فيما تعالت المطالب بإعادة النظر في البرنامج النووي الأردني، بعد حادثة التسرب الإشعاعي من مفاعل فوكوشيما الياباني، أصرّ مسؤولون وخبراء في الطاقة النووية على أن الحال بالنسبة الى الأردن مختلفة من حيث تصاميم المفاعلات والظروف الجغرافية والجيولوجية.
وأتى قرار مجلس النواب في 30 أيار (مايو) 2012 بالموافقة على توصية لجنة الطاقة بوقف مشروع المفاعل النووي، إلى حين توافر دراسة جدوى اقتصادية وتأمين التمويل اللازم لبنائه، انتصاراً لمطالب النشطاء والمجتمع المحلي بالعدول عن إقامته. وأكد المجلس في قراره الملزم للحكومة ضرورة الاتفاق على موقع مناسب لاقامة المفاعل يراعي المتطلبات الدولية والضمانات البيئية والمصادر المائية اللازمة.
جاء هذا القرار بعدما أصدرت لجنة الطاقة والثروة المعدنية النيابية تقريراً اعتبر أن هيئة الطاقة الذرية أخفت حقائق حول تكاليف إقامة مفاعل نووي. فهي زعمت للجنة النيابية أن مفاعلاً نووياً بقدرة 1000 ميغاواط سيكلف خمسة بلايين دولار، لكنها لم تفصح عن تكاليف نواح أخرى في المشروع، مثل مياه التبريد وكهرباء التشغيل وتخزين النفايات النووية وإحالة المفاعل على التقاعد بعد سنين. وقدّر رئيس اللجنة القانونية النائب محمود الخرابشة أن التكاليف الإضافية سترفع كلفة المشروع الى 20 بليون دينار (28 بليون دولار). لكن رئيس الهيئة الدكتور خالد طوقان نفى ذلك، قائلاً إن ما يعنيه تقرير اللجنة النيابية هو إقامة محطة لتحلية المياه وتطوير شبكة الكهرباء، ولا علاقة لهاتين بمشروع المفاعل النووي.
وأوضح طوقان أن تبريد المفاعل يحتاج الى ثمانية ملايين متر مكعب من الماء سنوياً، وأن المساحات التي اتفق على التنقيب فيها عن اليورانيوم تبلغ 1460 كيلومتراً مربعاً. وأكد أن اختيار موقع المفاعل جاء وفق المعايير والأسس الدولية المتبعة للسلامة العامة، ومنها الوجود المائي المستدام، والعوامل الخارجية الطبيعية التي قد تشكل خطورة على المنشأة مثل الفيضانات والزلازل، والعوامل البشرية مثل المصانع وخطوط الملاحة والوحدات العسكرية. وهو يأخذ في الاعتبار التأثيرات المحتملة على الصحة العامة والبيئة المحيطة. أما النفايات النووية الناتجة عن تشغيل المفاعل فسيتم دفنها بطريقة آمنة داخل المفاعل.
السلامة والجدوى الاقتصادية
شهدت مناطق مختلفة في الأردن، خصوصاً محافظتا المفرق والزرقاء، تحركات شعبية ونيابية واسعة، رافضة إقامة المحطة النووية على أراضيها، وسط مخاوف من تلوث إشعاعي يصيب المنطقة وسكانها. وقامت تظاهرات عديدة تطالب بالاستثمار في بدائل أكثر أماناً واستدامة، مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. وتدور مخاوف سكان المحافظتين القريبتين من قرية المجدل، التي تبعد عن عمان 40 كيلومتراً وقد تم اختيارها كموقع محتمل للمفاعل، حول افتقار هيئة الطاقة الذرية الى خبرات وفنيين لإدارة النفايات النووية بطريقة آمنة تضمن أعلى مستويات السلامة للمواطنين والبيئة.
وكان مجلس النواب السابق خوّل هيئة الطاقة الذرية قيادة الجهد الوطني وتنفيذ الاستراتيجية النووية كخيار استراتيجي للأردن، الذي يستورد 95 في المئة من احتياجاته الطاقوية وينفق عليها 25 في المئة من ناتجه المحلي الإجمالي.
وقال الخبير النووي الأردني الدكتور نضال الزعبي إن الإجراءات كانت متجهة نحو إقامة المشروع من دون تخطيط سليم وفق شروط وكالة الطاقة الذرية علمياً واقتصادياً. وأضاف أن الدراسة التي أجرتها إحدى الدول ذات الخبرة بالمفاعلات النووية لموقع مقترح لإقامة المشروع بينت أنه فوق صدع زلزالي. وبعد إبلاغ الجهات المعنية، تم الابتعاد 50 متراً عن الصدع، «وهذا يدل على التخبط وعدم كفاءة القائمين على المشروع».
