شواطئ استوائية ساحرة مكسوة بالأشجار، لا يفوقها دفئاً إلا مودة السكان. طيور وأزهار تنافس بألوانها حمم بركان ثائر. نشاطات رياضية تتنوع من السباحة والغوص وركوب الأمواج والتجذيف في الأنهار والقفز بالمظلات الى الفروسية وصيد الأسماك والغولف وركوب الدراجات الهوائية وزيارة المتنزهات الوطنية.
كوستاريكا بلد جبلي صغير على برزخ أميركا الوسطى الضيّق. في ساعات قليلة يجتازها المرء بالسيارة من حدودها الشمالية مع نيكاراغوا الى بناما في الجنوب، أو يعبرها من ساحل المحيط الهادئ الى ساحل البحر الكاريبي المفتوح على المحيط الأطلسي.
يتكشف التراث المشهدي المذهل في كوستاريكا عن بانوراما متغيرة من البراكين اللآهثة والجبال المكسوة بالغابات والأرياف الرعوية. وتلتقي أدغال المنخفضات الداكنة مع سهول السفانا المفتوحة. وتتكسر أمواج المحيط الهادئ العالية على الرؤوس الصخرية، في تباين حاد مع هدوء شواطئ الكاريبي التي تحف بها أشجار النخيل.
وفيما تغطي كوستاريكا نحو 0,03 في المئة من سطح الأرض، حباها الله بأكثر من 5 في المئة من جميع أشكال الحياة. وقد حافظ السكان على هذا التنوع البيولوجي الذي لا يقدر بثمن في محميات طبيعية تغطي ربع مساحة البلاد البالغة 51 ألف كيومتر مربع. وتعتبر كوستاريكا البلد الأول في العالم من حيث نسبة مساحة المناطق المحمية الى عدد السكان البالغ 4,3 ملايين نسمة.
وتؤمن شبكة طرق الوصول الى معظم الموائل الطبيعية. فيمكنك خلال يوم واحد قيادة السيارة الى فوهة بركانية عبر غابة جبلية، وركوب قطار معلق فوق غابة المطر، والتمتع بأشعة الشمس على شاطئ خال من الناس.
براكين وغابات سحاب
في كوستاريكا تسعة براكين ناشطة تذكر الزوار بالطاقة المرعبة التي تختزنها القشرة الأرضية الرقيقة. ومن يحدق في فوهة بركان بواس الهائلة ببحيرتها الكبريتية الغالية، يتذكر مدى ضعف سيادة الانسان المفترضة على العالم. أما بركان ارينال، وهو الأنشط، فيهدر ويقعقع على نحو متلف للأعصاب، وعروضه النارية ليلاً تبعث الرعب في قلوب آلاف المشاهدين. وعلى المنحدرات المنخفضة لبركان رينكون ديلا فييخا، تنفّس الطاقة في برك طينية غالية ومنافذ مهسهسة وجداول حرارية.
الغابات في أعالي الجبال تغرق غالباً في السحب والضباب. وتنمو الطحالب والأشنات على الصخور والأغصان الدائمة الرطوبة، موفرة للأوركيديا (السحلبيات) والسرخس ونباتات لا تحصى "مواطئ قدم" تتشبث بها. وتكثر هذه النباتات "الهوائية" في غابة السحاب بحيث لا وجود لأغصان عارية. ويشاهد جاثماً في الغابة طائر الكتزال المتأنق بألوانه القرمزية والزمردية وذيله الطويل المتمايل مع النسيم، الذي يعتبره كثيرون أجمل طيور العالم.
منحدرات غابة المطر ومنخفضاتها في كوستاريكا تؤوي ألوف أشكال الحياة المعروفة وألوفاً أخرى لم تصنف بعد. وهي من آخر معاقل التنوع البيولوجي على الأرض. هذه الغابة الاستوائية التي ترجّع تغاريد الطيور عند الفجر تشهد هدوءاً في لهيب النهار، لا يخدش سكونها الا نقيق الفضادع السامة وأزيز الصراصير وصفير طيور النمل. وتحفل طبيعة نيكاراغوا الاستوائية بحشرات عجيبة وأعداد ضخمة من الأشجار والنباتات المزهرة بكل لون.
طيور وحيوانات من كل لون
تؤدي كوستاريكا 850 نوعاً من الطيور، أي عشر مجموع الأنواع في العالم، منها 630 نوعاً مقيماً. ويشاهد الزوار بسهولة الطيور الكبيرة والملونة مثل الصقور والبط والطوقان والتنجر والببغاوات.
وما قد يبعث على الدهشة في بلاد تحوي هذا العدد الكبير من أنواع الطيور الزاهية والغريبة أن الطائر الوطني هو أبو الحناء البني الأحمر العينين. وتسمع زقزقة ذكوره خلال موسم التزاوج من آذار (مارس) الى أيار (مايو)، داعية الى سقوط المطر بحسب معتقدات سكان الأرياف. أما في الأوقات الأخرى فيبقى الجنسان صامتين.
والواقع أن كثيراً من الطيور تُسمع ولا تُرى. فالطائر الناقوسي الذي يقطن في غابات السحاب نادراً ما يشاهد في أعالي الأشجار التي يلفها الضباب، لكن صوت الذكر المخيف الذي يشبه صوت مطرقة تهوي على سندان يلازم الغابة ما دامت الشمس تضيء المكان. والضحك الجنوني الذي ينطلق عند الغسق في الأدغال المنخفضة مصدره الصقر الضاحك.
ومن الثدييات التي تشاهد عادة القردة والغزلان والقوطي والأرماديلو المدرّع والدب الكسلان والسناجيب والوطاويط. كما تشاهد عظاءات الايغوانا والتماسيح وأنواع مختلفة من السحالي. وفي موسم تعشيش السلاحف يشهد الزوار المحظوظون احدى معجزات الطبيعة، المتمثلة في عودة هذه المخلوقات الأزلية الى الشاطئ الذي فقست فيه لتحفر أعشاشها وتضع بيضها.
واذا غامرت بالغوص في مياه كوستاريكا، فسوف تجدها زاخرة بالأسماك وأنواع لا تحصى من المخلوقات. ويقال ان الحياة في البحر تنافس التنوع البيولوجي في غابة المطر. ولكن سواء كنت تستكشف البحر أو غابات السحاب أو غابات المنغروف أو أي نظم ايكولوجية كثيرة في كوستاريكا، فان أهم ما تتسلح به هو الفضول والصبر، وستكون لك في كل مشهد هدية خاصة وذكرى لا تمحى.
الصور: ديك براون
ديك براون مستكشف طبيعة هولندي مختص بتصوير الطيور.