غداً للشاطئ الأخضر
يزغرد بحرنا الأحمر
يصفق موجه فرحاً
يغرد طيرهالأصفر
فيطرب سدرنا النشوان
حكاية زرعنا الأكثر
من قصيدة عن وادي صبيا في جازان للشاعر السعودي عبدالواسع سعيد عبده
وحيد مفضل
إذا شئت عنواناً جامعاً لروعة الطبيعة الساحلية وتفرّد الموائل الطبيعية وأصالة التاريخ والتراث، مع حميمية المشاعر وكرم التعامل السعودي، فليكن جازان. وإذا أردت مكاناً مثالياً للاسترواح والاستجمام في هدوء فطري خلاب، أو الاستمتاع برمال بلورية ناعمة ومياه فيروزية متلألئة ، فلن تجده في مكان آخر في السعودية كما على شواطئ جازان. أودية وأغادير، سهول وينابيع، كثبان وغرود، أخوار وشروم، أشجار منغروف وشعاب مرجانية. تلك بعض من مقومات الجمال وباقة من مفردات الثراء التي يتحلى بها واحد من أجمل السواحل وأكثرها تفرداً وغنى. إنه ساحل جازان، تاج عروس الجنوب السعودي لبحري المفتوح بحب ودفء على القرن الأفريقي وكل البلاد العربية المشاطئة للبحر الأحمر.
تشغل إمارة جازان الجزء الجنوبي الغربي من السعودية، يحدها من الجنوب الغربي اليمن السعيد، ومن الشمال منطقة الحجاز، ومن الغرب البحر الأحمر والقرن الافريقي. وبحسب ما جاء في المعجم الجغرافي للبلاد السعودية للفقيه والشاعر السعودي محمد بن أحمد العقيلي، كانت جازان تعرف قديماً باسم "المخلاف السليماني" نسبة إلى أحد أمرائها سليمان بن طرف الحكمي، الذي عاش في النصف الثاني من القرن الرابع الهجري ووحّد "مخلاف حكم" و"مخلاف عثر" تحت إمارته. وعلى رغم كون إمارة جازان أصغر مناطق السعودية، إذ تبلغ مساحتها 12 ألف كيلومتر مربع، إلا أنها تحتل موقعاً استراتيجياً هاماًً، لأنها تطل على البحر الأحمر من الغرب، ولكونها معبر قوافل الحج والتجارة القادمة من جهة اليمن.
شواطئ ورياض
تمتد الحدود الساحلية لمنطقة جازان من شاطئ الموسم شمال ميناء ميدي اليمني مروراً بمدينة جيزان والشقيق حتى القحمة والبرك شمالاً، لمسافة 250 كيلومتراً تقريباً على ساحل البحر الأحمر. معظم هذه الامتدادات شواطئ بكر خلابة، تمتاز برمالها الناعمة وهدوئها الفطري الأخاذ، وتسود قطاعات طويلة من ضفافها أشجار كثيفة من المنغروف، ويمتد فيها حيد مرجاني زاخر بمختلف أنواع الحياة البحرية. وهي بيئة معيشية جاذبة لعشرات الأنواع من الطيور والزواحف والكائنات البحرية المهاجرة والمستوطنة.
هذه الثروات الساحلية، إضافة إلى ما تتميز به الإمارة من جبال شامخة وسهول خضراء فسيحة وينابيع طبيعية ومتاحف وآثار تاريخية، هي من أهم مقومات الجذب السياحي في المنطقة، التي تشير تقارير العام الماضي إلى احتلالها المرتبة السادسة بعد منطقة مكة المكرمة والرياض والمنطقة الشرقية والمدينة المنورة وعسير من حيث نسبة السياحة الداخلية في السعودية.
ومن أهم الشواطئ في المنطقة الموسم والحصاحيص وبيش والطرفة والشقيق ومرسى الدرب وشاطئ جزيرة المرجان. ويتميز شاطئا بيش ورأس الطرفة شمال مدينة جيزان بمكانة خاصة، نظراً لبكارتهما وللجمال الفطري الذي يتمتع به كل منهما. ويتشكل رأس الطرفة في هيئة لسان بحري يمتد لأكثر من 20 كيلومتراً داخل البحر الأحمر، تحفّه شواطئ رملية وطينية ناعمة تزدان ضفافها الداخلية بأيكة كثيفة ممتدة من أشجار المنغروف. أما شاطئ بيش المتاخم له فيتميز بصفاء مياهه وبوجود نطاق كبير من التلال والكثبان الرملية الناعمة على امتداد الظهير الصحراوي خلفه، كثيراً ما تكون مسرحاً للسباقات وحفلات السمر في الليالي المقمرة.
