إعصار ''غونو'' فاجأ شبه الجزيرة العربية، بشراسته في بحر العرب واقتحامه مضيق هرمز المؤدي الى الخليج. الأعاصير ظواهر طبيعية في العالم، وفي بحر العرب. لكن العلماء يحذرون من أنها على ازدياد واشتداد، ويعزون ذلك الى تغير المناخ، الذي يتسبب أيضاً في ارتفاع البحار نتيجة الاحتباس الحراري وتمدد المياه وذوبان الجليد، مما ينذر بغرق شواطئ وجزر ومنخفضات. ثمة إجماع علمي على المشكلة، مع أن هذه أمور لا يمكن فحصها في المختبر. وقد وضعت هيئة المناخ الدولية (IPCC) سيناريوهات لارتفاع البحار بين 18 و59 سنتيمتراً خلال هذا القرن، فيما وضعت دراسة مقارنة للبنك الدولي سيناريوهات لتأثيرات ارتفاع البحار بين متر وخمسة أمتار، علماً أن هذه التوقعات لم تأخذ في الحسبان جميع الآثار المحتملة لذوبان جليد غرينلاند وأنتارتيكا الذي يحوي مياهاً يمكن أن ترفع مستوى البحار 70 متراً.
هناك 18,000 كيلومتر من السواحل العربية المأهولة. وبحسب السيناريوهات العلمية، ستكون المنطقة العربية وشرق آسيا الأكثر تأثراً بين أقاليم العالم. والسؤال: كم العرب مستعدون لارتفاع البحار الذي بات مؤكداً؟ السيارات تغرق في شوارع المدن العربية حين تمطر، فكيف بأكثر من المطر؟ والعاصمة العمانية مسقط غرقت يومين في إعصار غونو الذي تحضرت له جيداً. ولكن ماذا يحصل ان لم تكن البلدان العربية مهيأة حين ترتفع البحار وتجتاح السواحل لتستقر فيها؟
لم تحتفل سلطنة عمان بيوم البيئة العالمي هذه السنة، ففي 5 حزيران (يونيو) كانت على موعد مع الاعصار. لكن ''غونو''، أشرس الأعاصير التي شهدها شبه الجزيرة العربية منذ بدء التسجيلات عام 1945، كان تجسيداً حياً لعواقب تغير المناخ، موضوع الساعة وشعار يوم البيئة العالمي 2007.
بدأ تكوّن الاعصار قبالة جزر مالديف في المحيط الهندي في 1 حزيران (يونيو)، وبلغ ذروته في 3 منه بوصول سرعة دورانه الى 260 كيلومتراً في الساعة، وتوجه نحو الشمال الغربي الى بحر العرب إعصاراً من الفئة الخامسة، وهي أعلى فئة للاعصارات. فضرب سواحل عُمان الشرقية في 5 و6 حزيران (يونيو)، ثم توجه شمالاً نحو سواحل الامارات الشرقية وسواحل ايران الجنوبية الشرقية ومضيق هرمز، وكان يضعف تدريجياً وهو يتحرك عبر بحر العرب حتى تلاشى في 7 حزيران (يونيو).
صاحبت الاعصار أمطار غزيرة وأمواج عالية بلغ ارتفاعها 12 متراً في بعض السواحل. فتحولت ''العاصمة الأنيقة'' مسقط الى بحيرة، وأصبحت شوارعها أنهاراً موحلة تساقطت فيها الأشجار وأعمدة الكهرباء. تهدمت أسوار المباني وانجرفت سيارات تراكمت بعضها فوق بعض. غمرت المياه مئات المنازل ووصلت في بعضها الى الطبقة الثانية، وارتفعت نداءات الاستغاثة من مواطنين لجأوا الى السطوح. واستخدمت قوارب لانقاذ أشخاص احتجزوا في المنطقة التجارية وسط المدينة، فيما حلقت طائرات مروحية تابعة للشرطة وسلاح الجو العماني لرصد السواحل والبحث عن منكوبين في المناطق الجبلية، حيث تساقطت أمطار غزيرة شكلت سيولاً جارفة. وفي أكبر عملية إجلاء في تاريخ عمان الحديث، نقل نحو 20 ألفاً من سكان الشريط الساحلي الى مباني المدارس التي توقفت فيها الامتحانات لاستضافة النازحين.
