تبذل جهود حثيثة من أجل ''تخضير'' دورة الألعاب الأولمبية لسنة 2008 التي ستقام في العاصمة الصينية بيجينغ. وتشمل الاجراءات البيئية المعتمدة ادارة النفايات، واستعمال أنظمة نقل أنظف، ومعالجة المياه، وإقامة أحزمة مدينية خضراء تشتمل على غابة أولمبية مساحتها 580 هكتاراً، وتسريع عمليات التخلص من المواد الكيميائية المستنزفة لطبقة الأوزون، وتوفير تجهيزات مقتصدة بالطاقة وأخرى تستخدم الطاقة الخضراء في المباني والمنشآت الرياضية.
ومن المبتكرات الهامة اعتماد أنظمة لضخ الحرارة من مصادر جوفية ومائية وهوائية الى المنشآت الرياضية والمباني لتدفئها شتاء وتكييفها صيفاً. كما ستستعمل الطاقة الشمسية على نطاق واسع في الملاعب والقرية الأولمبية.
وذكر تقرير لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة في تشرين الأول (أكتوبر) أن استضافة الألعاب ستكون حافزاً على تحسينات بيئية متسارعة في أنحاء المدينة، لموازنة النمو الاقتصادي السريع مع حماية الصحة والبيئة. وقال أخيم شتاينر، المدير التنفيذي للبرنامج، إن التقييم الأولي للأولمبياد ايجابي من حيث تطبيق المعايير البيئية، معتبراً أن نحو 12 بليون دولار أنفقتها الحكومة والمجلس البلدي للمدينة ''يبدو أنها أنفقت بشكل جيد، وربما بشكل أفضل اذا تلقفت البلديات الأخرى الدروس المكتسبة والاجراءات المعتمدة بحيث تترك الألعاب ميراثاً حقيقياً ودائماً في أرجاء البلاد''.
لكن في حين يعترف تقرير ''يونيب'' بالاستثمارات والانجازات التي حققها المنظمون، فهو يضيء أيضاً على بعض الجوانب المقلقة والفرص الضائعة التي قد لا يزال هناك وقت لتصحيحها. وثمة مخاوف أيضاً من عدم احترام الترتيبات البيئية الطوعية التي تعهد بها المقاولون والفنادق ومتعهدو المأكولات، ما قد يؤدي الى التضحية بالجوانب البيئية في الدقيقة الأخيرة من أجل الوفاء بالمواعيد المحددة لانجاز المشاريع.
عندما فازت بيجينغ بعرض استضافة الألعاب الأولمبية لسنة 2008، تم اتخاذ قرار لتسريع خطة التنمية المستدامة الحالية للمدينة، المقرر انجازها سنة 2015، واضافة المزيد اليها. وتشمل الخطة 20 مشروعاً رئيسياً في المجالات البيئية المختلفة، اضافة الى مشروع ''الأخضر الأولمبي'' الذي يشمل 20 منشأة رياضية والقرية الأولمبية والمنتزه الغابي الأولمبي.
تلوث الهواء
قامت السلطات في بيجينغ بنقل الصناعات الكبرى الملوِّثة من المدينة. ويتم تحويل محطات توليد الطاقة من حرق الفحم الحجري الى أنواع من الوقود أقل تلويثاً، مثل الغاز الطبيعي. ويستغنى عن كثير من الحافلات وسيارات الأجرة والسيارات الخاصة القديمة لتحل مكانها أخرى جديدة أو تعمل بالغاز الطبيعي المضغوط، واعتمدت أنواع من الوقود تستوفي مقاييس انبعاثات أكثر تشدداً ومعترفاً بها دولياً مثل المقياس ''يورو 3". ونتيجة لذلك هبطت تركيزات عدد من الملوثات الهوائية الرئيسية مثل ثاني اوكسيد الكبريت وأول اوكسيد الكربون بين عامي 2000 و2006.
لكن مع تسجيل أكثر من 1000 سيارة جديدة يومياً في المدينة، ومع بقاء الفحم الحجري وقوداً رئيسياً لانتاج الطاقة، فإن بعض الملوثات الرئيسية تبقى عالية. على سبيل المثال، مستويات الجزيئات الصغيرة PM10 في الجو، التي تشكل خطراً على الصحة، غالباً ما تزيد كثيراً عن الخطوط الارشادية لنوعية الهواء في منظمة الصحة العالمية. والموقع الجغرافي للمدينة يفاقم المشكلة، فسلسلة الجبال التي تحيط بها تصد حركة الرياح وتمنع تشتت الملوثات. يضاف الى ذلك ازدياد العواصف الغبارية، فقد تعرضت المدينة لـ18 عاصفة من هذا النوع في ربيع 2006 مثلاً.
ومن الجوانب المقلقة الأخرى تفويت فرصة موازنة غازات الدفيئة. فالألعاب الأولمبية الشتوية التي أقيمت في مدينة تورينو الايطالية عام 2006 وازنت انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون الاضافية من خلال تمويل مشاريع طاقة صديقة للبيئة في بلدان نامية. كمـا تبنت مبادرة ''الهدف الأخضر'' في مباريات كأس العالم لكـرة القدم عام 2006 اجراءات مماثلة. وقال إريك فولت، مديـر الاتصالات والمسؤول عن برنامج الرياضة والبيئـة في ''يونيب''، إن موازنة الكربون ''باتت ميزة للأحـداث البارزة يتبناها عدد متزايد من المنظمات الرياضية وهيئـات القطـاع الخاص، ولم يفت الوقت على اللجنة المنظمة للألعاب الأولمبية في بيجينغ لتعلن على الملأ التزاماً بشأن تغير المناخ وموازنة الانبعاثات''.
النقل العام
ما زال الاقبال محدوداً على النقل العام المتوسع في المدينة. وقد أنجز مؤخراً خط للنقل السريع بالحافلات طوله 16 كيلومتراً، زاد مجموع القدرة الاستيعابية 100 ألف راكب في اليوم. وهناك خطان مماثلان قيد الانشاء.
وتوسع بيجينغ أيضاً خطوط السكك الحديد على الأرض وتحتها، حيث تم انجاز أربعة، فيما أربعة أخرى هي قيد الانشاء، ومنها الخط الأولمبي. وستكون للخطوط الثمانية قدرة استيعابية تبلغ أربعة ملايين شخص يومياً. ويبلغ مجموع القدرة الاستيعابية للنقل العام الأرضي في بيجينغ 19 مليون راكب في اليوم، لكنها لا تستخدم إلا بمعدل 10,5 ملايين راكب. لذا يجب اتخاذ تدابير وحوافز لردم الهوة من أجـل تحسين نوعية الهواء وفوائد بيئية أخرى.
وسوف تمنح ثلاث رحلات مجانية في وسائل النقل العام لحاملي بطاقات حضور المباريات الأولمبية. كما ستتوافر 3060 سيارة وميني فان وحافلة صغيرة تعمل بالبنزين، يقول المنظمون إنها تستوفي المقاييس الحديثة للحد من الانبعاثات. وسيكون في الخدمة أيضاً أسطول يضم 2300 حافلة كبيرة وصغيرة، 400 منها تعمل بالغاز الطبيعي فيما تعمل البقية بالديزل.
طاقة أنظف
تستخدم الطاقة الشمسية لانارة المسطحات العشبية والساحات والشوارع في عدد من المنشآت الرياضية، بما فيها القرية الأولمبية. في ملعب فنغتاي للبايسبول، مثلاً، نظام فوتوفولطي قدرته 27 كيلوواط لتزويده بالطاقة. ويضاء الملعب الوطني، حيث ستقام مباريات كرة القدم وألعاب القوى، بواسطة نظام فوتوفولطي قدرته 130 كيلوواط. ويتم نشر تكنولوجيات التدفئة الشمسية وحرارة جوف الأرض ومضخات الحرارة، كما في مركز كرة المضرب.
وفي القرية الأولمبية التي تبلغ مساحتها 400 ألف متر مربع، تستخدم مياه الصرف المعالجة في محطة كينغي في أنظمة التدفئة والتبريد، ويتوقع بذلك تحقيق وفر كهربائي نسبته 60 في المئة. ومن التكنولوجيات الأخرى التي تحقق وفورات طاقوية تركيب أغشية شفافة في سقف وجدران ''مكعّب الماء''، أي المركز الوطني للألعاب المائية، لادخال الضوء الطبيعي. وقد صممت ''أنابيب أشعة'' تسلط ضوء الشمس على الممرات والمراحيض ومواقف السيارات في عدد من المنشآت الأولمبية.
