تنشر ''البيئة والتنمية'' في ما يأتي النتائج الرئيسية التي توصل اليها الخبراء في تقرير ''البيئة العربية: تحديات المستقبل'' الذي أصدره المنتدى العربي للبيـئة والتنمية. ومن موضوعاته: الهواء والمياه والتصحر، الشواطئ المهددة بالغرق، المبيدات والأمن الغذائي، التكنولوجيا الحيوية والصحة، آثار الحروب على بيئة العرب، تمويل البرامج البيئية، التربية والاعلام والتوعية، التشريعات البيئية
في بداية القرن الحادي والعشرين، من الواضح أن القضية الأهم التي يواجهها العالم اليوم هي قضية البيئة. وقد برزت المشاكل البيئية بوضوح في التحذيرات العلمية ومخاوف الجمهور واهتمام وسائل الاعلام، كما بدأت تأخذ طريقها إلى البرامج السياسية. والعالم العربي ليس معزولاً عن بقية العالم في ما يتعلق بهذا الموضوع. تقرير ''البيئة العربية: تحديات المستقبل'' يهدف الى تسليط الضوء بشكل شامل على أهم القضايا البيئية التي يواجهها العالم العربي، ويحاول تقديم مقترحات للتعامل معها الى صانعي القرار والمواطنين والمؤسسات العلمية والأكاديمية ووسائل الاعلام، لتخفيفالأخطار التي يخلقها التدهور البيئي.
شهد العالم العربي تغيرات هائلة في القرن الماضي. فقد ارتفع عدد سكانه من نحو 50 مليون نسمة منذ قرن الى أكثر من 325 مليوناً حالياً. وخلال هذه الفترة بالذات، تدهورت البيئة وتضاءلت الموارد الطبيعية، نتيجة أنماط تنموية لم تكن مستدامة الى حد بعيد. وفي معظم الحالات، كانت السياسات في غالبيتها الساحقة مجموعات من الاجراءات الموقتة القصيرة الأجل، القصد منها معالجة تحديات آنية دون الانخراط في عمليات تخطيط طويلة الأجل في الوقت ذاته.
وقد شهدت بعض أجزاء المنطقة نمواً لم يسبق له مثيل، ما جلب الازدهار الاقتصادي والاجتماعي الى ملايين العرب خلال العقود الأخيرة. ويعود ذلك الى حد بعيد لارتفاع الدخل من النفط. لكن هل تترتب على هذه التنمية الاقتصادية كلفة في مجالات أخرى؟ هل يمكن أن تستمر أنماط التنمية التي يشهدها عدد من البلدان العربية، مع الحفاظ على سبل العيش وجودة الحياة للأجيال المقبلة؟ نشكّ في ذلك.
اليوم، تمثل حالة البيئة العربية نقطة محورية، إذ إن مشاكل بيئية جمة، قائمة ووشيكة الوقوع، تهدد المنطقة. وفي الوقت ذاته، فإن ازدياد إدراك التحديات البيئية، فضلاً عن اشارات تدل على رغبة سياسية واجتماعية في العمل للمواجهة، تعطي أملاً بالتدخل قبل فوات الأوان لدرء المخاطر.
هذا التقرير الأول من نوعه، الذي تم إعداده من قبل خبراء مستقلين من أنحاء المنطقة العربية، يوفر نظرة شاملة على حالة البيئة في العالم العربي، مسلطاً الضوء على التحديات البيئية، والأنماط الاجتماعية والسياسية والديموغرافية، والتقدم في التعاون الاقليمي وتحت الاقليمي، وبعض التوصيات للعمل في المستقبل.
المحيط الاقليمي
المنطقة العربية، التي تمتد من المغرب وموريتانيا غرباً، عبر شمال أفريقيا والمشرق، الى الخليج العربي شرقاً، هي منطقة تواجه ظروفاً وتحديات بيئية مميزة. وعلى رغم أن المنطقة تزخر بموارد طبيعية فريدة ووافرة، هناك وعي غير كاف بأهمية البيئة في تعزيز النمو الاقتصادي ورفاه الانسان والحفاظ عليهما. ولا يتم دمج الاعتبارات البيئية بشكل كاف في الخطط والسياسات التنموية الوطنية، الأمر الذي يؤدي إلى استخدام غير رشيد للموارد الطبيعية في عمليات التنمية.
إن تغير المناخ، وارتفاع معدلات النمو السكاني، فضلاً عن النمو الاقتصادي والحضري السريعين في بعض البلدان، كلها عوامل تُضاعف تعرّض المنطقة للتحديات البيئية وتقيد قدرتها على إدارتها. ومن التحديات البيئية الرئيسية التي تواجهها المنطقة شحّ المياه،وتدهور الأراضي والتصحر، والقدرات غير الوافية لادارة النفايات، وتدهور البيئة الساحلية والبحرية، وتلوث الهواء وانعكاسات الاحترار العالمي.
تكاليف التدهور البيئي
التكاليف الاقتصادية للتدهور البيئي في المنطقة العربية غالباً ما تكون غير مرئية أو يتم تجاهلها الى حد بعيد، لكنها حقيقية وجوهرية ومتنامية. ويتم استخدام الموارد الطبيعية بطريقة غير مستدامة، مما يقوض التنمية الاقتصادية وجهود تخفيف حدة الفقر. ويقدّر البنك الدولي أن الكلفة السنوية للتدهور البيئي تتراوح بين أربعة وتسعة في المئة من الناتج المحلي الاجمالي في بعض البلدان العربية، بمعدّل عام يصل الى خمسة في المئة. وعلى سبيل المقارنة، فإن المعدل في أوروبا الشرقية يبلغ خمسة في المئة، فيما يتراوح بين اثنين وثلاثة في المئة في بلدان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD).
في الوقت ذاته، فشلت حكومات المنطقة في مواجهة هذه التكاليف البيئية المتصاعدة بسياسات واضحة وفعالة. والأموال التي تخصصها الموازنات للأغراض البيئية لا تقارب الواحد في المئة من الناتج الاجمالي المحلي في أي من بلدان المنطقة. يضاف الى ذلك أن المؤسسات البيئية القائمة لم تُمنح أي دعم حقيقي أو مهمات تشريعية قوية، مما يحدّ من قدرتها على أن تكون فعالة.
الاصلاح المؤسّسي
يتضح من التقرير أنه يجب التسليم عاجلاً بأن القضايا البيئية تستحق أولوية سياسية واقتصادية، بالتساوي مع القضايا الماكرو ـ اقتصادية الرئيسية الأخرى. وتحديداً، يجب أن تدخل قضية الاستدامة البيئية في جميع جوانب التنمية والسياسات الماكرو ـ اقتصادية، وهذا أمر لم يتحقق بعد. ويتبع هذا تقوية القدرات على اتخاذ التدابير العملية. ويمكن تحقيق هذا من خلال مقاربة ذات شقين: أولاً، استحداث تشريع شامل ومتكامل وواضح وفعال. وثانياً، ضمان أن تُمنح المؤسسات البيئية الموارد والصلاحيات السياسية لتحقيق التقدم الضروري.