انقطعت الاتصالات والكهرباء والمواصلات، ودمرت طرق وجسور في أنحاء البلاد، وحصلت أضرار كبيرة في شبكات مياه الشرب والصرف الصحي. وأغلق مطار السيب الدولي والبورصة والادارات الرسمية ومجمل القطاع الاقتصادي. كما أغلق ميناء الفحل ثلاثة أيام، وهو الميناء الوحيد لصادرات النفط الخام العماني التي تبلغ 650 ألف برميل يومياً.
خلّف الاعصار أكثر من 50 قتيلاً وعشرات الجرحى في عُمان. وبعدما هجم على سواحل إيران الشرقية، حيث تم إجلاء نحو 40 ألف شخص الى المناطق الداخلية وكانت حصيلته 12 قتيلاً وعشرات المصابين ودماراً في نحو ألف قرية، توجه نحو مضيق هرمز الذي يربط الخليج ببحر العرب ويعبره يومياً أكثر من 13 مليون برميل من النفط ومليوني برميل من المنتجات النفطية، ما يشكل خمس الامدادات العالمية.
وتعرض الساحل الشرقي للامارات المطل على خليج عُمان لبعض تأثيرات الاعصار، فشهدت سواحل الفجيرة والشارقة أمواجاً عالية، بحيث تدفقت مياه البحر الى اليابسة وتجمعت في الشوارع والأراضي المنخفضة. وتم إجلاء أكثر من 800 أسرة، وأغلق ميناء الفجيرة الذي تستخدمه 180 سفينة يومياً وهو واحد من أكبر ثلاثة موانئ في العالم لتزويد السفن بالوقود.
لقد تحضرت عُمان جيداً للاعصار. فتم توجيه إنذار مبكر في 2 حزيران (يونيو)، وبعد يومين أعلنت اللجنة الوطنية للدفاع المدني أن السلطنة ستتأثر خلال الأيام الثلاثة التالية وسيتم اصدار بلاغات كل ثلاث ساعات. وفصّلت مسار الاعصار، مشيرة الى أن هناك مناطق منخفضة مأهولة، مثل جزيرة مصيرة (حيث أكبر قاعدة جوية عمانية) وجزر الحلانيات والسواحل الممتدة من رأس مدركة الى رأس الحد، ستكون معرضة للخطر بارتفاع الأمواج ربما 10 أمتار، داعية المواطنين للانتقال منها الى مناطق أكثر أماناً. ونبهت الى هطول أمطار غزيرة على السواحل والجبال. وانتشرت الشرطة وسيارات الدفاع المدني في مناطق الخطر. وأعلنت حالة طوارئ لثلاثة أيام. وخصصت مراكز وملاعب لإيواء النازحين، وسادت حالة تأهب في المستشفيات. وخزن كثير من المواطنين المواد الغذائية والمستلزمات الأساسية، اذ حذرت مصادر مختلفة من أن ''غونو'' سيفوق الاعصار ''كاترينا'' الذي ضرب نيوأورلينز في الولايات المتحدة عام 2005.
الكوارث الطبيعية تزداد وتشتد مع تغير المناخ
الأعاصير ظاهرة طبيعية مألوفة في بحر العرب، حيث يمكن أن تضرب أي منطقة من الهند حتى الصومال، إلا أن معظمها ينتهي في البحر ولا يصل الى الشواطئ. وتتعرض عُمان لاعصار كل 3 الى 5 سنوات. وكانت الأعاصير السابقة، وآخرها عام 2002، تضرب البلاد على مسافة أبعد جنوباً. لكن ''غونو'' اتخذ مساراً نوعياً اذ توجه مباشرة صوب خليج عمان.
لا مجال حالياً للتنبؤ بوقوع إعصار، ولا تأكيد مساره المحتوم لأنه قد يتغير في أي وقت. لكن المؤكد أن الأعاصير تزداد تكراراً وشدة حول العالم، ويزداد خطرها مع ازدحام المناطق الساحلية بالسكان والعمران. والسبب، كما يقول العلماء، هو تغير المناخ وما يرافقه من ازدياد الكوارث الطبيعية، مثل العواصف والأعاصير والفيضانات وحرائق الغابات. وقد بلغت الخسائر الاقتصادية نتيجة الكوارث المرتبطة بالأحوال الجوية أكثر من 200 بليون دولار عام 2005، بحسب تقرير شركة ''ميونيخ ري'' العالمية لاعادة التأمين، فتجاوزت خسائر العام 2004 الذي كان قياسياً حتى ذلك الحين حيث بلغت 145 بليون دولار.
