة الدول العربية فيها وتوقيعها على معظم المعاهدات البيئية الدولية التي تمخضت عنها، بتوسع وسائل الاعلام العربية في الكلام عن الموضوع. ولكن هذا انحصر غالباً بصيغة نقل الخبر عن الوكالات الأجنبية، أو بالبيانات عن مشاركة الوفود الرسمية.
دراسات وحلقات نقاش
قدم الدكتور أحمد عبدالله عاشور، الوكيل المساعد لشؤون البيئة في الرئاسة العامة للارصاد والبيئة السعودية، تقريراً عن تسييس البيئة. كما عرضت دراسة بعنوان الحصول على المعلومات البيئية وتقييم كفايتها ونوعيتها، من اعداد فريق المياه والبيئة في لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الاسكوا).
دارت مواضيع معظم الجلسات التي تلت الجلسة الأولى حول مسائل بيئية عامة خارج نطاق الاعلام، منها دراسة عن "المستجدات والتطورات المحلية والعالمية وآثارها على المياه في الوطن العربي" للدكتور محمد عيسى مجدلاوي ممثل المنظمة العربية للتنمية الزراعية، ودراسة بعنوان "تغير المناخ: عالم ما بعد كيوتو" للدكتور ابراهيم عبد الجليل الاستاذ في جامعة الخليج العربي بالبحرين، وورقة عن الاعلام والتوعية البيئية، قدمها نايف الشلهوب مدير الإدارة العامة للتوعية البيئية بالرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة السعودية، وورقة عن قناة "بيئتي" التلفزيونية ألقاها ياسر الخولي المدير التنفيذي للقناة. كما عرض محمود عبد المنعم القيسوني مستشار وزير السياحة المصري لشؤون البيئة، ورقة عن السياحة البيئية المستدامة، قدم فيها دليلاً ارشادياً للسياحة المستدامة في الوطن العربي من ناحية مفهومها وتطبيقاتها.
وتناول كل من الأستاذ الفلكي حسن من المملكة المغربية، والدكتور مصطفى فودة رئيس قطاع حماية الطبيعة في جهاز شؤون البيئة في مصر، جانب التنوع البيولوجي والسلامة الإحيائية. وتطرق الدكتور محمد عيسى مجدلاوي من المنظمة العربية للتنمية الزراعية لقضايا المياه. كما قدمت عروض تناولت البيئة البحرية والسياحة والتلوث والانتاج الأنظف.
وناقش الملتقى التشريعات البيئية مع المستشار محمد عبدالعزيز الجندي، واستخدامات الطاقة البديلة في المناطق النائية مع الدكتورة الهام محمود، والطاقة مع الدكتور اللبابيدي من منظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول. أما التجربة الكشفية في مجال البيئة فتناولها الدكتور زهير غنيم الأمين العام للاتحاد العالمي للكشاف المسلم والاستاذ فتحي فرغلي الأمين المساعد للمنظمة الكشفية العربية.
واستعرض موضوع المخلفات الصلبة كل من الاستاذ محمد محمود من الشبكة العربية للبيئة والتنمية والأستاذ عبدالله المشعان من الشبكة الخليجية للجمعيات البيئية الأهلية والمهندس خالد الهاجري من الهيئة الملكية للجبيل وينبع. وتناول الدكتور طارق عيد موضوع النفايات الخطرة بمشاركة الأستاذ ناصر الحربي من شركة أرامكو السعودية.
اضافة الى هذا، شهد المؤتمر العديد من الحلقات النقاشية عن دور المرأة والشباب في خدمة قضايا البيئة والتنمية المستدامة، عرض خلالها دليلان أولهما الدليل المرجعي للشباب العربي في مجال الحفاظ على البيئة، والثاني دليل المرأة العربية للمحافظة على الموارد الطبيعية والحد من التلوث البيئي، قدمته الدكتورة سامية جلال الاستاذة في جامعة الاسكندرية. وكانت حلقة عن بناء الشراكات مع الإعلام لخدمة قضايا البيئة والتنمية المستدامة، وأخيراً حلقة عن طرح قضايا البيئة والتنمية المستدامة في الدراما العربية، لعلها كانت الأهم، حيث امتازت بمناقشات جيدة وجادة مع المنصة، التي جلست عليها الكاتبة فتحية العسال والمخرجة انعام محمد علي، وأدارها الدكتور ابراهيم عبد الجليل.
بصفة عامة شهدت جلسات المؤتمر، وخاصة الجلسة الختامية التي رأسها الدكتور عماد الدين عدلي، نقاشاً حامياً من المشاركين، مثل الدكتورة أميمة كامل الاعلامية المصرية المعروفة، التي طالبت بدور للاعلاميين الجادين على قناة "بيئتي"، والسيدة فاطمة الملاح التي طالبت مجلة "البيئة والتنمية" بتقديم نقد بيئي للأعمال الدرامية على صفحات المجلة. كما اقترح خالد غانم مبادرة الهيئات المحلية إلى إنتاج مجلة "البيئة والتنمية" في طبعات شعبية محلية لتعميم الاستفادة منها بين الجماهير، خاصة في الدول ذات الدخل الفردي المتدني.
وقد اتفق المشاركون على أنه كان من الأفضل تخصيص وقت أطول في الجلسات لمعالجة قضايا الاعلام البيئي، والتركيز على مناقشة التجارب الناجحة، بدلاً من عشرات المحاضرات والتقارير التي غطت مواضيع بيئية عامة متداخلة. وفي حين قدمت بعض الأوراق معلومات حديثة، فقد اقتصر بعضها الآخر، خاصة في مجالات الطاقة المتجددة، على معلومات قديمة مكررة لا تعكس التطور العلمي خلال السنوات العشرين الماضية.