الى جانب تقوية المؤسسات الرسمية والتشريع، ينبغي على حكومات المنطقة دعم جهود البحث العلمي والتطوير. ويجب على القطاع الخاص أن يتخذ أيضاً مزيداً من المبادرات لدمج الاعتبارات البيئية في عمليات التخطيط، منتقلاً من حصر المسألة في المساعدات الخيرية، الى مفهوم المسؤولية الاجتماعية والادراك الحسي للمسؤولية البيئية. ولن يجدي أي من هذه نفعاً من دون دعم الجماهير العربية، الذي لا يمكن تحقيقه في غياب جهد حقيقي من جانب وسائل الاعلام والمجتمع المدني، خصوصاً المنظمات غير الحكومية، لرفع الوعي البيئي.
المياه
هل من المقبول أن تُستنزف المياه الجوفية حتى آخر قطرة؟ وهل من المعقول أن يكون مستوى استهلاك المياه للفرد الواحد في بلدان الخليج العربي، الأكثر شحاً بالمياه، من بين الأعلى في العالم؟ إن النتيجة المؤسفة لهذه السياسات غير المستدامة هي أن هذه البلدان فقدت العناصر الأساسية للأمن المائي.
المنطقة العربية هي من المناطق الأكثر شحاً بالمياه في العالم. فقد بلغ معدل المياه المتوافرة سنوياً للفرد الواحد في البلدان العربية 977 متراً مكعباً عام 2001، هابطاً الى أدنى من تعريف الأمم المتحدة للفقر المائي. والتوقعات غير مشجعة: فبحلول سنة 2023، يتوقع أن ينخفض الرقم الى 460 متراً مكعباً. والواقع انه باستثناء مصر والسودان والعراق ولبنان وسورية، يتوقع أن تعاني جميع البلدان العربية ضغطاً حاداً على المياه بحلول سنة 2025. ومن المحتمل أن يؤدي الاحترار العالمي المتوقع وما يستتبعه من تغير مناخي الى زيادة الضغط على الامدادات المائية المتضائلة أصلاً.
تشكل قضايا السياسات مشكلة رئيسية عندما يتعلق هذا الأمر بالمياه. فإن ما يزيد على 80 في المئة من معظم الامدادات المائية المتوافرة في المنطقة العربية يُستعمل في الري. الى ذلك، فإن مستويات الكفاءة في استخدام المياه منخفضة نسبياً في المنطقة، إذ تتراوح عادة بين 37 و53 في المئة. وينبغي تصحيح خسارة المياه والتكنولوجيات غير الكفوءة. ومع تضاؤل الامدادات المائية للفرد الواحد، يترتب على الحكومات أن تتبنى خططاً استراتيجية من شأنها زيادة كفاءة استخدام المياه والارتقاء الى درجة مثلى بتوزيع هذا المورد النادر على الميادين الزراعية والصناعية والمنزلية بما يؤمن الحاجات الانسانية والتنموية ويحقق الاستدامة. وكما يرى التقرير، تحتاج السياسات المائية في المنطقة العربية الى إدارة رشيدة لجانب العرض وجانب الطلب، مع تكريس مزيد من الموارد لتطوير تكنولوجيات تحلية المياه المالحة المحلية.
من الأمثلة المعبرة خصيصاً عن الصراع القائم بين التنمية الاقتصادية السريعة والموارد المائية النادرة، الازدهار الذي حدث مؤخراً في إنشاء ملاعب الغولف في أجزاء معينة من المنطقة. والواقع ان معظم ملاعب الغولف القائمة والمخططة هي في مصر ومنطقة الخليج، خصوصاً في الامارات العربية المتحدة، حيث الموارد المائية منخفضة فعلاً، حتى بالمقاييس الاقليمية. وتوسيع المشاريع المسرفة باستهلاك المياه، مثل ملاعب الغولف العشبية، لا يمكن أن يستمر من دون رقابة، خصوصاً مع ضآلة الاستثمارات المخصصة لتطوير تكنولوجيات لتحلية المياه المالحة بطريقة مستدامة. فهناك خطط لزيادة ملاعب الغولف الستة عشر القائمة في بلدان مجلس التعاون الخليجي الى 40 ملعباً في المستقبل القريب. وفي معظم الحالات، تُسقى ملاعب الغولف في المنطقة بمياه البحر المحلاّة أو بمياه الصرف الصحي المعالجة أو بمزيج منهما معاً. وقد قدّر تقرير أصدرته مؤسسة KPMG للاستشارات الدولية عام 2007 استعمال المياه في كل ملعب غولف في المنطقة بما معدله 1,16 مليون متر مكعب سنوياً، يصل الى 1,3 مليون متر مكعب في دبي، وهذا يكفي لتغطية استهلاك 15,000 مواطن من الماء.
إن استعمال هذه الكمية من المياه في مشاريع ترفيهية في صحراء قاحلة يثير شكوكاً قوية حول امكان استدامتها وكيف يمكن أن يشكل ذلك تعدياً على الاحتياجات المائية للمجتمع المحلي وللأجيال المقبلة. هذه ليست على الاطلاق دعوة لاعاقة مشاريع التنمية، وإنما لتخصيص مزيد من الموارد من أجل إيجاد طرق مبتكرة صديقة للبيئة لتحلية المياه المالحة وتقنيات موثوقة للزراعة الملحية، بما يتناسب مع البيئة الصحراوية القاحلة.
تغير المناخ
من بين القضايا البيئية العالمية، حازت قضية تغيّر المناخ على معظم الانتباه تقريباً في جميع الميادين، السياسية والاعلامية والعلمية فضلاً عن المجتمع المدني. وبالرغم من أن المنطقة العربية لا تساهم بأكثر من 5 في المئة من انبعاثات الغازات المؤدية الى تغير المناخ العالمي، فإن تأثيراته على المنطقة ستكون قاسية جداً. والواقع أن المنطقة معرضة بشكل خاص بسبب ما تشهده من شح في الموارد المائية وارتفاع مستويات الجفاف والامتداد الطويل للخط الساحلي الذي يهدده ارتفاع مستويات البحر. والنظم الطبيعية والفيزيائية في العالم العربي تواجه بالفعل ضغوطاً كبيرة، وهذه سوف تشتد مع ارتفاع درجات الحرارة في المنطقة وانخفاض معدلات المطر.
وبحسب دراسات حديثة أجريت وفق نماذج مناخية، فإن العالم، ومن ضمنه المنطقة العربية، سيواجه زيادة في معدل درجات الحرارة السطحية تراوح بين درجتين مئويتين و5,5 درجات، بمتوسط ثلاث درجات مئوية مع نهاية القرن الحادي والعشرين. وبالاضافة الى ذلك، سوف يواكب هذه الزيادة في درجة الحرارة انخفاض متوقع في الأمطار يصل الى 20 في المئة. ومن النتائج التي سيعاني منها العالم، ومنه المنطقة العربية، فصول شتاء أقصر، وفصول صيف أكثر جفافاً وسخونة، وارتفاع معدل موجات الحر، وازدياد التقلبات المناخية، وحصول أحداث مناخية متطرفة أكثر تكراراً. وبوضوح شديد، يجب إجراء بحوث حول استراتيجيات التكيف والتخفيف ومناقشتها وتنفيذها.
ارتفاع مستوى البحر (SLR) نتيجةَ ارتفاع درجات الحرارة يُحتَمل أن يتسبب بخسارة أجزاء جوهرية من الأراضي الزراعية في المنطقة العربية. وكمثال، فان ارتفاع مستوى البحر متراً واحداً فقط يحتمل أن يتسبب بخسارة 12 الى 15 في المئة من الأراضي الزراعية في منطقة دلتا النيل، ويمكن ان يخفض مساحة الأراضي في قطر بنسبة 2,6 في المئة. وبالاضافة الى القطاع الزراعي، فإن القطاعين الصناعي والسياحي والمناطق الحضرية والناتج المحلي الاجمالي في عدد من البلدان العربية، كلّها مهددة بأن تتأثر سلباً بارتفاع مستوى البحر.
