قال الراعي: "لو قارنتُ هذه الأرض بما كانت عليه في الستينات لصعبت علي معرفتها".
وأضاف كي مي ديو جي، وهو راع بدوي ناهز السبعين من يانشيبنغ في اقليم كينغهاي بغرب وسط الصين: "المجالد تذوب، والحرارة ترتفع، وما عدنا نفهم فصول المطر".
يانشيبنغ آخر بلدة على طريق كينغهاي السريع قبل دخول منطقة التيبت. وعلى ارتفاع 4700 متر عن سطح البحر ترتسم أرضها في الصيف بقطعان الياك الطويلة الصوف في المراعي الخضراء، وبالمياه الزرقاء الصافية لنهر بوكو أحد روافد نهر يانغتزي. أما الشتاء فأبيض جليدي تنخفض فيه الحرارة الى 20 درجة مئوية تحت الصفر.
فلا عجب أن يرحب الناس بمناخ أدفأ في هذه المنطقة الباردة النائية. لكن هناك جانباً آخر لقصة تغير المناخ.
الضغط على الهضبة
هضبة التيبت من أكبر القفار المتبقية، وهي تعرف بـ "سقف العالم" اذ تعلو عن سطح البحر بمعدل 4500 متر. ومنها تبدأ أنهار كبرى، مثل يانغتزي وميكونغ وإندوس، رحلاتها الطويلة الى البحر. وبسبب اتساع مساحتها وقربها من المناطق الاستوائية، تعد هضبة التيبت من أكثر المرتفعات تنوعاً ايكولوجياً على الأرض.
كانت الجماعات البدوية في هضبة التيبت ترتحل في أنحاء المنطقة منذ زمن ممعن في القدم، متتبعة السياق الطبيعي للفصول وتوافر المراعي لتربية مواشيها. وتربي عائلة كي مي ديو جي ثيران الياك الضخمة منذ ثلاثة أجيال على الأقل، لكنه يقول: "كانت هذه السنة جافة للغاية. وعندما تقل المراعي تحتاج المواشي الى وقت أطول لكي تتغذى وتنمو، وهذا يعني دخلاً أقل لنا".
وما يفاقم هذا الوضع أن الأحوال المناخية الأدفأ تجتذب مزيداً من مربي الأبقار والأغنام الى هذه المنطقة المرتفعة، القاسية وانما الجميلة، مما يزيد الضغط على الأراضي الهشة أصلاً. وهذا الضغط بدأ يقلص الحياة البرية المحلية، مثل ظباء التيبت التي تعتمد على المراعي أيضاً. بل ثمة أنباء على أن الدببة البنية باتت تطوف قرب القرى بحثاً عن طعام.
وإذا كانت الدببة المتجولة غير كافية لطرد النعاس من العيون، فان هذه المنطقة الريفية النائية تعاني من الملوثات وغازات الدفيئة التي تنفثها مدن كبرى بعيدة مثل بيجينغ وشنغهاي.
مراقبة النهر وذوبان المجالد
يؤكد الدكتور لي لين، رئيس استراتيجيات الحماية في الصندوق العالمي لحماية الطبيعة (WWF) في الصين: "فقط بتخفيض غازات الدفيئة في أنحاء البلاد وحول العالم يمكن صون النظم الايكولوجية السريعة التأثر، كي تبقى مصدر رزق للناس الذين يعيشون هنا وعلى مجرى النهر". ويكب الصندوق على جملة دراسات حول سبل تتيح لهذه الأراضي الرطبة المرتفعة في منطقة منبع نهر يانغتزي أن تتأقلم مع الأحوال المناخية المتغيرة.