لكن تغير المناخ، الذي يسببه الاحتباس الحراري الناجم عن انبعاثات غازات الدفيئة من حرق الوقود الاحفوري، لا يقتصر أثره على الكوارث الطبيعية. فهو يؤدي أيضاً الى ذوبان الكتل الجليدية ورفع منسوب البحار وإغراق سواحل وجزر وأراض منخفضة، الى جانب انتشار الجفاف.
البنك الدولي: المنطقة العربية وشرق آسيا الأكثر تأثراً بارتفاع البحار
اعتبرت دراسة تحليلية مقارنة أصدرها البنك الدولي في شباط (فبراير) 2007 أن هناك مؤشرات علمية على أن مستويات البحار قد ترتفع ما بين متر وثلاثة أمتار خلال هذا القرن بفعل الاحتباس الحراري، كما أن التفكك السريع للصفائح الجليدية في غرينلاند وغرب أنتارتيكا قد يرفعها خمسة أمتار. وقدرت الدراسة عواقب ارتفاع مستويات البحار في 84 بلداً نامياً، باستخدام نظام المعلومات الجغرافية (GIS) لادخال أفضل البيانات العالمية المتوفرة حول العناصر التأثيرية الحرجة، وهي الأراضي والسكان والزراعة والامتداد المديني والأراضي الرطبة والناتج المحلي الاجمالي، فضلاً عن المناطق المتوقع أن تغمرها المياه في حال ارتفعت ما بين متر وخمسة أمتار.
توقعت نتائج الدراسة أن يعاني شرق آسيا والشرق الأوسط وشمال أفريقيا أكبر التأثيرات النسبية بين أقاليم العالم. وستكون التأثيرات كارثية على بلدان مثل فيتنام ومصر وجزر البهاما، كما سيكون حجمها المطلق هائلاً في بلدان كبيرة مثل الصين. وسينزح مئات ملايين الأشخاص عن ديارهم، وستكون وطأة الأضرار الاقتصادية والايكولوجية المرافقة شديدة على كثيرين. ولفتت الدراسة الى أن العالم لم يواجه في السابق أزمة بهذا الحجم، ويجب أن يبدأ على الفور التخطيط للتكيف معها. ومع ذلك، لم يأخذ المجتمع الدولي جدياً في الاعتبار إشكاليات ارتفاع مستويات البحار في البلدان النامية المعرضة، من حيث التخطيط لنقل السكان وإعداد البنى التحتية.
الأراضي في الشرق الأوسط وشمال افريقيا ستتأثر أقل من العالم النامي عموماً (0,25 في مقابل 0,31% في حال ارتفاع مستويات البحار متراً واحداً)، لكن جميع المؤشرات الأخرى تفترض عواقب أكثر حدة. فبحسب دراسة البنك الدولي، سيتأثر 3,2% من سكان المنطقة (في مقابل 1,28% عالمياً)، و1,49% من ناتجها المحلي الاجمالي (في مقابل 1,30 عالمياً)، و1,94% من سكان مدنها (في مقابل 1,02% عالمياً)، و3,32% من أراضيها الرطبة (في مقابل 1,86% عالمياً). وباستثناء المساحة الأرضية، ستكون التأثيرات في هذه المنطقة أشد بكثير مما في أميركا الجنوبية والبحر الكاريبي.
وتدل جميع المؤشرات على أن مصر ستكون بين البلدان الخمسة الأكثر تأثراً في العالم بارتفاع مستويات البحار. فعند ارتفاعها متراً واحداً سيتأثر نحو 10% من سكان مصر، وصولاً الى 20% اذا ارتفعت 5 أمتار، خصوصاً في دلتا النيل. وسيتأذى ناتجها المحلي الاجمالي، فحتى بارتفاع متر واحد سيتأثر نحو 12,5% من رقعتها الزراعية. وستصل هذه النسبة الى 35% اذا ارتفعت البحار 5 أمتار. وسيتأثر 8% من سكان موريتانيا و5% من سكان الامارات وتونس بارتفاع متر واحد، كما سيخسر الناتج المحلي الاجمالي في موريتانيا 10%.