ارتفاع درجات الحرارة سوف يزيد أيضاً حدوث موجات جفاف وتأثيرها في المنطقة، ما يهدد الموارد المائية والأراضي المنتجة. وكما يظهر في تقرير ''البيئة العربية: تحديات المستقبل''، فإن تكرار موجات الجفاف ازداد فعلاً في الجزائر والمغرب وتونس وسورية. وكانت موجات الجفاف التي حدثت أخيراً في الأردن وسورية أسوأ ما تم تسجيله منذ عقود كثيرة. إضافةً الى ذلك، فإن ازدياد تغير الأمطار والموارد المائية اللذين لهما علاقة مباشرة بتغير المناخ يؤثران على عدد من البلدان في المنطقة. ووجود مناخ أدفأ يؤدي الى ازدياد المتغيرات المناخية، وإلى ارتفاع خطر حدوث فيضانات وموجات جفاف، ويفاقم الوضع المحفوف بالمخاطر نتيجة الشح المائي المزمن الذي تواجهه غالبية البلدان العربية.
يبيّن التقرير وجود نقص منذر بالخطر في القدرات العلمية والتكنولوجية، فضلاً عن الارادة السياسية للتصدي للمشاكل التي يسببها تغير المناخ في المنطقة العربية ومواجهتها. ولا توجد مرافق علمية كافية لدراسة هذه الظاهرة، كما لا تخصص أموال كافية للأبحاث. والدراسات التي تجرى ما زالت تترك فجوات يجب ردمها. إن استراتيجيات تخفيف آثار تغير المناخ والتكيف معه يجب دمجها في استراتيجيات التنمية، كما يجب التصدي سريعاً لقضايا التخطيط والقدرة العلمية وإشراك الجهات المعنية والوعي الجماهيري.
نوعية الهواء
مع استمرار تدهور نوعية الهواء في المدن العربية بشكل مطرد، ترتفع تكاليف العواقب الصحية والبيئية على نحو كبير. والمشاكل الصحية التي تعزى الى تلوث الهواء الناتج من قطاع النقل وحده تكلف البلدان العربية أكثر من خمسة مليارات دولار سنوياً.
تعتمد البلدان في المنطقة العربية الى حد بعيد على النقل البري الشخصي، وهذه حقيقة أثبتتها المعدلات العالية لامتلاك السيارات. وعلى سبيل المثال، فإن عدد السيارات لكل 1000 مواطن هو 434 في لبنان و378 في قطر و357 في الكويت و336 في السعودية و322 في البحرين. وقطاع النقل مسؤول عن نحو 90 في المئة من مجمل انبعاثات أكاسيد الكربون في البلدان العربية.
وبالرغم من مبادرات كثيرة مرحب بها لحظر الرصاص، فهو يبقى مادة إضافية في البنزين في بعض البلدان العربية، وما زال يشكل أكثر من نصف مجمل الانبعاثات الرصاصية في الغلاف الجوي. وقد اعتَمدت بعض البلدان الوقود غير المحتوي على الرصاص، من دون أن تفرض استعمال المواد الاضافية اللازمة من أجل التشغيل الكفوء لقافلة السيارات ذات المحركات القديمة، التي تشكل غالبية السيارات في معظم البلدان. فالاحتراق غير الكفوء أدى بالنتيجة الى زيادة منذرة بالخطر في مستويات الأوزون الأرضي، وهو غاز له تأثيرات مدمرة على الصحة.
وارتفعت انبعاثات أكاسيد الكربون للفرد الواحد بشكل مطرد في معظم بلدان المنطقة في العقود الثلاثة الأخيرة. وعلى المستوى الاقليمي، تنفث البلدان الخليجية نحو 50 في المئة من مجمل انبعاثات البلدان العربية جميعاً. يضاف إلى هذا أن البلدان في هذه المنطقة هي الوحيدة في العالم العربي التي تتجاوز انبعاثاتها من ثاني أوكسيد الكربون المعدل العالمي. ولاعطاء بعض الأمثلة، ففي عام 2003 كانت الانبعاثات في الامارات وقطر والبحرين والكويت أعلى من المعدل العالمي بـ 13 و9 و8 و7 مرات على التوالي. ولدى بلدان مثل ليبيا وعُمان والسعودية انبعاثات للفرد الواحد أعلى من المعدل العالمي، في حين أن بقية البلدان العربية مساوية لها أو أقل منها.
وهناك مشكلة رئيسية في المنطقة العربية، هي أن بلداناً قليلة فقط تراقب مستويات تلوث الهواء بشكل كاف ومنهجي ومتناسق، ما يجعل الأبحاث العلمية والقرارات السياسية صعبة. وقد سجلت نتائج المراقبة في مصر مستويات انبعاثات في مناطق حضرية ومجمعات صناعية ساحلية بلغت أحياناً مستويات تلوث أعلى من الحدود التي نصت عليها القوانين البيئية المصرية، بما يتراوح بين ستة وثمانية أضعاف. وتم جمع نتائج مماثلة في لبنان وسورية.
الحاجة ملحّة إلى مزيد من الاجراءات. ففي قطاع النقل، يجب جعل المحركات أكثر كفاءة، ويجب تشجيع استعمال السيارات الهجينة (هايبريد) وأنواع الوقود الأنظف، وتطوير النقل العمومي وترويجه، فضلاً عن تخطيط حضري أكثر توازناً، يؤدي إلى خفض استعمال السيارات للانتقال بين أماكن السكن ومراكز العمل والمواقع التجارية والترفيهية، وذلك بالموازنة بين مواقع السكن والعمل والتسوق والترفيه وربطها بشبكات النقل العام.
إلى جانب وسائل النقل، فإن محطات توليد الكهرباء والمصانع والحرق المكشوف للقمامة هي مصدر معظم الانبعاثات الضارة التي تُنفث في الهواء. والأمر يحتاج إلى الكثير في مجالات البحث والتطوير لتطبيق مبدأ الانتاج الأنظف واعتماد أفضل نظم توليد الطاقة وأكثرها كفاءة. ومن الضروري وضع حظر كامل لحرق النفايات في الأماكن المكشوفة.
إن توليد الطاقة واستهلاكها في المنطقة العربية ينحو الى أن يكون غير كفوء في معظم البلدان. يوصي التقرير بإلغاء أشكال دعم المحروقات التي تشجع على التبذير، وتحسين الكفاءة الحرارية من خلال التطور التكنولوجي، واستخدام موارد الطاقة المائية إلى أقصى الحدود، واستعمال مصادر الطاقة المتجددة، خصوصاً الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، على نطاق واسع، واستخدام أنواع الوقود الأقل تلويثاً، مثل الغاز الطبيعي، بشكل متزايد.
البيئة البحرية والساحلية
البلدان العربية التي تمتد من المحيط الأطلسي الى المحيط الهندي، وتشمل البحر المتوسط والبحر الأحمر والخليج، لها خط ساحلي يزيد طوله على 30,000 كيلومتر، منها 18,000 كيلومتر مناطق آهلة بالسكان. والبيئة البحرية والساحلية في المنطقة العربية يهددها التلوث والافراط في صيد السمك وخسارة التنوع البيولوجي وتغير المناخ ومشاكل أخرى. لكن لهذه المناطق أهمية حيوية للبلدان العربية، إذ توفر منافع للصحة العامة والأمن الغذائي والراحة، ومنافع اقتصادية واجتماعية أخرى.