يندر أن تجد مكاناً في جازان يخلو من المروج أو المراعي التي تكتنز في ثناياها أزهار الفل والرياحين. وقد لازمت صفة الاخضرار والنماء تلك المنطقة لعقود طويلة، حتى أنها عرفت قديماً بأنها سلة خبز المملكة. فالإمارة تستقبل موسمياً نسبة لا بأس بها من السيول والأمطار، كما أن المياه الجوفية وفيرة فيها، وتنتشر العيون والينابيع المائية الطبيعية في أراضيها، وهذا كله يساهم في استزراع قطاعات كبيرة من سهولها الفسيحة، بل وجبالها المنيفة، وفي انتشار المروج والنباتات الفطرية والعشبية في ربوعها ووديانها الضاربة في عمق البر والتي يزيد عددها على 29 وادياً، من أهمها بيش وجازان ولجب وعتود وبيض وضمد ووعال. ولا عجب أن تتطور قيثارة الزرع والماء في عدد من هذه الوديان إلى ظهور حدائق معلقة وشلالات متدفقة تسر أبصار الزائرين وتأسر ألبابهم، كما هي الحال في وادي لجب الذي يعد من أبرز المعالم السياحية في جازان.
أما قرب الشاطئ، فالأمر لا يقل خضرة ولا نضارة. فسواحل جازان اشتهرت بأنها من أكثر سواحل البحر الأحمر ثراءً وتنوعاً بالنباتات الساحلية، وبخاصة أيكات المنغروف. فعلى سبيل المثال، ينتشر على طول الساحل الممتد من شاطئ الموسم بالقرب من الحدود اليمنية حتى البرك شمال غرب الشقيق ما لا يقل عن 35 أيكة منفصلة، تزيد مساحتها مجتمعة على ألف هكتار، وهي مساحة كبيرة قياساً على مساحة المنطقة. وتنتمي غالبية هذه الأيكات الى نوع المنغروف الأسود Avicennia marina (نبتة ابن سينا أو الشورى أو القرم)، باستثناء أيكات متفرقة من المنغروف الأحمر (القندل) Rhizophora mucronata أمام مصب وادي رادحة جنوب شرق الشقيق وفي عدة مواقع بجزر فرسان.
جزر الفرسان
لا يطيب حديث عن جازان إلا بذكر جزر فرسان، أيقونة الحياة الفطرية والشاهد على تفرد القطاع السعودي من البحر الأحمر. فهي من أولى وأقدم المحميات البحرية جيزان السعودية، وهي أرض اللؤلؤ والمرجان، وصاحبة تراث حضاري يشهد عليه الزمان.
تقع فرسان على بعد 42 كيلومتراً غرب مدينة جازان، وتضم أرخبيلاً من الجزر والشعاب المرجانية يبلغ عددها نحو 176 جزيرة. وتعد جزيرة فرسان الكبرى أكبرها من حيث المساحة (370 كيلومتراً مربعاً) والتعداد السكاني، في حين تأتي جزيرة السقيد أو فرسان الصغرى في المرتبة الثانية (145 كيلومتراً مربعاً).
وتشتهر جزر فرسان بباقة من أندر النباتات، مثل الأثل والأراك والبشام والتورية والحناء والدحق والدوم والريحان والرين والسدر والسنا والشار والعشر، إلى جانب أشجار الشورى والقندل التي تنتشر على أجزاء كبيرة من شواطئها مكونة غابات ساحلية كثيفة. كما تشتهر بأسماك الحريد الموسمية، وبوجود أكثر من 60 نوعاً من المرجان في مياهها. وفيها محمية الغزلان، حيث ينتشر مئات منها في جزر فرسان الكبرى والسجيد وقماح. وتجتذب هذه الجزر عشرات الأنواع من الطيور النادرة التي تفد الى المنطقة من دولالقرن الأفريقي ومن أوروبا أثناء موسم الهجرة الشتائية بحثاً عن الدفء، ومن أهمها العقاب النساري والبجع الرمادي والنورس القاتم ومالك الحزين وصقر الغروب والقماري.