بينت الدراسات التقييمية لانعكاسات التغيرات المناخية أن موقع تونس الجغرافي وهشاشة منظوماتها الطبيعية يجعلانها معرضة للتأثيرات المحتملة. وأهمها ارتفاع مستوى سطح البحر، وتقلص مدخرات المياه العذبة بسبب التملح، وتفاقم ظاهرة التبخر، واضطراب موسم الأمطار، وتراجع المردودية الاقتصادية لمساحات هامة من المناطق الساحلية المنخفضة.
في هذا المجال، أجريت دراسة لاعداد استراتيجية حول أقلمة قطاع الزراعة والنظم الايكولوجية في تونس مع التغيرات المناخية، ودراسة أخرى حول تأثيرات ارتفاع مستوى سطح البحر على المنظومات البيئية البحرية وعلى اقتصاد المناطق الساحلية. وفي ما يأتي أهم نتائج هاتين الدراستين.
الزراعة وتغير المناخ
بينت الدراسة المتعلقة بأقلمة قطاع الزراعة والنظم الإيكولوجية مع التغيرات المناخية بحلول سنة 2020، مقارنة مع الفترة المرجعية 1961-1990، أن معدل درجة الحرارة سيرتفع نحـو 0,8 درجـة مئوية في منطقة الشمال من الوطن القبلي إلى الشمال الغربي، و1,3 درجة في المنطقة الممتدة من الجنوب الغربي إلى أقصى الجنوب، ودرجة في المنطقة الممتدة من حدود الشمال الغربي إلى الجنوب الشرقي.
وتفيد النماذج الحسابية التي تم اعتمادها بأن معدلات الأمطار ستتقلص بنسبة 5 في المئة في الشمال، و8 في المئة في الوطن القبلي والشمال الشرقي، و10 في المئة في أقصى الجنوب، بحلول سنة 2020. وهي ستنخفض بنسبة تراوح بين 10 في المئة في الشمال الغربي و30 في المئة في أقصى جنوب البلاد بحلول سنة 2050.
ويمكن أن ينعكس تغير المناخ على الموارد المائية والنظم البيئية والزراعية، ولا سيما إنتاج زيت الزيتون والأشجار المثمرة وتربية الماشية والزراعات البعلية، وعلى الاقتصاد بصفة عامة. وستزيد التغيرات المناخية من الضغوط الحالية على الفلاحين والمساحات التي يستغلونها. كما أن بعض الأنشطة الزراعية قد لا تتأقلم مع الظواهر القصوى للتغيرات المناخية في المستقبل.
وتوصلت الدراسة إلى اقتراح استراتيجية متكاملة وخطة عمل لأقلمة القطاع الزراعي والموارد الطبيعية، تتضمن بشكل خاص:
- إرساء نظام إنذار مناخي مبكر، وتطوير منظومات الرصد الجوي، وتوزيع المعلومات المناخية على جل القطاعات.
- دعم برنامج التصرف في الموارد المائية، مع أخذ نظمها الإيكولوجية في الاعتبار.
- مواصلة تطبيق الخريطة الزراعية وإعادة تقييمها حسب التغيرات المناخية المتوقعة.
- تحسين قدرات النظم الإيكولوجية، كالغابات، على التأقلم مع التغيرات المناخية.
- وضع مسألة التغيرات المناخية ضمن الاهتمامات الوطنية، ورصد سبل الاستفادة من الإمكانات المتاحة دولياً على غرار صندوق التأقلم في إطار بروتوكول كيوتو.
- تطوير الآليات المؤسساتية والحوافز المالية والبحث العلمي ومنظومة التأمين وإعادة التأمين، ودعم التنسيق بين القطاعات المختلفة لتنفيذ مخطط العمل الوطني للتأقلم مع التغيرات المناخية.
حين يرتفع البحر
تشير الاستنتاجات الأولية لدراسة انعكاسات ارتفاع مستوى سطح البحر على الشريط الساحلي في تونس، التي تم الشروع فيها عام 2006، الى أن ارتفاعاً بمقدار 50 سنتيمتراً حتى سنة 2100 (الفرضية القصوى المحتملة في سيناريوهات الهيئة الدولية لخبراء المناخ) يمكن أن يتسبب في تفعيل الانجراف البحري في عدد من المناطق الساحلية الشديدة الانخفاض، على غرار بعض سباخ خليج الحمامات والوطن القبلي وأجزاء من ضفاف بحيرتي إشكل وغار الملح وجزر قرقنة وجربة والكنائس.
