أكثر من 200 ناشط بيئي واجتماعي من أنحاء العالم التقوا في لندن في 12 و13 أيار (مايو) لمناقشة القيام بحملة عالمية لمواجهة تغير المناخ. النقاش لم يكن حول أهمية هذه المسألة أو الحاجة الى التصدي لها، وانما حول كيفية التخفيف من تأثيراتها بأسرع سبيل ممكن. فالمشاركون في هذا المؤتمر أنهوا منذ مدة طويلة نقاشهم حول خطورة تغير المناخ، وباتوا الآن يركزون على كيفية التخفيف سريعاً من انبعاثات غازات الدفيئة التي سببت هذه المشكلة، خصوصاً ثاني أوكسيد الكربون الناتج عن حرق الوقود الحفري مثل النفط والفحم.
حضر المؤتمر برلمانيون أوروبيون من أحزاب العمال والخضر والديموقراطيين الأحرار، فضلاً عن منظمات دولية مثل أصدقاء الأرض وغرينبيس وكريستشان ايد. كان من السهل على أي شخص حضر المؤتمر أن يلمس ان القلق الأكبر المستبد بنفوس المشاركين هو حيال تغير المناخ. لكنهم ليسوا الوحيدين، فملايين الأفراد والمؤسسات حول العالم تشاطرهم القلق ذاته. وقد نص اعلان الأمم المتحدة للألفية على أن تغير المناخ هو من أسوأ التهديدات التي تواجهها البشرية، وقدمت بريطانيا أهميته على محاربة الارهاب، كما اعتبرته غالبية المعاهد البيئية الدولية أولى من أي مشكلة اخرى تعمل عليها.
لمَ لا؟ فتغير المناخ يتوقع أن يلحق الخراب بالاقتصاد والزراعة والأمن المائي في العالم. وسوف يصبح أكثر من 200 مليون شخص لاجئين مناخيين بسبب ارتفاع مستوى البحار، ما يفوق عدد اللاجئين السياسيين. وفي مصر وحدها، سيكون هناك 14 مليون لاجئ مناخي. وتتوقع الأمم المتحدة أن يعاني نحو 4 بلايين شخص من نقص المياه بحلول سنة 2080، ويعود السبب أساساً الى تغير المناخ. وتقدر منظمة الصحة العالمية أن نحو 150 ألف شخص يموتون كل سنة من تأثيرات تغير المناخ. وفي العالم العربي، سوف يتأثر عشرات الملايين بصورة مباشرة، وعدد أكبر بصورة غير مباشرة، اذ يهدد تغير المناخ زراعتنا ومواردنا المائية التي هي شحيحة أصلاً.
يوم دولي للتظاهرات المناخية
تخللت المؤتمر أيضاً تحضيرات لليوم الدولي للتظاهرات حول تغير المناخ في 8 كانون الأول (ديسمبر) المقبل. ويتزامن هذا اليوم مع المفاوضات التي ستجريها الأمم المتحدة حول المناخ في بالي باندونيسيا خلال الفترة 3 ـ 14 كانون الأول (ديسمبر) 2007. وكان اليوم الدولي الثاني للتظاهرات حول تغير المناخ عام 2006 شهد نزول عشرات ألوف الناشطين في أنحاء العالم الى الشوارع مطالبين الزعماء باتخاذ اجراء عاجل وصارم لمنع حدوث خلل كارثي في المناخ العالمي. وفي بريطانيا وحدها، شارك في التظاهرة اكثر من 20 ألف شخص، فيما بلغ العدد في اوستراليا 75 ألفاً. ولم يشارك في هذا الحدث أي بلد عربي.
هذه السنة، يتوقع أن يشارك في التظاهرات عدد أكبر من الناس. فالوقت يمر، وتقدر اللجنة الدولية لتغير المناخ في الأمم المتحدة أن أمامنا 8 سنوات فقط لاتخاذ قرار حاسم، والا فسيكون من المكلف والصعب جداً على الاقتصادات الدولية أن تقوم بما هو مطلوب منها. وتفيد تقديرات عدة، بما فيها تقديرات الاتحاد الأوروبي، أن هناك حاجة الى خفض انبعاثات غازات الدفيئة العالمية بنسبة 20 في المئة بحلول 2020، ومن ثم بنسبة 50 في المئة بحلول سنة 2050، إن اردنا فقط إبقاء الاحترار العالمي بحدود درجتين مئويتين وتجنب تغيرات مناخية كارثية. وهذا يعني أن زعماء العالم، إن لم يتفقوا خلال ثلاث سنوات على عملية جديدة وقوية لما بعد بروتوكول كيوتو (الذي ينتهي مفعوله سنة 2012)، فلن تستطيع البلدان أن تصادق عليها ضمن الوقت المحدد.
هذه النافذة الصغيرة للعمل هي ما تتلمسه الحكومات والأحزاب والمنظمات والأفراد في كل مكان... الا في العالم العربي. في يومي التظاهرات الدولية الماضيين حول تغير المناخ لم تكن هناك مشاركة من الجمهور العربي. وفي المؤتمر الدولي للمناخ الذي عقد في لندن الشهر الماضي كان هناك مشارك واحد فقط من العالم العربي. فلماذا العالم العربي متخلف في الكفاح ضد تغير المناخ؟ قد تكون هناك أجوبة عدة عن هذا السؤال. ربما أن بعض الحكومات العربية تعيق مناقشة المناخ في جامعة الدول العربية. وربما للمنطقة أولويات أخرى تقلقها، من الصعوبات الاقتصادية الى الوضع السياسي غير المستقر في الشرق الأوسط.