الامتداد المديني في المنطقة العربية سيتأثر الى حد بعيد أيضاً. ففي مصر وليبيا والامارات وتونس سيصل التأثير الى نحو 5% بارتفاع مستويات البحار متراً واحداً، وبين 6 و7% بارتفاعها مترين، ونحو 10% بارتفاعها 5 أمتار. وستتأثر الأراضي الرطبة في قطر الى حد بعيد، والى حد أقل في الكويت وليبيا والامارات. وسيكون التأثير على السكان والامتداد المديني والرقعة الزراعية والأراضي الرطبة هو الأكبر في شمال أفريقيا بارتفاع مستويات البحار متراً واحداً، لكنه سيكون الأكبر في شرق آسيا اذا ارتفعت 5 أمتار.
وحتى لو استقرت انبعاثات غازات الدفيئة في المستقبل القريب، فان ذوبان الجليد والتمدد الحراري لمياه المحيطات سيستمران في رفع مستويات البحار خلال العقود المقبلة. كما أن الاحتباس الحراري مع ازدياد انبعاثات غازات الدفيئة يمكن أن يرفعها بين متر و3 أمتار خلال هذا القرن، والتفكك السريع للصفائح الجليدية في غرينلاند وغرب المنطقة القطبية الجنوبية قد يرفعها 5 أمتار، بحسب التحليلات التي استندت اليها دراسة البنك الدولي.
أنتارتيكا وغرينلاند قد ترفعان البحار 70 متراً
الى وقت قريب، توقعت الدراسات ارتفاع مستويات البحار بحدود متر واحد خلال القرن الحالي، معتبرة ثلاثة عوامل رئيسية هي: التمدد الحراري للمحيطات، وذوبان الجليد في غرينلاند وأنتارتيكا (مع مساهمة أصغر من صفائح جليدية أخرى)، وتغير المخزون الأرضي. وكان متوقعاً أن يكون التمدد الحراري للمحيطات هو العامل المهيمن، لكن بيانات جديدة حول سرعة ذوبان الجليد في غرينلاند وأنتارتيكا فرضت أهمية أكبر لهذا العامل الثاني. فالصفائح الجليدية فيهما تحوي مياهاً كافية لرفع مستوى البحار 70 متراً، ومن شأن تغيرات صغيرة في حجمها أن تخلف أثراً كبيراً.
منذ التقرير التقييمي الثالث الذي أصدرته اللجنة الحكومية الدولية لتغير المناخ (IPCC) عام 2001، والعمل جار لتحسين قياسات خسارة الكتلة الجليدية في غرينلاند ومساهمتها في ارتفاع مستويات البحار. وباستعمال ملاحظات وقياسات interferometry بواسطة الأقمار الاصطناعية، باتت التقديرات عام 2006 أكبر من السابق بين ضعفين وخمسة أضعاف. وفي دراسة شملت قياسات متكررة للارتفاعات، تبين عام 2004 أن الصفيحة الجليدية في غرينلاند بين 1993 ـ 1994 و1998 ـ 1999 كانت تخسر 54 ± 14 جيغاطن في السنة (الجيغاطن يساوي بليون طن)، في حين بلغ متوسط الخسارة خلال الفترة 1997 ـ 2003 نحو 74 ± 11 جيغاطن سنوياً. ووفق معدلات الخسارة هذه، تكون مساهمة الصفيحة الجليدية في غرينلاند بارتفاع مستويات البحار نحو ضعفي المعدل المفترض في التقرير التقييمي الثالث.
وفي أنتارتيكا، تشير النتائج المستقاة من الأقمار الاصطناعية عام 2006 الى أن كتلة الصفيحة الجليدية انخفضت الى حد كبير، بمعدل 152 ± 80 كيلومتراً مكعباً من الجليد سنوياً، معظمها في غرب القارة القطبية. وهذا المعدل يزيد بضع مرات عما افترضه التقييم الثالث للجنة الحكومية الدولية لتغير المناخ، التي اعترفت بأن تقديرها لم يأخذ في الاعتبار التغيرات الديناميكية في الكتلة الجليدية غرب أنتارتيكا.