ويمكن تحديد ثلاث مناطق بحرية رئيسية في العالم العربي: البحر المتوسط والبحر الأحمر وخليج عدن والمناطق التابعة للمنظمة الاقليمية لحماية البيئة البحرية ـ روبمي (الخليج). ويصنف برنامج البحار الاقليمية لدى برنامج الأمم المتحدة للبيئة، (يونيب)، هذه المناطق الثلاث بأنها تلك التابعة لخطة عمل البحر المتوسط والهيئة الاقليمية للمحافظة على بيئة البحر الأحمر وخليج عدن والمنطقة البحرية التابعة لروبمي، وهي تشمل معاً عشرين من أصل اثنين وعشرين بلداً عضواً في جامعة الدول العربية.
ويقع البحر المتوسط شبه المقفل قبالة سواحل البلدان العربية في شمال أفريقيا وشرق البحر المتوسط. وبيئته الهشة يهددها النشاط الصناعي تهديداً واسع النطاق، إذ يقع على شواطئه أكثر من 200 منشأة بتروكيميائية وطاقوية، وصناعات كيميائية، ومعامل كلورين. ونشير إلى أن ''الأتْرفة" (eutrophication)، أي عملية زيادة تخصيب المياه بالمغذيات مما يتسبب في كثافة نمو النباتات والطحالب بصفة أساسية، يترتب عليها انخفاض مستوى الأوكسيجين في المياه، وهي مشكلة مزمنة في مناطق معينة من البحر المتوسط، حيث تتسرب المخلفات الزراعية، وخصوصاً الأسمدة الكيميائية وانسكابات مياه الصرف الصناعية والحضرية غير المعالجة، إلى البيئة البحرية. الى ذلك، توجد حركة ناقلات مكثفة في المتوسط، مثل باقي بحار المنطقة، تَصِل مراكز استهلاك النفط الرئيسية بمراكز الانتاج في الشرق الأوسط. وأهم ممر لنقل النفط هو قناة السويس، التي تعبرها 90 في المئة من مجموع ناقلات النفط.
منطقة البحر الأحمر وخليج عدن، وهي من البيئات الساحلية والبحرية الفريدة في العالم، تهددها تشكيلة من النشاطات البشرية، مثل عمليات التجريف والردم، والتخلص من مياه الصرف المنزلية والصناعية، وتَوسع الصناعة السياحية. وغالبية هذه التهديدات حديثة المنشأ نسبياً، ولذلك يمكن أن تعزى جزئياً على الأقل الى التنمية غير المستدامة.
وتعتبر المنطقة البحرية التابعة لروبمي منطقة تلوث تنطوي على أخطار كبيرة. وسبب ذلك، بنوع خاص، العدد الكبير لمنشآت النفط والغاز البحرية وموانئ تحميل الناقلات وارتفاع حجم حركة النقل البحري للنفط وكثافته. ويقدر ان نحو مليوني برميل من النفط تراق نتيجة التصريف الروتيني لمياه حفظ توازن الناقلات والوحول الزيتية المترسبة في خزاناتها ومن 800 منصة لاستخراج النفط والغاز.
الافراط في صيد الأسماك، أي الاستغلال غير الرشيد للمخزونات السمكية، هو مشكلة كبرى في منطقتي البحر المتوسط والبحر الأحمر وخليج عدن. والمشاكل الرئيسية هي، في المقام الأول، انعدام المعلومات حول المخزونات عبر الحدود، والتنسيق غير الكافي في ادارة المخزونات المشتركة، وانعدام الرقابة وتطبيق أنظمة الصيد القائمة. فضلاً عن هذا، فإن الشعاب المرجانية في المنطقة البحرية التابعة لروبمي ومنطقة البحر الأحمر وخليج عدن، التي يحدث في جوارها كثير من أعمال الصيد، يهددها تنوع من الضغوط البيئية، وخصوصاً الاحترار العالمي.
السياحة غير المنضبطة والتنمية الحضرية المكثفة هما المساهمان الرئيسيان في تدهور البيئتين الساحلية والبحرية. وتنطبق هذه النتيجة على المناطق الثلاث جميعاً. وتتعرض عدة مناطق محمية بحرية قائمة أو مقترحة، خصوصاً في منطقة البحر الأحمر وخليج عدن، لضغط شديد نتيجة الافراط في صيد الأسماك والسياحة.
أخيراً، لا توجد مناطق محمية بحرية كافية، وتلك الموجودة لا تدار على نحو واف وكفوء. وتبقى قدرات المؤسسات الكفوءة غير كافية، والقوانين والأنظمة القائمة لا تنفذ بشكل واف، والامتثال لا يراقب حسب الأصول، والتعاون الاقليمي وعبر الحدود يبقى غير كاف. ومن المستبعد أن يكون وضع البيئة البحرية في المنطقة العربية أفضل حالياً بالمقارنة مع ما كان عليه قبل ثلاثة عقود، حين بدأ العرب الانضمام الى المعاهدات والبرامج الدولية والاقليمية المتعلقة بالبحار.
القحل والجفاف والتصحر
من الهموم الضاغطة بنوع خاص على جزء كبير من العالم العربي ارتفاع درجة القحل وما يرافقها من ازدياد تعرض الأراضي لتغير المناخ، فضلاً عن ندرة المياه وتغيرها. وتواجه الموارد الأرضية بنوع خاص في المنطقة العربية ثلاثة تحديات رئيسية: القحل وموجات الجفاف المتكررة والتصحر.
أهمية هذه القضية بالغة. فعندما تتعرض القدرات الانتاجية للأراضي الزراعية العربية للخطر نتيجة تدهورها، تتقوض أسس الأمن الغذائي. ومع ازدياد عدد السكان وتَسبب النمو الاقتصادي بارتفاع في معدلات الاستهلاك للفرد الواحد، تزداد الفجوة بين انتاج الطعام واستهلاكه، ويزيد الاعتماد على استيراد الطعام.
إن قضية القحل ذات علاقة وثيقة بقضية شح الموارد المائية. والواقع أن جميع الأراضي المنتجة زراعياً في البلدان العربية هي أنظمة هشة ميالة للتدهور ومعرّضة للتصحر الى حد بعيد. ويبيّن تقرير ''البيئة العربية: تحديات المستقبل'' أن التصحر يمثل التهديد الأكثر الحاحاً للأراضي المنتجة في المنطقة العربية برمّتها. ومن المهم للغاية الادراك أن التصحر هو أساساً ظاهرة من صنع الانسان يفاقمها تغير المناخ، والمطلوب اتخاذ اجراءات فعالة في كل بلد عربي لتخفيض دور الانسان في توسّع التصحر.
وبالنسبة الى التعاون في المجالات الدولية، يوجد عدد من الأمثلة. فقد أعد السودان خطة عمل وطنية لمكافحة التصحر عام 1976، وكذلك فعلت تونس ومصر بعد وقت قصير. لكن البلدان العربية الأخرى تخلفت عن الاستجابة حتى الآن، إذ أُسندت درجة غير كافية من الأولوية لاعداد الخطط والبرامج الخاصة بمكافحة التصحر وتنفيذها.