في قرية تيوتيوهي، وهي من أول الأماكن حيث يمكن عبور يانغتسي على جسر، تراقب محطة هيدروجيولوجية مستويات مياه النهر. وهذه السنة، على رغم الزيادة في المتساقطات، انخفض منسوب المياه قليلاً، وجف نبع كان يمدّ السكان المحليين بمياه الشفة. وشرح الباحث لي شيجي من معهد الجغرافيا وعلم المياه العذبة في نانجينغ هذه الظاهرة قائلاً: "إن انخفاض مستوى المياه هو نتيجة مباشرة لارتفاع درجات الحرارة. وبسيادة طقس أدفأ، يحدث التبخر بمعدل أسرع من ذوبان المجالد التي تمدّ النهر بالمياه. وهذا يعني عموماً امدادات مياه أقل للسكان المحليين".
على بعد نحو 150 كيلومتراً الى الشرق، في فنغوشان، تزايد معدل المتساقطات في أشهر معينة من السنة، فيما يشير الاتجاه العام الى فترات أجف. والدليل موجود في الأرض الدائمة التجمد (permafrost) أي التربة العلوية التي تتجمد في الشتاء وتذوب في الصيف. يقول لي: "في السنوات العشرين الماضية، ذابت أجزاء أكبر من الأرض المتجمدة خلال الصيف. ومع وجود مياه أقل ورمال أكثر على السطح يكون التصحر على قاب قوسين أو أدنى. درجات الحرارة ستواصل ارتفاعها بالتأكيد، ولكن بات من الصعب التكهن بأحداث مناخية مثل المطر والثلج والريح".
يتفق الخبراء اليوم على اتجاه واحد: أن المجالد والأنهار والأراضي الرطبة والبحيرات، أي جميع عناصر النظام الايكولوجي الهش في المرتفعات، تتغير بسرعة لم يسبق لها مثيل. وقد شاهد لي بعينيه تراجع مجلدة يوزهو، أعلى قمة في جبال كونلون الشرقية، ويقول: "كنت في زيداتان قرب قمة يوزهو لأول مرة في الثمانينات. وعندما عدت اليها بعد عشر سنين كانت المجلدة قد تراجعت نحو 50 متراً، وهي الآن أعلى بنحو 100 متر".
ويرى الخبراء أن التغير المناخي المتوقع خلال القرن المقبل سيزيد معدل ذوبان المجالد. وبشكل خاص، تتراجع مجالد الصين ونيبال والهند بمعدل يراوح بين 10 أمتار و15 متراً في السنة. ويضيف لي: "اذا دمرت هذه المجالد، فسيكون من الصعب جداً اعادة النظم الايكولوجية في المرتفعات الى حالتها الأصلية. وما لم تركز البلدان الصناعية والنامية جهودها على تخفيض الانبعاثات، فان بعض هذه الأرض سيضيع الى الأبد، وسوف ينزح السكان الى أماكن أخرى. ما نحتاج اليه هو زيادة الجهود الرامية الى تخفيض التلوث الاحتراري، بحيث ترث الأجيال المقبلة بيئة أسلم".
في أوائل حزيران (يونيو) الماضي، أطلقت الصين خطة عمل وطنية لتغير المناخ، في أول إقرار رسمي بهدف تقليل انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون من خلال خفض استهلاك الطاقة 20 في المئة لكل وحدة من الناتج المحلي الاجمالي بحلول سنة 2010. ويؤمل أن يحفز هذا التوضيح لموقف الصين إبرام اتفاقية دولية حول تخفيض الانبعاثات.
كلوديا دلبيرو مديرة الاتصالات في مكتب WWF الاوروبي.
النهر العظيم
ينبع نهر يانغتزي من جبال لينغهاي على هضبة التيبت، ويجري مسافة 6300 كيلومتر قبل أن يصب في بحر الصين الشرقي. ويستأثر حوضه بنحو 40 في المئة من موارد المياه العذبة في الصين، واكثر من 70 في المئة من انتاج الرز، و50 في المئة من انتاج الحبوب، واكثر من 70 في المئة من الانتاج السمكي، و40 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي.