للجمعيات والمنظمات التونسية العاملة في مجال البيئة قصة نموذجية في المشهد البيئي العربي. ففي تونس أحد أكبر تجمعاتها عدداً في المنطقة العربية، إذ تتجاوز المئتين، تشتغل في حقول المحافظة على البيئة وصيانة الموارد والتوازنات الإيكولوجية والتنمية المستدامة. ولعل أعرقها جمعية أحباء الطيور والجمعية التونسية لحماية الطبيعة والبيئة، اللتان تأسستا قبل نحو 35 سنة.
ويشهد أداء هذه الجمعيات نمواً تصاعدياً، عززته سياسات الدولة في مجال البيئة خلال العقدين الأخيرين. اذ راهنت على دور المجتمع المدني الذي يضم آلاف الجمعيات والمنظمات، توكل اليها السلطات مهمات متفاوتة الأهمية، تصل الى حد الشراكة والمساهمة في إعداد وتنفيذ برامج وطنية للنهوض بالبيئة والتربية وتجذير مسار الاستدامة.
وقد أورد تقرير ''الخلية'' المكلفة بالتنسيق مع الجمعيات في وزارة البيئة والتنمية المستديمة نماذج مشاريع عينية أنجزت ببادرة من النسيج الجمعياتي في تونس، تعكس الانخراط في الرهانات والشواغل البيئية الملحة للبلاد.
على سبيل المثال، اقتنت الجمعية التونسية لحماية الطبيعة والبيئة ''حافلة التربية البيئية''، ودشنتها مؤخراً في منتزه السعاد في سيدي أبو سعيد. وتتنقل الحافلة في أنحاء البلاد وفق برنامج محدد للاتصال بالمدارس، خصوصاً في الأرياف النائية.
وفي بداية الصيف الماضي شرعت الجمعية، بالتعاون مع وكالة تهيئة وحماية الشريط الساحلي، في تعريف مرتادي الشواطئ بالراية الزرقاء، التي تصنف الشاطئ بأنه غير ملوث وصالح للسباحة، وبالشروط الأساسية المستوجب توفيرها للحصول على الراية وتركيزها على الشاطئ. وقد احتضن شاطئ مدينة حمام سوسة أولى التظاهرات في هذا المجال يوم 15 حزيران (يونيو) 2007.
وتنفذ جمعيتا البيئة في قليبية والقيروان مشروع فرز للنفايات المنزلية، بدعم من الوكالة الوطنية للتصرف بالنفايات. كما ينفذ عدد من الجمعيات الناشطة بيئياً مبادرات لتهيئة مربعات خضراء وصيانتها في المدن.
وكان من شأن القرارات التي اتخذتها الدولة لتشجيع الجمعيات على انتداب حاملي الشهادات العليا للارتقاء بمستوى العمل الى الاحترافية، أنها أصبحت تساهم في تشغيل العديد منهم للسهر على انجاز مشاريعها وتطوير برامجها. ومنذ إنشاء وزارة البيئة والتنمية المستديمة في تونس، وهي من أوائل وزارات البيئة في العالمين العربي والنامي، ركزت على التعاون العملي مع الجمعيات البيئية، مما شجع على تطوير حجم المبالغ المخصصة لدعم أنشطتها وتكثيف برامجها الميدانية والتوعوية. كما أبرمت معها اتفاقات شراكة كان آخرها مع نحو 20 جمعية في مجال العناية بالمدارس والنهوض بأدائها في التربية البيئية.
ولم يقتصر تمويل مشاريع الجمعيات البيئية على المصادر المحلية، بل استقطبت مصادر أجنبية ودولية بتوجيه من ادارة التعاون الدولي في الوزارة للاستفادة من فرص التمويل المتاحة على النطاق الدولي في مختلف المجالات البيئية. ومن هذه المصادر برنامج المنح الصغرى التابع لصندوق البيئة العالمي، الذي يمول انطلاقة المشاريع البيئية ويشجع الجمعيات على الاحتراف. ومن بين هذه المشاريع، حصل مشروع جمعية صيانة مدينة قفصة لتنظيف الواحة وإنتاج المستسمد على الجائزة الكبرى للرئيس زين العابدين بن علي عام 2006.
هذا النضج في نشاط الجمعيات البيئية أرسى أسس التعاون مع وزارة البيئة، فباتت تشارك الجمعيات في الاجتماعات الاستشارية، مما كان له أثر ايجابي على مستوى البرامج المقترحة وتحفيز الناشطين في هذه الجمعيات لمضاعفة الجهد والتطوع في حقـول حماية البيئـة.
|