''عندي ابنتان صغيرتان، وأريد أن أرى أحفادي... في المالديف''. بهذا الرجاء استهل محمد نشيد، رئيس جزر المالديف المهددة بالغرق مع ارتفاع مستويات البحار، حواراً تلفزيونياً عشية اختتام مؤتمر الأمم المتحدة بشأن تغير المناخ في كوبنهاغن الشهر الماضي. ورأى أن كبح الانبعاثات المسببة للاحترار العالمي أمر ممكن، ''فعندما قرر الرئيس جون كينيدي إرسال أميركيين الى القمر في عام 1962، لم تكن لدى الولايات المتحدة التكنولوجيا اللازمة، وبعد سبع سنوات نزلوا على القمر''. وقال إن المال اللازم يجب أن يأتي ممن يملكه، وتاريخياً من البلدان الصناعية، محذراً من تجاهل التأثيرات الكارثية لتغير المناخ، ''فلا يمكن التلاعب بقوانين الفيزياء".
تحت أنظار شعوب العالم القلقة على مصير البشرية، وترافقاً مع تظاهرات ضخمة في شوارع العاصمة الدنماركية وكثير من مدن العالم، تصارع مفاوضو 192 بلداً، بينهم نحو 129 رئيس دولة وحكومة، على تفاصيل اتفاقية دولية لضبط انبعاثات غازات الدفيئة المسببة للاحتباس الحراري والتصدي لتأثيرات تغير المناخ.
ولكن بعد 13 يوماً من المفاوضات الحامية، التي تخلل معظم جلساتها خروج احتجاجي لمندوبي مجموعات من الدول، انتهت قمة كوبنهاغن للمناخ باتفاق يكاد لا يحمل صفة الحد الأدنى. فقد اكتفت غالبية الدول المشاركة بـ ''أخذ العلم'' بذاك الاتفاق الذي توصل اليه الرئيس الأميركي باراك أوباما مع قادة دول ذات اقتصادات صاعدة هي الصين والهند والبرازيل وجنوب أقريقيا، خلال ''الوقت الضائع'' في الساعات الأخيرة من المفاوضات. وقَبِل الاتحاد الأوروبي على مضض بالاتفاق الذي قلص أهدافاً ذكرت في مسوّدات سابقة، مثل هدف خفض انبعاثات الغازات المسببة للاحترار العالمي الى النصف بحلول سنة 2050. كما وافقت عليه دول أفريقية وجُزُرية وبعض دول أوبك. ورفضت السودان وفنزويلا وكوبا وبوليفيا إقرار الاتفاق لأنه صيغ بأسلوب ''غير ديموقراطي''. وقد شعرت الدول النامية المنضوية بصمود في كتلة الـ 77 والصين بالخيانة بعد إقرار الصفقة المناخية. لكن الرئيس الصيني برر موقفه بأنه يأتي من منطلق العدالة للماضي والواقعية المسؤولة للمستقبل، وأن بلاده ستزيد الشفافية وستنخرط في حوار وتعاون دوليين.
ينص ''اتفاق كوبنهاغن''، الذي لا يتضمن بنوداً ملزمة، على ضرورة إجراء ''تخفيضات عميقة'' في الانبعاثات بحيث ينحصر ارتفاع معدل الحرارة العالمية بأقل من درجتين مئويتين عما كان قبل الثورة الصناعية. وتضمن أن تقدم الدول المتقدمة 100 بليون دولار سنوياً بحلول سنة 2020 لمساعدة البلدان النامية في مواجهة تحديات تغير المناخ، لكنه لم يحدد من أين تأتي هذه الأموال. ومن أجل تجاوز عقدة الصين الرافضة للرقابة والضوابط الدولية على انبعاثاتها من ثاني أوكسيد الكربون، دعا الاتفاق الاقتصادات الصاعدة الى تقديم تقارير عن جهود تخفيض انبعاثاتها كل سنتين الى الأمم المتحدة، مع إجراء بعض ''التفحصات'' الدولية لتلبية شروط الشفافية، ولكن ''مع ضمان احترام السيادة الوطنية''. وأيد تمويل مشاريع اجتناب ازالة الغابات في الدول النامية كوسيلة لتخفيض الانبعاثات، كما وعد بالنظر في دعم مقاربات أخرى، بما فيها أسواق الكربون، لتعزيز الجدوى الاقتصادية لتدابير التكيف مع تغير المناخ.
وقد اعتبر أمين عام الأمم المتحدة بان كي مون أن المفاوضات هي ''من الأكثر تعقيداً وطموحاً في تاريخ المجتمع العالمي''. واصفاً اتفاق كوبنهاغن بأنه ''بداية مهمة".
192 حصاناً الى النبع
الاتفاق على اتفاقية مناخية دولية يجب أن يحصل بالاجماع، أي أن لكل بلد حق النقض. والمشكلة الكامنة في الوصول الى اتفاق إجماعي بين 192 دولة هو تضارب مصالحها، من البلدان الجزرية الصغيرة المرتعبة من ارتفاع مستويات البحار، الى بلدان أوبك القلقة على إيراداتها النفطية، الى بقية البلدان النامية التي تطالب البلدان الصناعية بتحمل مسؤوليتها التاريخية عن الانبعاثات ومساعدتها للتحضر والتكيف مع تأثيرات تغير المناخ، الى البلدان الصناعية المختلفة على تقاسم كلفة تخفيض الانبعاثات العالمية.
