صنعاء ـ ''البيئة والتنمية''
جزر سقطرى اليمنية تشبه عالم الخيال. ففيها أشجار دم الأخوين الغريبة التي تشتهر بعصارتها الطبية، ويتحدث سكانها لغة غامضة أقدم من العربية، وهي منذ القدم مصدر للبخور والمر. وحتى سنوات قليلة كانت هذه الجزر، التي تقع في بحر العرب قبالة القرن الافريقي، شبه معزولة عن العالم الحديث. فقبل بناء المطار عام 1999 لم يكن الوصول اليها ممكناً الا على بواخر شحن من أيار (مايو) الى أيلول (سبتمبر)، بعدها تشتد العواصف العاتية وتعزل الجزر كلياً.
تؤوي سقطرى أشجاراً أسطورية وأنواعاً من الطيور النادرة. وحياتها البحرية هجين من الأنواع الآتية من البحر الأحمر والمحيط الهندي وغرب المحيط الهادئ. في تسعينات القرن العشرين، أجرى فريق من البيولوجيين التابعين للأمم المتحدة مسحاً للحياة النباتية والحيوانية في الجزر، فأحصوا قرابة 700 نوع متوطن لا وجود لها في مكان آخر على الأرض. هذا التنوع الحيوي الفريد في سقطرى لا تضاهيها فيه الا جزر هاواي وغالاباغوس. وقد طلب اليمن من منظمة اليونسكو اعلان هذا الأرخبيل، بجباله الخضراء وشواطئه البيضاء، محمية تراث طبيعي عالمي. وينتظر أن تبتّ المنظمة في هذا الطلب خلال تموز (يوليو )الحالي.
تبعد جزيرة سقطرى نحو 400 كيلومتر عن ساحل اليمن، وهي الكبرى في الأرخبيل الذي يضم أربع جزر. تتخللها بقايا جبال صوانية ومنحدرات كلسية وسهول تغطيها حجارة رملية حمراء، ويحيط بها بحر فيروزي.
من المعالم المميزة في الجزيرة غابة أشجار ''دم الأخوين'' أو ''دم التنّين''. وهي لم تعد غابة بالمعنى الحقيقي، اذ لم تبق فيها الا أشجار متناثرة شهدت السنوات الأخيرة انخفاضاً مقلقاً في عددها. وما زالت هناك أشجار قديمة منها في الجزيرة، اذ انها قد تعمّر أكثر من 300 سنة، لكن الجيل الصغير غائب، باستثناء فسائل تنمو على المنحدرات الشاهقة التي يصعب الوصول اليها. وقد يكون هذا النوع الغريب متجهاً بسرعة نحو الانقراض.
العلماء غير متأكدين من الأسباب، لكن الرعي الجائر أحدها. فمشاريع التنمية جلبت مزيداً من الامدادات المائية الى مستوطنات البدو، فازداد عدد قطعان الماعز وأصبحت أكثر استقراراً. وقد يكون تغير المناخ عاملاً أكثر أهمية، اذ شهدت الجزيرة انخفاضاً في تشكل الغيوم والضباب، ما يؤثر على تفريخ بذور أشجار دم الأخوين.
بعد انتهاء عزلتها الطويلة، تواجه جزر سقطرى اليوم تحدياً حول كيفية المحافظة على كنوزها الطبيعية، مع الانفتاح على السياحة ومشاريع ترمي الى تحسين حياة 50 ألف نسمة ما زال كثير منهم يعيشون على التمر وصيد السمك ورعي الماعز في مناخ شديد القسوة.
في الماضي لم يعرف سكان هذه الجزر أي شيء سوى ما لديهم، وكانوا يعتقدون أن العالم كله مثل عالمهم. ويدرك دعاة حماية البيئة الذين يحاولون المحافظة على سقطرى أنه لا يمكن تجاهل المصالح المادية لسكان الجزيرة. لكنهم يستنكرون قرارات الحكومة التي أعطت سقطرى أطول مدرج طائرات في اليمن، وطرقاً عريضة ومدارس ومستشفيات بنيت من دون تفكير في كيفية تزويدها بالعاملين أو تجهيزها وصيانتها. ولا يعرف كثير من السياح الطريق الى سقطرى، التي تتواجد فيها بيوت ضيافة أساسية ومواقع مخيمات، ويتوقع أن يزورها 3000 سائح هذه السنة.
|