المطلوب في المنطقة العربية مقاربة متكاملة تدرك إلحاح معالجة أخطار تدهور الأراضي. ويجب أن تتضمن هذه المقاربة جهوداً علمية وصناعية واجتماعية وتشريعية. وتوجد مؤسسات مثل المركز العربي لدراسات المناطق الجافة والأراضي القاحلة (أكساد) في دمشق، والمركز الدولي للبحوث الزراعية في المناطق الجافة (ايكاردا) في حلب، كما توجد وحدات أبحاث جامعية ومراكز أبحاث وطنية مختصة بالتصحر. لكن يجب حشد المزيد من الموارد لدعم البحث العلمي الذي يُعنى باستنباط الحلول التي تجد طريقها الى التنفيذ. ومن الأمثلة الواعدة مبادرات في السعودية وقطر والامارات ومصر لتأسيس صناديق لدعم الأبحاث، يؤمل أن تشتمل على برامج لتنمية الأراضي والموارد المائية وإدارتها بطريقة مستدامة.
التكنولوجيا الحيوية والأسمدة والمبيدات
تلعب الأسمدة والتكنولوجيا الحيوية دوراً هاماً في القطاع الزراعي في المنطقة العربية. وباستثناء منتجات قليلة خاصة بالرعاية الصحية، فإن أياً من البلدان العربية لا ينتج حالياً منتجات لها علاقة بالتكنولوجيا الحيوية. لكن هناك ثلاثة عشر بلداً عربياً هي أطراف في بروتوكول قرطاجنة للسلامة الأحيائية الذي ينظم استيراد وتصدير الكائنات المعدلة وراثياً (GMOs).لذلك يقتصر الموضوع على استيراد الدول العربية للسلع المتعلقة بالتكنولوجيا الحيوية. كما يجب النظر إلى دور المنطقة العربية في المفاوضات الدولية حول الموضوع من هذا المنطلق. والمشكلة الرئيسية في المنطقة العربية حالياً هي تنفيذ البروتوكول بشكل غير واف، مما يؤدي الى حالات نجد فيها بعض السلع القائمة على منتجات معدلة وراثياً (مثل الذرة والرز الطويل وفول الصويا وزيت الطهو)، تُستورد وتتوافر في الأسواق العربية من دون الاعلان عنها أو وضع ملصقات عليها تبين محتوياتها. والنقطة الأساسية في المشكلة هي انعدام الآليات التنظيمية والتطبيقية والبنى التشريعية والادارية والخبرة التقنية. لذلك يجب توجيه المزيد من الموارد الى مجالات تطوير التكنولوجيا الحيوية، لتتمكّن البلدان العربية من اتخاذ قرارات معززة بالمعلومات حول المنتجات التي تستوردها، فضلاً عن تطوير التكنولوجيات الخاصة بها في مجالات مثل الزراعة والطب والمواد الكيميائية.
المبيدات والأسمدة تُستعمل على نطاق واسع في المنطقة العربية، ويُساء استعمالها في كثير من الحالات. وقد تضاعف استعمال أسمدة NPK في البلدان العربية أربع مرات بين عامي 1970 و2002، حيث أن الامارات ومصر (أكثر من 900 كيلوغرام من الأسمدة لكل هكتار) وعُمان (644 كيلوغراماً) ولبنان (414 كيلوغراماً) تستعمل بعض أعلى كميات الأسمدة لكل هكتار في العالم. ويثير الاستعمال المكثف للمبيدات والأسمدة مخاوف حول سلامة الغذاء كقضية صحية عمومية. وما هو مفقود في معظم البلدان العربية فرض أنظمة وضوابط على بيع المبيدات وتداولها واستعمالها. الى ذلك، لا تتوافر مختبرات موثوقة لتحليل مخلفات المبيدات في معظم البلدان العربية. لذلك فإن الالتزامات التشريعية والمؤسساتية ضرورية في هذا الصدد. ويجب معالجة هذه القضايا على المستوى الاقليمي. فلدى كثير من بلدان المنطقة الموارد والقدرات اللازمة لأداء أفضل، والمفقود هو وعي واضح للموضوع.
ومع اتجاه عدة أجزاء من العالم الى الزراعة العضوية، فمن المتوقع أن يتضاءل الطلب على الأسمدة الكيميائية. وهذا سوف يشكل تحدياً جدياً لمنتجي الأسمدة الكبار في الصناعات البتروكيميائية العربية، الذين يجب أن يكونوا على استعداد للتنويع في منتجات جديدة بديلة.
إدارة النفايات
ينتج العالم العربي نحو 250,000 طن من النفايات الصلبة كل يوم، ينتهي معظمها، من دون معالجة، في مكبات عشوائية. ويعالج أقل من 20 في المئة حسب الأصول أو يتم التخلص منه في المطامر، فيما يعاد تدوير ما لا يزيد على 5 في المئة. وإنتاج الفرد الواحد من النفايات الصلبة البلدية في بعض البلدان العربية، مثل الكويت والرياض وأبوظبي، هو أكثر من 1,5 كيلوغرام في اليوم، ما يجعله من أعلى المستويات في العالم. يضاف الى ذلك أن أجزاء المنطقة العربية التي تشهد نمواً اقتصادياً وحضرياً سريعاً تنتج أيضاً الكثير من مخلفات الهدم والبناء. لذلك، فإن أحد المضاعفات الثانوية للنمو الاقتصادي المتزايد والازدهار هو تزايد مستويات إنتاج الفرد الواحد من النفايات.
يحدد التقرير عدداً من جوانب الضعف في إدارة النفايات في المنطقة العربية. ففي بعض البلدان، لا يتم جمع نسبة كبيرة من النفايات المنتجة. في مصر، على سبيل المثال، يقدَّر أن 35 في المئة من النفايات الصلبة البلدية لا تجمع بشكل منتظم. وهناك مسألة أخرى هي تداول النفايات الخطرة الناشئة من نشاطات زراعية وصناعية وطبية وحضرية، وجمعها ومعالجتها بطرائق غير سليمة. لكن من هذه الناحية، يعترف تقرير ''البيئة العربية: تحديات المستقبل'' بعدد من المبادرات الواعدة التي يجري اتخاذها في المنطقة العربية، مثل المبادرات التشريعية في مجلس التعاون الخليجي ومصر وعُمان، فضلاً عن استثمارات في مرافق تستطيع فرز النفايات الخطرة والتعامل معها، وازدياد استثمار القطاع الخاص في صناعات إعادة التدوير، خصوصاً في السعودية والامارات.
أخيراً، يقترح التقرير أن تنكب بلدان المنطقة العربية على مشاريع تؤدي الى استحداث نظام متكامل لادارة النفايات، قادر على تداول كميات النفايات المرتفعة التي يتم إنتاجها والتخلص منها بأمان، بدءاً بتقليل النفايات وإعادة استعمالها، وصولاً الى نسبة عالية من إعادة التدوير. وبالنسبة الى الصناعات، يجب تطبيق تكنولوجيات الانتاج الأنظف لتخفيض النفايات المتولدة، بدلاً من حصر الجهود في معالجة النفايات ''عند طرف الأنبوب''، أي بعد انتاجها. واعتماد التكنولوجيات الحديثة لا يعني بالضرورة مصاريف إضافية، إذ إنها تنطوي على نسبة عالية جداً من العائد على الاستثمارات، إضافة الى تلبية المسؤوليات الاجتماعية والبيئية للصناعة وقطاع الأعمال عموماً.