المياه والنفايات والأوزون
تم توظيف استثمارات لا يستهان بها في معالجة مياه الشرب ومياه الصرف الصحي وحصاد الأمطار وأنظمة الري الذكية. فعلى سبيل المثال، رصفت أرضية ملعب الكرة اللينة (سوفت بول) بطوب مسامي يسمح لمياه الأمطار أن ترشح من خلاله الى أنظمة تخزين تحت سطح الأرض. وفي ''القرية الاعلامية'' يمكن تجميع ما لا يقل عن 3000 متر مكعب من مياه الأمطار باستعمال طوب مسامي وأنابيب وآبار تم تركيبها على السطوح والطرق والمساحات الخضراء.
ووضع المنظمون هدفاً لتدوير 50 في المئة من النفايات في المنشآت الرياضية، بما في ذلك الورق والمعادن والبلاستيك. وقد حققت تجربة أجريت أثناء مباريات بطولة العالم في الـ''سوفت بول'' العام الماضي نسبة تدوير بلغت نحو 90 في المئة. لكن تقرير ''يونيب'' ينبه الى أن التركيز الحالي هو على معالجة الفضلات لا التقليل منها، مشيراً على سبيل المثال الى مبادرة الترويج لأكواب يعاد استعمالها التي اعتمدت في بطولة كأس العالم لكرة القدم عام 2006.
ويستخدم مزيج من الخشب والبلاستيك المعاد تدويره لتزيين واجهات المنشآت الرياضية وتبطين الأرضيات وصنع برادي النوافذ وطاولات الرحلات، للتقليل من الطلب على الخشب. وتم تحقيق ما وصفه ''يونيب'' بـ''انجاز استثنائي'' لتجنب المواد الكيميائية التي تتلف طبقة الأوزون، في المرافق والمنشآت الرياضية ووحدات التكييف والتبريد ومطافئ الحرائق. فقد حظر استخدام رباعي كلوريد الكربون وميثيل الكلوروفورم في استعمالات مثل غسل الملابس وتنظيف لوحات الدوائر الكهربائية. والتزمت شركات مختلفة بمساهمات صديقة للأوزون، فستقدم كوكاكولا مثلاً 4000 براد للقناني تستخدم مواد تبريد طبيعية.
تحريج وتوعية
اعتُبر تحسين المنظر العام أولوية في المنشآت الرياضية، خصوصاً مشروع ''الأخضر الأولمبي'' الذي يشمل زرع أنواع نباتية محلية ومقاومة للجفاف تغطي نحو 900 هكتار من أصل مساحة اجمالية مقدارها نحو 1160 هكتاراً. وقد تم انجاز المنتزه الغابي الأولمبي الذي تزينه تلال خضراء ومعالم مائية. وسوف تتم حمايته ليكون بمثابة ''رئة خضراء'' للضواحي المحيطة وللقرية الأولمبية التي ستصبح منطقة سكنية بعد انتهاء المباريات.
ويقوم منظمو الأولمبياد بنشر مفهوم ''المباريات الأولمبية الخضراء''، بالتعاون مع الوزارات الاقليمية والمجلس البلدي والجمعيات البيئية والمدارس والقطاع الخاص والمجتمعات المحلية. وقد تم اختيار أكثر من 550 مدرسة، منها 200 في بيجينغ، كمدارس أولمبية نموذجية تروّج القيم الأولمبية التي تشمل حماية البيئة. وقد شاركت المدارس الابتدائية في بيجينغ بحملة ''وفر برميل ماء هذا الصيف'' للتشجيع على الاقتصاد بالمياه.
وثمة مبادرات أخرى للتوعية، منها ''حملة المجتمع الأخضر والبيت الأخضر'' لترويج المفاهيم البيئية في المنازل والأحياء السكنية. كما يقام المعرض المتجول ''يداً بيد في أحضان الطبيعة'' للتوعية على البيئة الحية وموائل أربعة حيوانات هي رموز أولمبية: سمكة فوا المحلية، وظبي التيبت، والخطّاف، والباندا.