ويحتمل أن يؤثر ارتفاع مستوى سطح البحر على عدد من النظم والموارد الطبيعية الساحلية، كالمياه، وعلى التنوع البيولوجي البحري وبعض المنشآت الساحلية.
وباعتماد سيناريوهات الهيئة الدولية لخبراء المناخ، وفرضية ارتفاع مستوى سطح البحر 50 سنتيمتراً حتى سنة 2100، وفق السيناريو الأقصى المحتمل، يمكن أن يتقدم البحر على حساب اليابسة، خصوصاً في الأراضي الساحلية الشديدة الانخفاض، على غرار بعض المناطق الرطبة (السباخ والبحيرات والأودية) ومنظومات الجزر. وهنا بعض الأمثلة:
دلتا وادي مجردة: بينت الدراسة أن مساحات تناهز 2600 هكتار يمكن أن تتعرض لانجراف بحري ونقص في الخصوبة.
مجموعة السباخ الساحلية للوطن القبلي: يتوقع أن تتحول أكثر من 10 سباخ إلى بحيرات بمساحة 730 هكتاراً محاطة بمناطق رطبة تناهز مساحتها 730 هكتاراً.
خليج الحمامات: يتوقع تعرض المنطقة إلى انجراف بحري على مساحة إجمالية تناهز 1900 هكتار، خصوصاً على مستوى سبخة سيدي خليفة، وأن يتحول جزء من سبخة حلق المنجل إلى بحيرة بمساحة 1400 هكتار.
أرخبيل قرقنة: يتوقع أن يتحول إلى مجموعة أكبر من الجزر الصغيرة، علماً أن قرابة 30 في المئة من المساحة الإجمالية للأرخبيل معرضة للانجراف البحري.
جزيرة جربة: بينت الدراسة أن 3400 هكتار من المناطق الرطبة في هذه الجزيرة يمكن أن تتعرض لانجراف بحري، خصوصاً في مناطق رأس الرمل وبين الوديان. في هذا الإطار، بدأ العمل منذ عام 1995 على وضع منظومة متكاملة لإحكام التصرف في النظم الساحلية، بقصد حماية الموارد الطبيعية فيها والوقاية من تأثير الإنجراف البحري. وتعتمد هذه المنظومة على ما يأتي:
- تركيز مرصد للسواحل، لمتابعة تطورها وتقليص التأثيرات على الأنشطة الاقتصادية في المناطق الساحلية.
- تحديد الملك العمومي البحري، وإعداد مخططات الإشغال ومراقبة الأنشطة الاقتصادية فيه، بقصد إحكام التصرف به وضمان توازنه واستمراريته والمحافظة على النظم البيئية الساحلية.
- إعداد برنامج وطني لادارة المناطق الرطبة الساحلية، يهدف إلى حمايتها من التلوث واستصلاحها وتهيئتها. وقد تم لهذا الغرض إعداد نماذج إدارية شملت سبع سباخ ساحلية هي: أريانة وقليبية وسليمان والمكنين وبني غياضة ورادس والسيجومي.
- إعداد برنامج وطني لحماية السواحل من الانجراف، وقد أنجزت دراسة أولية حددت نحو 100 كيلومتر من السواحل المعرضة للانجراف البحري، منها نحو 40 كيلومتراً ذات أولوية. وسينفذ قسط أول من التدخلات خلال ''المخطط الحادي عشر للتنمية'' باعتماد تقنية التغذية الاصطناعية للشواطئ.
بالإضافة إلى ذلك، يتم تنفيذ العديد من البرامج والمشاريع في المناطق الساحلية ذات النظم البيئية الهشة، أو التي تشهد ضغوطاً من جراء تنامي الأنشطة الاقتصادية. من ذلك مشروع حماية الثروات البحرية والساحلية في خليج قابس الذي بدأ تنفيذه في أيلول (سبتمبر) 2005 ويمتد لفترة خمس سنوات، يوضع من خلاله برنامج عمل متكامل للمتابعة والادارة التشاركية للمحافظة على التنوع البيولوجي، خصوصاً في المناطق النموذجية (الكنايس، قرقنة، البيبان وبوغرارة، الواحة الساحلية) التي تم تحديدها نظراً إلى خصوصياتها الإيكولوجية.
كما تم مؤخراً الشروع في دراسات لتقييم تأثيرات التغيرات المناخية على قطاع الصحة، وتطوير منظومة الإنذار المناخي المبكر للظواهر المناخية القصوى على غرار الجفاف والفيضانات.