النمو الحضري
النمو الحضري ظاهرة يمكن مشاهدتها في أنحاء المنطقة العربية، وتزيدها استفحالاً عوامل مثل ارتفاع نسب الخصوبة والهجرة من الريف الى المدينة واستقدام العمالة الأجنبية وتركز النشاط الاقتصادي في المناطق الحضرية. وفيما تقدر نسبة السكان العرب في المدن حالياً بنحو 56 في المئة، يتوقع أن يرتفع هذا الرقم الى 66 في المئة بحلول سنة 2020. ومستويات النمو الحضري عالية على وجه الخصوص في الكويت (97%) والبحرين وقطر (92%). وإضافة الى سرعة مستويات النمو السكاني، تكافح بلدان المنطقة العربية لادخال التحسينات الضرورية في قدرة البنى التحتية في المراكز الحضرية النامية. ومن التحديات الرئيسية ادارة النفايات ومخصصات الرعاية الصحية والمؤسسات التعليمية ونظم النقل. ومن الملاحظات الصارخة أن التنمية الحضرية ترتكز في شكل ساحق على نماذج منسوخة من بلدان أخرى، تتجاهل الى حد بعيد الخصائص التراثية والطبيعية للمنطقة.
النمو الحضري السريع في المنطقة العربية يجلب معه كثيراً من الضغوط على البيئة. فمشاريع التنمية الاقتصادية الكبيرة لا تسبقها حالياً دراسات كافية وشفافة لتأثيراتها البيئية. لذلك يبقى أن نرى ما إذا كان ارتفاع نسبة النمو الحضري في المنطقة العربية يمكن أن يجاريه ارتفاع بصورة متساوية في نسب مخصصات التنمية البشرية والبنى التحتية.
الأبحاث العلمية البيئية
لا شك في أن الأبحاث العلمية البيئية الفعالة عامل أساسي في مكافحة التدهور البيئي. وببساطة، يمكن تحويل المؤثرات الأساسية للأبحاث العلمية الى مدخلات ومخرجات. المدخلات يمكن أن تقسم عموماً على عدد الأبحاث ومعدل الانفاق على الأبحاث العلمية، وذلك بشكل نسبي أو مطلق. وفي حين يقارب عدد الأبحاث في العالم العربي العدد في بقية أنحاء العالم، وكان ينمو بنسبة 6 الى 7 في المئة سنوياً بين 1994 و1998، أي ضعفي معدل النمو السكاني، فإن معدل الانفاق على الأبحاث العلمية كنسبة مئوية من الناتج المحلي الاجمالي منخفض الى أبعد الحدود في المنطقة العربية، أي نحو 0,2 في المئة. والمعدل العالمي هو 1,4 في المئة، وفي اليابان يبلغ 4 في المئة. والمعدل في العالم العربي هو المعدل الاقليمي الأدنى في العالم بأسره. وهكذا، فإن حالة المدخلات في الأبحاث العلمية البيئية يمكن وصفها عموماً بأنها حالة يواجه فيها كثير من العلماء العرب، الذين يزداد عددهم، موارد غير كافية.
ما يفاقم هذه المشكلة، وكنتيجة طبيعية مباشرة للوضع الذي تم وصفه، تواجه المنطقة ما يسمى ''هجرة الأدمغة": أي الأعداد الكبيرة من الباحثين العرب الذين يهاجرون بحثاً عن أوضاع أفضل لاعداد بحوثهم. على سبيل المثال، كان هناك 12,500 باحث مصري و11,500 باحث لبناني يعملون في الولايات المتحدة عام 2000. هذه الظاهرة يمكن أن تفسرها جزئياً الأزمة المالية العامة التي حدثت في وقت مبكر، وواكبتها في كثير من الحالات مقاييس علمية وأكاديمية غير وافية.
وبالنسبة الى مخرجات الأبحاث العلمية، فهذه يمكن تقييمها من خلال النظر في عدد الدراسات البحثية وعدد براءات الاختراع. إن حصة العالم العربي من الدراسات البحثية منخفضة، أما مساهمته في براءات الاختراع فتكاد لا تذكر.
ومن أجل تصحيح النقص في البحث العلمي البيئي في المنطقة العربية، يقدم تقرير ''البيئة العربية: تحديات المستقبل'' عدداً من التوصيات. أولاً، يوصي بقوة بأن تضع البلدان العربية استراتيجيات واضحة وفعالة للبحث العلمي البيئي، إضافةًالى الاستراتيجيات الحالية الخاصة بالبحث العلمي عموماً. وهكذا، فإن التنوع الكبير في الحقول ذات العلاقة، وما يتزامن معه من تبعثر للموارد المتاحة، يمكن جعله أكثر فعالية من خلال إدارة وتكامل كافيين، وتحديد المجالات الواضحة ذات الأولوية، وجهود اجتذاب الاستثمارات وتوجيهها نحو هذه الأهداف الاستراتيجية.
وفي ما يتعلق بموضوع التمويل، يوصي التقرير بأن تتحمل المؤسسات والهيئات والجماعات المؤثرة في القطاعين العام والخاص مسؤوليتها. والأبحاث ذات المستوى الرفيع تعتمد بشكل حاسم على توافر الموارد بالشكل الكافي. وفي حين يمكن للحكومات أن تساهم من خلال توفير الدعم المالي للأبحاث بصورة مباشرة، يجب أيضاً استحداث حوافز قانونية واقتصادية لتحفيز مشاركة القطاع الخاص في تقديم التمويل للأبحاث العلمية.
أخيراً، يوصي التقرير بأن يتم استحداث قواعد معلومات علمية إقليمية وتقويتها. وجعل الأبحاث البيئية سهلة المنال يقلل إمكانية التكرار غير الضروري للبحث ذاته، ويمكّن الخبراء والمحترفين في أي حقل، والمؤسسات البحثية المتنوعة، من الوصول الى المعلومات الموجودة. وهذا يكون أكثر فعالية اذا تم الاضطلاع به على مستوى إقليمي، مما يؤدي الى تكامل الجهود البحثية العلمية البيئية في أنحاء المنطقة العربية.
التربية البيئية
ترتبط التربية البيئية ارتباطاً وثيقاً بموضوع البحث العلمي البيئي على جميع المستويات. وقد تم اتخاذ عدد من المبادرات بهذا الخصوص في العالم العربي. ورصد التقرير 40 مركزاً بحثياً للدراسات البيئية، و27 برنامجاً جامعياً و24 برنامجاً للدراسات العليا حول البيئة. ومع ذلك، فإن هذه البرامج ما زالت في مرحلتها الأولى، وكثير من فروع المعرفة لا وجود لها، مثل التشريع والادارة البيئيين، فضلاً عن دمج البيئة في خطط وبرامج ومشاريع التنمية. ومن جانب آخر، تم دمج الكثير من النشاطات اللامنهجية الخاصة بالتربية والتوعية البيئية في كثير من البرامج الدراسية. إضافةً الى ذلك، تُستعمَل على نطاق واسع مقالات ومواد من منشورات بيئية، مثل مجلة ''البيئة والتنمية''، في المدارس، كمواد مطالعة إضافية. وتم تنفيذ برنامج مصري للتربية البيئية والتواصل مع المجتمع المحلي (E3OP).وهو مصمم لترويج التربية البيئية في المدارس الابتدائية والاعدادية في مصر، بهدف زيادة الوعي والمهارات المتعلقة بالبيئة.