وأضاف الزعبي أنه تم انفاق 15 مليون دينار (21 مليون دولار) على دراسة الجدوى التي لم ينفذ شيء يذكر منها، وأن كثيراً من المعدات والمستلزمات أُقحمت في المشروع بأرقام بلغت أربعة أضعاف الثمن الحقيقي، مما يعني وجود فساد مالي. ويتحدث البعض عن إنفاق نحو 250 مليون دينار (350 مليون دولار) على المشروع حتى الآن.
لكن وزير البيئة ياسين الخياط أكد أنه سيكون لوزارته دور مباشر في قرار تنفيذ البرنامج النووي الأردني. وباستكمال الدراسات والأبحاث المتعلقة ببناء المفاعل والتكنولوجيا المختارة والجدوى الاقتصادية لتعدين اليورانيوم، سيتم اتخاذ القرار على مستوى وطني للمضي بالمشروع أو التخلي عنه. وقال ان وزارة البيئة ستقوم بدورها المتعلق بدراسات الأثر البيئي للمشروع كاملاً وحسب الأصول، وهذا يشمل كل موقع سيتم اقتراحه.
أما المدير التنفيذي لجمعية البيئة الأردنية أحمد الكوفحي فاعتبر أن مشروعاً استراتيجياً بهذه الخطورة والأهمية والكلفة المالية إنما يقتضي أن تتم دراسته مؤسسياً وبشفافية مع الجهة التشريعية ومؤسسات المجتمع المدني ذات العلاقة ووسائل الإعلام لمناقشة كل أبعاده. وحذر من تزايد الحوادث الأمنية وحالات التسرب من المفاعلات النووية حول العالم. وشدد على أن إنتاج الكهرباء من الطاقات المتجددة النظيقة، عن طريق تحويل الصحراء الأردنية إلى مزارع شمسية ورياح، حل أسلم بيئياً وأجدى اقتصادياً في المدى البعيد، ولا يخضع لشروط مثل تلك المفروضة على تخصيب اليورانيوم محليـاً.
من جهة أخرى، أوضح نائب رئيس هيئة الطاقة الذرية الدكتور كمال الأعرج أن أنظمة المفاعلات النووية التي ستستخدم في الأردن هي من جيل متقدم عن جيل مفاعل فوكوشيما الذي تعطل نظام التبريد فيه بسبب أمواج تسونامي. فهي من الجيل الثالث المتقدم (G3+) الذي يعتمد نظام الماء المضغوط، بينما كان مفاعل فوكوشيما من الجيل الثاني ويعتمد نظام الماء المغلي. ولفت الى أن أنظمة التبريد لن تعتمد على الكهرباء لتبريد المفاعل في حالات الطوارئ القصوى، وخاصة عند انقطاع التيار الكهربائي، بل على نظام التدفق الطبيعي. وستكون المفاعلات مهيأة للغلق تلقائياً في حال حدوث أي هزات أرضية أعلى من المستوى المحدد في التصميم. واستبعد تعرض الأردن لزلزال بقوة الزلزال الياباني نظراً لاختلاف المنطقة، مؤكداً عدم حدوث أمواج تسونامي في الأردن على الإطلاق.
لمصلحة من؟
تدرس شركة «تراكتابيل إنجنيرنغ» حالياً الموقع الثاني المقترح في المجدل، بعدما قررت هيئة الطاقة الذرية في نهاية 2011 صرف النظر عن الموقع الأول بالقرب من العقبة، لأن إنشاء المحطة النووية هناك يتطلب تكاليف عالية لغايات تهيئة الموقع والمعالجة الزلزالية وأنظمة تبريد المفاعل. ويتيح الموقع الثاني الاستفادة من مياه محطة خربة السمرا القريبة لغايات التبريد، كما أنه أقل حاجة إلى المياه نظراً لبرودة المنطقة، بالإضافة إلى ميزة قربه من شبكة الكهرباء الوطنية، الأمر الذي يقلل الكلفة وفاقد الكهرباء نتيجة النقل عبر خطوط التوتر العالي.
على رغم قرار مجلس النواب بالوقف الموقت لمشروع المفاعل، أعلن طوقان أنه لن يؤثر على عمليات التنقيب عن اليورانيوم وأن دراسة الجدوى الاقتصادية ستصدر في آب (أغسطس). لكن جمال جامو، رئيس لجنة الطاقة، قال لصحيفة «جوردان تايمز» إن القرار رسالة واضحة بأن الأردنيين غير مقتنعين بجدوى هذا المشروع الضخم أو بأهميته الاستراتيجية، «فهناك شكوك حول ما إذا كان هذا البرنامج لمصلحة الأردن أو لمصلحة حفنة أفراد أو شركات، لذا علينـا أن نتريث ونتأكد من الحقـائق قبل المضي قدماً.