استغلال آلية التنمية النظيفة
في إطار تنفيذ بروتوكول كيوتو، تنفذ أنشطة لاستغلال إمكانات التمويل والاستثمار التي تتيحها آلية التنمية النظيفة. فتم إعداد حافظة مشاريع حول إمكانات تخفيض انبعاثات غازات الدفيئة في قطاعات الطاقة والنقل وادارة النفايات والغابات والزراعة، وحافظة مشاريع في قطاع التحكم بالطاقة وتطوير الطاقات المتجددة يمكن تمويلها في إطار آلية التنمية النظيفة.
وعلى أثر تحديد المشاريع ذات الأولوية لاستغلال الإمكانات المتاحة في إطار آلية التنمية النظيفة، بدأ تنفيذ برنامج الادارة المتكاملة للنفايات في تونس، الذي يشمل مشروعين. الأول، مشروع جمع وحرق غاز الميثان في المكب المراقب في جبل شاكير، وهو سيتيح تقليص نحو 3,7 ملايين طن مكافئ من ثاني أوكسيد الكربون خلال عشر سنين من 2007 إلى .2016 والثاني، مشروع جمع وحرق غاز الميثان في تسعة مكبات مراقبة موزعة في أنحاء البلاد، وهو سيتيح تقليص نحو 3,2 ملايين طن مكافئ من ثاني أوكسيد الكربون خلال الفترة نفسها.
وستخصص العائدات المالية الناتجة عن بيع تخفيضات انبعاثات غاز الميثان لمشاريع جديدة لاستصلاح المكبات العشوائية وإحداث مكبات مراقبة جديدة وتهيئة المناطق الملوثة وتطوير منظومة ادارة النفايات في تونس.
إلى ذلك، صادق المكتب الوطني لآلية التنمية النظيفة عام 2006 على ثلاثة مشاريع أخرى هي:
مشروع تطوير استعمال الطاقة الشمسية لتسخين المياه: يهدف إلى تسويق وتركيز 675,000 متر مربع من اللاقطات الشمسية لتسخين المياه خلال فترة 10 سنين بين 2007 و2016. وسيتيح تخفيض انبعاثات غازات الدفيئة بنحو 570 ألف طن مكافئ من ثاني أوكسيد الكربون خلال هذه الفترة.
مشروع النجاعة الطاقية في شبكات التنوير العمومي: سيمكن من تحقيق اقتصاد هام في الطاقة الأولية الضرورية لإنتاج الكهرباء يناهز 310 آلاف طن مكافئ نفط، ومن تفادي انبعاث ما يزيد على 660 ألف طن من ثاني أوكسيد الكربون، بالإضافة إلى تفادي انبعاثات غازات ملوثة أخرى.
مشروع تركيز محطة في وحدة لصناعة الإسمنت للإنتاج الذاتي للكهرباء بواسطة طاقة الرياح بقدرة تناهز 14 ميغاواط: سيمكن المشروع من اقتصاد في الطاقة الأولية يناهز 80 ألف طن مكافئ نفط، وتفادي نحو 22 ألف طن مكافئ من ثاني أوكسيد الكربون سنوياً خلال المدة المقترحة لاحتساب هذه الكميات والبالغة 21 سنة.
وبالتعاون مع الهياكل والمؤسسات المعنية على الصعيد الوطني، وبدعم من جهات دولية على غرار البنك الدولي، يتم الإعداد لمشاريع عدة في إطار آلية التنمية النظيفة، أهمها: مشاريع جمع وحرق غاز الميثان وتوليد الكهرباء في المكبات المراقبة، مشاريع التوليد المؤتلف للطاقة في عدد من المؤسسات الصناعية، مشاريع إنارة المساكن الريفية وضخ المياه بالطاقة الشمسية، مشاريع استغلال الغاز المصاحب في مواقع إنتاج البترول والغاز الطبيعي، مشروع تطوير النقل الجماعي في تونس الكبرى، مشاريع استغلال طاقة الرياح لإنتاج الكهرباء، مشاريع استبدال الوقود السائل بالغاز الطبيعي في عدد من المناطق الصناعية.
وهناك أيضاً مشروع تقليص انبعاثات غاز ثاني أوكسيد النيتروجين في وحدات إنتاج الحامض النيتريكي في المجمع الكيميائي التونسي، وسيمكن من تقليص 260 ألف طن من مكافئ ثاني أوكسيد الكربون سنوياً. أما مشروع التشجير الغابي بشتول الصنوبر الثمري والكالتوس على مساحة 15,440 هكتاراً، فسوف يتيح امتصاص كميات تناهز 12 مليون طن من مكافئ ثاني أوكسيد الكربون خلال الفترة من 2009 إلى 2037، وتوفير مداخيل هامة من بيع اعتمادات تخفيض الانبعاثات. كما سيساهم في حماية الأراضي المهددة بالانجراف وتحسين الظروف الاجتماعية وتوفير موارد رزق لسكان المناطق المعنية.