وإجمالاً، فإن الاتجاه في العالم العربي يميل الى زيادة التنبه في المناهج التعليمية ـ وفي السياسات الرسمية عموماً ـ للقضايا البيئية. لكن ما زال بالامكان تأدية المزيد من الأعمال على مختلف المستويات، خصوصاً لتوسيع نطاق البرامج البيئية التي تقدم في التعليم العالي، وجعلها أكثر استجابة للمتطلبات الوطنية، وتقوية المحتوى البيئي في المناهج التعليمية الأساسية، وتوفيركتب دراسية موثوقة.
البيئة في وسائل الاعلام العربية
هناك عنصر أساسي هام في العمل الفعال لتحقيق تنمية اقتصادية مستدامة بيئياً، هو دور وسائل الاعلام، خصوصاً لنشر المعلومات وتوفير التربية البيئية ومراقبة الاجراءات بشكل نقدي، على الصعيدين الوطني والاقليمي، لمواجهة الهموم البيئية. شغلت العناوين البيئية وسائل الاعلام في العالم العربي خلال السنوات العشر الأخيرة، وتم رصد نحو مئة نشرة دورية تحمل أسماء لها علاقة بالبيئة. لكن موضوع البيئة نادراً ما حَظي بمعالجة في العمق، كما أن التحاليل النقدية ووجهات نظر الخبراء نادراً ما تم الالتفات إليها. وعلى رغم أن ازدياد الاهتمام بالبيئة يظهره ازدياد الاشارة الى القضايا البيئية في وسائل الاعلام العربية، فإن هذه القضايا غالباً ما كانت تعالج على درجة كبيرة من العمومية، وكثيراً ما كانت تقتصر على الابلاغ عن كوارث، وتفتقد الى منظور نقدي تحليلي. هذا العيب تظهره، على سبيل المثال، حقيقة أن أقل من 10 في المئة من الصحف العربية لديها محررون أو مراسلون متفرغون متخصصون في قضايا لها علاقة بالبيئة والتنمية المستدامة، مع وجود نسبة مئوية مماثلة في جميع وسائل الاعلام (صحافة وإذاعة وتلفزيون) تخصص صفحة أسبوعية أو برنامجاً منتظماً للقضايا البيئية. لكن هناك تطوراً ايجابياً، هو أن عدداً متزايداً من الشبكات التلفزيونية والاقليمية والوطنية بدأت إدخال القضايا البيئية كجزء من نشراتها الاخبارية.
التشريع البيئي
يوجد ضعف عمومي في التشريع البيئي في المنطقة العربية. فالمقاييس البيئية التي نصت عليها القوانين العربية ذات العلاقة، غالباً ما صيغت بما ينسجم مع مقاييس تطبق في البلدان المصنَّعة المتقدمة. وهي، في كثير من الحالات، لا تعكس الظروف البيئية المحددة والوضع التقني والاقتصادي في البلدان العربية. هذه المسألة تجعل من الصعب، من منظور اقتصادي، التقيد بهذه المقاييس أو وضعها قيد التطبيق العملي. الى ذلك، فإن المعايير القانونية صارمة وغير متناغمة في الغالب، وتطبق على نشاطات الانتاج والخدمات بصرف النظر عن نفقات وتقنيات مكافحة التلوث على وجه الخصوص.
كما توجد مشاكل متعلقة بالهيئات البيئية وموظفيها. فهيئات الشؤون البيئية والتشريعية غالباً ما تكون في أيدي أشخاص ليسوا من ذوي الاختصاص، إذ يكون هناك غياب للموظفين المؤهلين وذوي الخبرة في سن القوانين ذات العلاقة بالبيئة وتنفيذها. إلى هذا، هناك نقص في التنسيق بين السلطات المسؤولة عن تنفيذ القوانين البيئية، مما يساهم في عدم الامتثال لها.
وفي ما يتعلق بالاتفاقات البيئية المتعددة الأطراف (MEAs)، فإن تصديقها وتنفيذها في المنطقة العربية لم يكونا مثاليين. وفي 49 في المئة من الحالات، لم تنضم البلدان العربية الى المعاهدات الدولية إلا بعد سريان مفعولها. وهذا قد يعزى الى انعدام انخراط البلدان العربية في الصياغة الأولية لهذه المعاهدات وبطء عمليات تصديقها في البلدان المعنية.
وهناك نقطة معينة يوصي تقرير ''البيئة العربية: تحديات المستقبل'' بإجراء مزيد من البحوث حولها، هي العلاقة بين نجاح وسرعة تنفيذ الاتفاقات البيئية المتعددة الأطراف وتوافر الموارد المالية والتقنية المخصصة لهذه الغاية في بلدان المنطقة. يدرك التقرير أن العوائق الرئيسية التي تحول دون تنفيذ الاتفاقات البيئية المتعددة الأطراف في المنطقة تنفيذاً مرْضياً هي عدم وفاء الموارد الوطنية والاقليمية والبنى التحتية والخبرة بالغرض.
عموماً، حثّت الاتفاقات البيئية المتعددة الأطراف البلدان العربية على إصدار المزيد من القوانين البيئية واستحداث مؤسسات بيئية جديدة. وكان الانخراط العربي في الاتفاقات البيئية المتعددة الأطراف على أشده في ما يتعلق باتفاقيةالأمم المتحدة الاطارية لتغير المناخ (UNFCCC) وبروتوكول كيوتو، وذلك خلال مرحلتي التفاوض والتنفيذ، إذ إن المنطقة معرضة الى حد بعيد للتأثيرات المحتملة لتغير المناخ. لكن بعض الاتفاقات البيئية الأخرى المتعددة الأطراف، التي تستحق أيضاً انخراطاً واهتماماً عربياً قوياً، حققت نجاحاً محدوداً في المنطقة، مثل اتفاقية الأمم المتحدة لصون التنوع البيولوجي واتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر.
تمويل البرامج البيئية
إن الجهود الهادفة الى تمويل البرامج البيئية وتشغيلها في المنطقة العربية يجب أن تأتي عن طريق الحكومات والقطاعين الخاص وغير الحكومي. والمسؤولية الرئيسية للقطاع العام هي دمج البيئة في سياسات التنمية الوطنية، بما في ذلك توفير مخصصات كافية للتخطيط والموازنات. ويجب اعتبار البيئة مطلباً ضرورياً لتنمية مستدامة وجزءاً هاماً ضمن الصورة الماكرو ـ اقتصادية ككل. ويجب تعديلالنظام الحالي للحسابات الوطنية بحيث يوفر مؤشراً حقيقياً للتنمية المستدامة. وبكلام آخر، يجب أن ينعكس استنزاف وتدهور الموارد البيئية الوطنية كنفقات بدلاً من دخل.
ويجب تخصيص جزء كبير من الموازنة لتقوية قدرات السلطات البيئية، وتقليل اعتماد تمويل مشاريع حماية البيئة على المصادر الخارجية، إذ إن تدفق المعونات يعتمد على الظروف الجيو ـ سياسية. لذلك يوصي التقرير بوجوب إدخال البيئة كعنصر رئيسي في التنمية المستدامة كمجال له أولوية ضمن آليات التمويل، على أن يكون الهدف الاستراتيجي في المدى البعيد تخفيض اعتماد المنطقة على التمويل الخارجي.