كما أن هناك قلقاً متزايداً يتعلق بثبات الصفيحة الجليدية في غرب أنتارتيكا، التي تستقر حالياً على صخر صلب تحت مستوى سطح البحر. وقد توقع العالم ميرسر عام 1987 أن يؤدي الاحتباس الحراري الى انزلاق هذه الصفيحة في المحيط، مما يرفع معدل مستوى البحر بين 5 و6 أمتار بمجرد أن تأخذ حجمها في المياه حتى من غير أن تذوب.
اللجنة الدولية لتغير المناخ: البحار ترتفع 3 مليمترات سنوياً
أما التقرير الرابع الجديد للجنة الحكومية الدولية بعنوان ''تغير المناخ ''2007، الذي أعده أكثر من 600 خبير من 40 بلداً في ثلاثة أجزاء، فقد نشر منه جزءان على أن ينشر الجزء الأخير في تشرين الأول (أكتوبر) المقبل. وهو يؤكد أن ''احترار النظام المناخي لا لبس فيه''، ملاحظاً أن كمية ثاني أوكسيد الكربون في الغلاف الجوي عام 2005 (379 جزءاً في المليون) فاقت كثيراً المدى الطبيعي خلال الـ 650 ألف سنة الأخيرة (180 ـ 300 جزء في المليون). وأصبحت الأيام والليالي الباردة وأحداث الصقيع أقل تكراراً، بعكس الأيام والليالي الحارة وموجات الحر. وصنفت 11 سنة من السنوات الـ 12 خلال الفترة 1995 ـ 2006 بين السنوات الـ 12 الأشد دفئاً منذ بدء التسجيل الآلي عام 1850.
وارتفع معدل الحرارة العالمية خلال الـ 100 سنة الأخيرة نحو 0,74 درجة مئوية. وانحسرت أنهار الجليد والغطاء الثلجي في الجبال في نصفي الكرة الأرضية، وذابت صفائح جليدية أرضية في غرينلاند وأنتارتيكا. وقد ارتفع مستوى البحر بمعدل 1,8 مليمتر سنوياً خلال الفترة 1961 ـ 2003، لكنه خلال الفترة 1993 ـ 2003 ارتفع 3,1 مليمترات سنوياً.
وازدادت قوة الأعاصير في شمال المحيط الأطلسي ومناطق أخرى منذ السبعينات، متلازمة مع ارتفاع درجة حرارة سطح البحر. ورجح التقرير أن تشتد الأعاصير أكثر خلال القرن الحادي والعشرين، وأن يزداد تواتر موجات الحر وأحداث المطر الغزير، وتتسع رقعة المناطق المتأثرة بالجفاف، ويحصل ارتفاع حاد في حركة المد والجزر. كما توقع أن يدوم تأثير الانبعاثات الكربونية الماضية والمقبلة في الاحترار العالمي وارتفاع مستوى البحر لأكثر من ألف سنة.
وبناء على خمسة سيناريوهات للاحترار العالمي الناجم عن تضاعف تركيزات ثاني أوكسيد الكربون في الغلاف الجوي، توقع التقرير الجديد للهيئة الحكومية الدولية بشأن تغير المناخ أن يرتفع متوسط الحرارة العالمية خلال القرن العشرين درجتين مئويتين على الأقل و4,5 درجات كحد أقصى، مع 3 درجات كمعدل وسط. كما توقع ارتفاع مستوى البحار 18 ـ 38 سنتيمتراً وفق سيناريو منخفض و26 ـ 59 سنتيمتراً وفق سيناريو مرتفع، علماً أن جميع السيناريوهات لم تدخل في حسابها تكسر الصفائح الجليدية في غرينلاند وأنتارتيكا بسبب نقص المعلومات. لكن التقرير أشار الى توقعات باحتمال اختفاء الجليد البحري القطبي أواخر الصيف في النصف الثاني من القرن الحادي والعشرين.
كم العرب مستعدون؟
أعدت بلدان عربية تقارير تقييمية لتأثر المناطق الساحلية بتغير المناخ. وأجرت مصر وجيبوتي وموريتانيا وتونس والمغرب وجزر القمر تقييمات وفق سيناريوهات مختلفة لارتفاع مستوى البحر. وشملت التأثيرات الرئيسية التي تم تحديدها تغير معالم الخطوط الساحلية، وتزايد الملوحة في مصبات الأنهار والأراضي الرطبة مما يتسبب بموت أشجار القرم (المنغروف)، وتسرب المياه المالحة الى طبقات المياه الجوفية، وانخفاض انتاجية مصائد الأسماك، ودمار الشعاب المرجانية، وتأذي المجتمعات والبنى التحتية الساحلية. وأشارت مصر الى ضرورة تطوير استراتيجية لنزوح ما لا يقل عن مليوني شخص من أنحاء دلتا النيل، متوقعة إغراق أراض خصبة فيها.