وتجرى حالياً دراسة لتنفيذ مشروع زراعة نبتة الجتروفا لإنتاج بيوديزل (وقود حيوي)، على مساحة 15,000 هكتار في المناطق الجافة وشبه الجافة، وذلك في إطار خطة متكاملة تهدف إلى: استغلال الإمكانات المتاحة في إطار آلية التنمية النظيفة لتوفير مداخيل من بيع كميات الكربون التي تستطيع نباتات الجتروفا امتصاصها، وتثمين الأراضي ذات المردودية الزراعية الضعيفة، ومقاومة التصحر والانجراف وحماية الشريط الساحلي والموارد الطبيعية، وتثمين المياه المستعملة المعالجة وتفادي إلقائها في البيئة البحرية، وإنتاج زيوت بيوديزل بما يدعم التوجهات الوطنية لاستغلال الطاقات البديلة والمتجددة، وتوفير موارد رزق وفرص عمل كثيرة في قطاعي الاستغلال الزراعي لهذه الأراضي والصناعي لإنتاج الزيوت من حبيبات الجتروفا، علماً أن هذه النبتة تنمو سريعاً في غضون 14 شهراً.
وقد أبرمت تونس اتفاقيات مع عدد من البلدان الصناعية لدعم تنفيذ مشاريع آلية التنمية النظيفة، بينها مذكرات تفاهم مع فرنسا وإيطاليا والنمسا والبرتغال وكندا.
توعية وتخضير
تم انجاز عدد من الأنشطة والبرامج للتعريف بالتغيرات المناخية وآلية التنمية النظيفة لدى الناشئة والشباب، بالإضافة إلى أصحاب المشاريع التي يمكن استغلالها في إطار آلية التنمية النظيفة. ويتم تطوير موقع على الانترنت، يكون واجهة تخاطب وتواصل مع المهتمين ومستثمري المشاريع على الصعيدين الوطني والدولي، وقاعدة لاستقطاب التمويلات الخارجية لمشاريع التنمية النظيفة.
ونظمت دورات تدريبية في مجال تصميم ومتابعة إنجاز مشاريع آلية التنمية النظيفة لأصحاب المشاريع في القطاعين العام والخاص ومكاتب الدراسات الوطنية. وتم إعداد قرص معلوماتي للتعريف بالتغيرات المناخية في إطار برامج التوعية البيئية، كما نظمت دورات تدريبية لتشخيص تأثيراتها ورصد سبل التأقلم والمجابهة.
وقد أنشئت ثماني حدائق وطنية تناهز مساحتها الاجمالية 200 ألف هكتار، منها إشكل وجبيل والشعانبي والفايجة. ويتم حالياً إنشاء حديقتين إضافيتين هما جبل زغوان وجبل عرباطة بمساحة 5000 هكتار. كما أنشئت 16 محمية طبيعية، منها جالطة الصغرى والكنايس وسبخة الكلبية، تمتد على مساحة 16 ألف هكتار. ويتم حالياً إنشاء محمية طبيعية جديدة في واد تكوك في تطاوين على مساحة 600 هكتار. وتناهز المساحة الاجمالية للمناطق المحمية نحو 2,5 في المئة من مساحة البلاد.
وقد أولت الحكومة عناية خاصة لقطاع الغابات والتشجير في الجبال والأرياف والمدن والتجمعات السكنية. وتم إعداد خطة وطنية للتشجير تمتد إلى سنة 2011 وتهدف إلى دعم التشجير الغابي والرعوي وترشيد التصرف بالنظم الغابية، لبلوغ غطاء غابي بنسبة 16 في المئة بحلول سنة 2011.
وكنتيجة لهذه الجهود، شهد القطاع الغابي والرعوي خلال العشريّتين الأخيرتين قفزة نوعية وكمية من حيث تنمية الغطاء النباتي وتكريس البعد الاجتماعي والبيئي، وذلك بإدماج السكان المحليين في البرامج والمشاريع والتركيز على تحسين ظروف معيشتهم، بتمكينهم من استغلال الموارد الغابية والرعوية بطريقة متوازنة وتنظيمهم ضمن مجامع التنمية الزراعية.