وكما ذكر من قبل، يجب أن تخصص الحكومات مزيداً من الموارد للأبحاث والتطوير، مع تركيز على الأبحاث المتعلقة بالتكنولوجيا والمراقبة، فضلاً عن الأبحاث المخبرية والميدانية، وجمع المعلومات، والقدرة المؤسّسيّة للقطاعين العام والخاص، والتعليم والاعلام. الى ذلك، يجب ان تناضل الحكومات في سبيل ترويج الحوافز السوقية كوسيلة لتحديد مقدار العائد من النفقات البيئية اجتماعياً واقتصادياً، وتشجيع أنماط الانتاج والاستهلاك للانتقال الى نماذج أكثر استدامة، بهدف زيادة الكفاءة وتخفيض الهدر.
هناك إمكانية كبيرة لمساهمات القطاعات الخاصة في المبادرات التنموية التي تحافظ على البيئة في المنطقة العربية. وللأسف، فإن هذه الامكانية لا تستخدم بشكل كامل. ومع ذلك، يعترف التقرير بأنه كانت هناك زيادة في عدد المبادرات الخاصة التي تساهم في حماية البيئة.
إن شبكة من هيئات المجتمع المدني النشطة والفعالة والمنظمة التي تعمل لرفع الوعي، مع الموارد المالية اللازمة لمواجهة التحديات البيئية الرئيسية، ما زالت مفقودة الى حد بعيد في المنطقة العربية. لكن في السنوات الأخيرة أصبح عدد محدود من المنظمات العربية غير الحكومية راسخ الوجود والنجاح.
البيئة والحروب
هناك عامل غير سار في المنطقة العربية، لكن مع ذلك هام، هو تأثير الحروب والنزاعات على البيئة. وفي المنطقة حالياً ما لا يقل عن نزاعين دوليين رئيسيين مستمرين (النزاع العربي الاسرائيلي والعراق) وما لا يقل عن خمسة نزاعات داخلية (الجزائر، الصومال، السودان، الصحراء الغربية، اليمن). وعانى لبنان حرباً قصيرة وإنما رئيسية في صيف 2006، وتعاني بعض البلدان العربية مزيجاً من النزاع الدولي والأهلي، كما يحدث في العراق والأراضي الفلسطينية والصومال. ورغم أن العناصر الاجتماعية والسياسية والاقتصادية لهذه النزاعات هي التي تجتذب الأضواء عادة، إلا أن آثارها البيئية السلبية كبيرة.
ومن بين العوامل الكثيرة وراء النزاعات هناك العوامل البيئية، وخصوصاً الموارد الطبيعية، التي تُعرف أيضاً بـ''السلع والخدمات المتعلقة بالنظام الايكولوجي''. ووفق ما تمت مناقشته في التقرير، يبرز بصورة خاصة في المنطقة العربية شح موارد المياه والأراضي الزراعية. ويجب التشديد طبعاً على أن ارتباط البيئة بالنزاع لا يكون مباشراً بالضرورة. فهو غالباً ما يعمل في موازاة ضغوط اجتماعية وسياسية واقتصادية أخرى.
الى جانب تحليل التأثيرات البيئية للنزاع بالتفصيل في الحالات الثلاث التي سبق ذكرها، يقدم هذا التقرير عدداً من الاقتراحات للدول العربية في هذا المجال. يُقترح إنشاء صندوق عربي لمساعدة البلدان في التعامل مع أسباب النزاع ذات الجذور البيئية، وأيضاً لمعالجة التأثيرات الأكثر الحاحاً للحرب. كذلك يوصي التقرير بمزيد من التعاون الاقليمي والدولي من أجل توفير القدرة على الانذار المبكر وتقييم الروابط بين النزاع والبيئة. كما يوصي بتعاون أوثق مع المنظمات الدولية، وخصوصاً الأمم المتحدة، من أجل الاعتماد على الموارد العلمية والتكنولوجية والمالية الدولية والخبرة المتوافرة في تحليل وتخفيف التأثيرات البيئية للحرب، خصوصاً في المجالات التي لم تلق اهتماماً كافياً مثل تأثير الرؤوس الحربية المصنوعة من اليورانيوم المستنفد (DU) والألغام.
خاتمة
في الماضي، كانت الخطط ذات الأهداف القصيرة الأمد عقبة رئيسية أمام صنع السياسات المتعلقة بالبيئة والتنمية المستدامة. أما اليوم، فتَتخذ بعضُ المحاولات المنحى المتطرف المقابل، متجاهلة التحديات البيئية الحالية الملحة، بينما تضع خططاً بعيدة المدى، في ممارسة يمكن أن تسمى ''هروباً الى الأمام''. إن النظر الى المستقبل مطلوب من أجل وضع خطط بيئية سليمة، لكن تجاهل المشاكل الراهنة لن يحلها، مهما كانت الأهداف في المدى البعيد نبيلة. والمشاكل التي لا يتم التصدي لها في الحاضر سوف تتضاعف، محدثة تحديات أكبر في المستقبل. وبعض الخطط الكبيرة الممتازة التي أُعلن عنها في المنطقة في ما يتعلق بقضايا رئيسية مثل الطاقة المتجددة، وإدارة الموارد المائية والساحلية، بما لها من طموحات عالمية، يجب ألاّ تحوّل الانتباه عن إجراءات بسيطة مطلوبة سريعاً وبإلحاح على المستوى المحلي لضمان استخدام أكثر كفاءة وسلامة للموارد.
المطلوب استراتيجيات لادارة متكاملة للبيئة، والتأكيد على أن هناك هيئات ومؤسسات بيئية قوية وفعالة، تدعمها التزامات سياسية وتشريعية واضحة، إضافة الى الموارد الكافية. ويجب أن تتكامل الخطط القصيرة الأجل والطويلة الأجل لحل المشاكل حاضراً ومستقبلاً.
الوضع ليس قاتماً كلياً. فغالبية البلدان العربية لديها حالياً إما وزارة بيئة أو هيئة بيئة حكومية أو الاثنتان معاً. والمجتمع المدني والقطاع الخاص ينخرطان أكثر في الأمور البيئية، لكن بمستويات مختلفة من الفعالية. وقد بدأت بعض الجهات الحكومية المسؤولة عن البيئة بوضع خطط استراتيجية، مثل هيئة البيئة في أبوظبي التي أطلقت في نيسان (أبريل) 2008 استراتيجية بيئية للامارة. وقد حددت هذه الاستراتيجية النموذجية أهدافاً على مرحلتين من سنتين وخمس سنوات، تشمل عشرة مجالات ذات أولوية: الاستدامة البيئية، إدارة الموارد المائية، نوعية الهواء، النفايات الخطرة، التنوع البيولوجي، الوعي البيئي، نظم السلامة، الكفاءة التنظيمية، إدارة الحالات الطارئة، نظم المعلومات. هذه المبادرات مطلوبة في أنحاء المنطقة العربية، مع تشديد كبير على الاستعداد لتنفيذها بشكل وافٍ.
إن مصير المنطقة العربية مرتبط على نحو لا مناص منه بحالة بيئتها، التي تفرض على الدول العربية العمل معاً لمواجهة التحديات المشتركة، وللتعاون كجبهة واحدة في المبادرات البيئية العالمية. يأمل تقرير ''البيئة العربية: تحديات المستقبل'' أن يساهم في تنبيه الحكومات ورفع وعي المواطنين وحفز المؤسسات الأكاديمية والقطاع الخاص ووسائل الاعلام في المنطقة العربية للتركيز على ضرورة دمج القضايا البيئية في خطط التنمية الوطنية. لقد تم تحقيق الكثير في المنطقة العربية في ما يتعلق بالوعي والمبادرات البيئية، لكن الأكثر ما زال مطلوباً.