عبرت جميع البلدان العربية التي قدمت تقارير عن الحاجة الى تنفيذ إجراءات تكيّفية، وصفتها بأنها برامج مستقبلية وأبحاث جارية، مدرجة خيارات وحاجات محتملة. ولكن لم يورد أي بلد منها معلومات عن تنفيذ أي اجراء من هذا النوع. فلا خطط لنقل المراكز السكانية أو تصنيفها وفق سيناريوهات ارتفاع مستوى البحار، فيما تزدهر ''صناعة'' الجزر الاصطناعية بردم البحر. ولا مشاريع لبنى تحتية ملائمة. في بلدان الخليج مثلاً، حيث تغرق الشوارع حين تمطر، يتم ضخ المياه في صهاريج بدل إنشاء شبكات لتصريف مياه الأمطار.
في هذه الأثناء، تستعد بلدان ساحلية حول العالم لمواجهة ارتفاع البحار. هولندا، على سبيل المثال، تبني سدوداً بحرية عملاقة لدرء الخطر عن سواحلها. وقد صنفت مساحات من أراضيها المنخفضة للمراعي بحيث يغمرها الطوفان حين يأتي فلا يكون فيها عمران.
فمتى تستفيق الدول العربية وتتحضر للاجتياح الآتي؟
ينبه العالم المصري البارز الدكتور محمد القصاص الى أن للبلاد العربية سواحل بحرية تمتد آلاف الكيلومترات، بينها مناطق مأهولة تقع على 18000 كيلومتر. والنطاقات الساحلية العربية عامرة بالمدن ومستقرات السكن ومراكز الصناعة والتنمية التي يتهددها ارتفاع سطح البحر. والنطاقات المنخفضة مثل دلتا نهر النيل وشط العرب تواجه مخاطر الغرق. ان ارتفاع مستوى البحر المتوسط والبحر الأحمر والخليج العربي وبحر العرب والمحيطين الهندي والأطلسي يهدد السواحل العربية. ومع ذلك، يقول الدكتور قصاص، ''لا أجد في بلاد الاقليم العربي آذاناً صاغية لهذا الأمر، ولا أحد يتدبر السبل لدرء هذه المخاطر''. وهو دعا الى إنشاء لجنة عربية مدعومة سياسياً، تحشد الامكانات العلمية في الجامعات ومراكز البحوث العربية، للقيام بدراسات الآثار المحتملة لتغيرات المناخ وسبل الحد من عواقبها.
كادر
تأثر الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بارتفاع مستوى البحار
الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وشرق آسيا ستعاني أكبر التأثيرات بين أقاليم العالم بارتفاع مستوى البحار، وستكون مصر الأكثر تأثراً. وتظهر هذه الخريطة نسبة سكان البلدان العربية الذين سيتأثرون بارتفاع مستوى البحار 5 أمتار، بحسب تقرير البنك الدولي (2007).
لم يدخل لبنان وسورية والعراق والأردن في دراسة البنك الدولي حول مخاطر ارتفاع مستوى البحار، لعدم توافر معلومات عن هذه الدول. غير أن ''البيئة والتنمية'' أجرت تصنيفاً للمخاطر المحتملة على السكان بالاشتراك مع مجموعة من الخبراء. وقد أخذت في الاعتبار ما توفر من بيانات عن ارتفاعات المناطق الساحلية وطولها والكثافة السكانية فيها.
في لبنان مثلاً، واستناداً الى خريطة أعدها الدكتور محمد الخولي ونشرت عام 1999، فإن مواقع كبيرة مأهولة في مدن ساحلية مهددة بارتفاع المياه حتى متر ونصف متر فقط، مثل المناطق المنخفضة في صور وصيدا والدامور وبيروت ونهر الكلب. لكن معظم المواقع الساحلية على امتداد الشاطئ بطول 220 كيلومتراً تتأثر بارتفاع البحر أكثر من مترين ونصف متر، وهذا يصيب نحو 15% من سكان السواحل، أي نحو 200 ألف نسمة، أي 5% من سكان لبنان.