مهما يكن، لا يمكن السماح لهذا الواقع بأن يستمر. فالتهديدات المترتبة على تغير المناخ والحاجة الملحة الى مواجهتها تتفوق على أي مشكلة أخرى. ولأن تغير المناخ يفاقم مشاكل الفقر والأمن المائي، فمن غير المجدي العمل على معالجة هذه المشاكل من دون التصدي لتغير المناخ أولاً. في المنطقة العربية، سوف ينصبّ الأثر الرئيسي لتغير المناخ على مواردنا المائية وأراضينا الزراعية، علماً أنها المنطقة الأكثر شحاً بالمياه في العالم.
ربّ قائل إن تغير المناخ هو غلطة البلدان المتقدمة التي بنت صناعتها واقتصادها على حرق الوقود الأحفوري خلال القرنين الماضيين، ولذا فهي مسؤولة عن جميع غازات الدفيئة في الغلاف الجوي التي تسبب تغير المناخ. ومع أن هذا صحيح، فلا يعني أنه يجب ألا نقلق حول مسألة تهدد اقتصادنا ومستقبلنا. لماذا لا نلاحق البلدان المتقدمة، مطالبين بان تفعل شيئاً حيال تغير المناخ الذي ستكون تأثيراته أشد وطأة في العالم النامي. وماذا عن دور البلدان المنتجة للنفط؟ اذا أضرّ منتَج في السوق بالمستهلك، يتحمل المنتِج عادة مسؤولية منتجاته. فلماذا تتجنب البلدان المنتجة للنفط تحمل مسؤولية حقيقية عن تغير المناخ.
من أصل 22 بلداً عربياً، هناك 11 بلداً منتجاً للنفط، و4 منها هي من البلدان العشرة الرئيسية المصدرة للنفط في العالم. هذا يجعل تغير المناخ وخفض استهلاك الوقود الاحفوري موضوعاً حساساً جداً في جامعة الدول العربية.
التصدي لتغير المناخ لا يعني ان البلدان الغنية بالنفط في المنطقة سوف تخسر مواردها، لعدة عوامل: أولاً، قد تصبح عواقب تغير المناخ أكثر كلفة لاقتصادنا من فوائد النفط. فمصر، على سبيل المثال، سوف تخسر أكثر من 30 في المئة من زراعة الحبوب، وسوف تغمر المياه 20 في المئة من دلتا النيل إذا ارتفع مستوى البحر المتوسط متراً واحداً، وقد يختفي نحو 75 في المئة من مياه نهر النيل بسبب تغير المناخ. وبما أن اقتصاد مصر ومجتمعها يقومان على القطاع الزراعي ودلتا النيل ونهر النيل، فإن الفوائد من موارد النفط والغاز لن تعوّض الأضرار.
ثانياً، منطقتنا غنية أيضاً بموارد الطاقة المتجددة، وتكنولوجيا الطاقة المتجددة قد تصبح قوتنا المستقبلية. واذا استعملنا 5 في المئة فقط من صحارينا لبناء محطات طاقة شمسية مكثفة، فسوف نستطيع تلبية حاجات كل العالم من الطاقة. كما يمكننا تصدير الطاقة، لكن هذه المرة طاقة نظيفة وغير مستنزفة. هذا قد يبدو شبيهاً بحلم، لكن هناك في الواقع كثيرين يعملون عليه. لقد أجرت ألمانيا وبلدان أوروبية أخرى دراسات حول كيفية نقل الطاقة الشمسية من شمال افريقيا الى اوروبا. وهناك مشاريع قيد التطوير، لكنها غير كافية وتحتاج الى دعم من حكوماتنا.
ثالثاً، حل مشكلة تغير المناخ لا يعني أنه ينبغي علينا التوقف عن استعمال الوقود الاحفوري، وانما فقط خفض استهلاك النفط والفحم بنسبة 50 في المئة بحلول سنة 2050، ولن نستغني عن النفط أبداً. والواقع أن الدخل الحقيقي قد يزداد، مع استمرار ارتفاع أسعار النفط الذي هو سلعة محدودة. وإذا خفضت البلدان النفطية استهلاك النفط، فسوف تطيل عمر مواردها، ويكون اقتصادها أكثر استقراراً على المدى الطويل.
يمكننا الاستفادة فقط من التصدي بجدية لتغير المناخ، لأننا سنخسر كثيراً اذا لم نفعل شيئاً إزاءه، وعلى العالم العربي أن يضفر جهوده ويبدي قلقاً إزاء هذه المسألة. ويؤمل في اليوم الدولي للتظاهرات المناخية في 8 كانون الأول (ديسمبر) المقبل أن ينزل ألوف المواطنين العرب الى الشوارع معبرين عن هذا القلق.
تولى وائل حميدان كان مسؤولاً عن حملات "غرينبيس" في العالم العربي من 2003 الى 2006. وهو الآن المدير التنفيذي لمنظمة IndyAct وهي رابطة عالمية لناشطين بيئيين واجتماعيين وثقافيين مستقلين تركز على تغير المناخ وتحضّر حملة لمواجهته في العالم العربي.