رئيسة المؤتمر كوني هدغارد، وزيرة المناخ في الدنمارك، شبهت مندوبي الدول المتقاعسين عن كشف أوراقهم بتلاميذ المدارس: ''اذا كانت لديهم مهلة طويلة لتقديم فرض، فانهم ينتظرون حتى اللحظة الأخيرة''. أما إيفو دي بور، رئيس سكرتارية الأمم المتحدة لتغير المناخ فقال مازحاً: ''هناك مثل يقول: يمكنك أخذ حصان الى الماء، ولكن لا يمكنك إرغامه على الشرب''، مضيفاً أن الوزيرة الدنماركية كانت تقود 192 حصاناً الى الماء منذ بدء المفاوضات في بالي باندونيسيا أواخر 2007. وقد تخلت هدغارد عن رئاسة المؤتمر عند بدء قمة رؤساء الدول في الأيام الثلاثة الأخيرة، ليحل مكانها رئيس حكومة الدنمارك لارس لوكه راسموسين.
ماذا في جعبة الدول الرئيسية التي شاركت في مؤتمر كوبنهاغن؟
الصين أصبحت مؤخراً المطلق الأكبر لغازات الدفيئة، اذ تقدر انبعاثاتها بنحو 6,8 بليون طن سنوياً، بمعدل 5,5 أطنان للفرد. وقد أبدت استعدادها لخفض كثافتها الكربونية، أي كمية ثاني أوكسيد الكربون لكل وحدة من الناتج المحلي الاجمالي، بنسبة 40 الى 45 في المئة بحلول سنة 2020 عما كانت في 2005. لكن هذا لن يحول دون ازدياد انبعاثاتها بشكل كبير، اذ يتوقع أن تطلق 50 في المئة من انبعاثات العالم بحلول سنة 2020. وقال الرئيس الصيني هو جنتاو ان بلاده ستحاول رفع حصة الوقود غير الاحفوري في الاستهلاك الطاقوي الأساسي الى 15 في المئة بحلول سنة 2020. وتعتبر الصين أن الأهداف التي تتخذها الدول المتقدمة لتخفيض انبعاثاتها ليست كافية، وتطالب بتخفيضات لا تقل عن 40 في المئة من مستويات 1990 بحلول سنة 2020، كما تطلب مقداراً أكبر كثيراً من المساعدات والتكنولوجيا الخضراء.
أما الولايات المتحدة، ثاني أكبر مطلق لغازات الدفيئة بمقدار 6,4 بلايين طن سنوياً و21 طناً للفرد، فوعدت بتخفيض انبعاثاتها 17 في المئة بحلول سنة 2020 عما كانت في 2005، لكن هذا يعني تخفيض 3 في المئة فقط عن مستويات عام 1990 المعتمدة في بروتوكول كيوتو. كما قالت انها ستزيد تخفيضاتها الى 30 في المئة عن مستويات 2005 بحلول سنة 2050، علماً أن تشريعاً بخفض الانبعاثات 20 في المئة عن عام 2005 لم يُقبل بعد في مجلس الشيوخ. وأعلنت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون أن بلادها مستعدة للمساهمة في جمع مبلغ 100 بليون دولار سنوياً بحلول سنة 2020 لمساعدة البلدان النامية في مواجهة تغير المناخ. وتعهدت الولايات المتحدة بمبلغ بليون دولار كجزء من تمويل أولي بمقدار 3,5 بلايين دولار لابطاء ازالة الغابات التي تعتبر سبباً رئيسياً للاحتباس الحراري، وتشارك في هذا التمويل أوستراليا وفرنسا والنروج وبريطانيا. أما الرئيس الأميركي باراك أوباما، الذي انتظر الجميع بلهفة كلمته في اليوم الأخير من المؤتمر، فلم يأت بجديد في كلمته، بل قال انه يريد الخروج من كوبنهاغن باتفاق يشمل كل القضايا ويكون له تأثير عملاني فوري. وقد أثار ذلك خيبة عارمة في أوساط المؤتمر.
الاتحاد الاوروبي هو ثالث أكبر مطلق لغازات الدفيئة، بمقدار 5 بلايين طن سنوياً ومعدل 10,2 أطنان للفرد. وكان القادة الأوروبيون اتفقوا في كانون الأول (ديسمبر) 2008 على تخفيض انبعاثات بلدانهم 20 في المئة عن مستويات 1990 بحلول سنة 2020، و30 في المئة اذا فعلت بقية البلدان المتقدمة مثلها. كما اتفقوا على أن البلدان النامية ستحتاج الى نحو 100 بليون يورو (147 بليون دولار) سنوياً لمساعدتها في تخفيض انبعاثاتها والتكيف مع تغيرات مثل الفيضانات وموجات الحر. وتعهدوا الشهر الماضي بتقديم 7,3 بليون يورو (10,8 بليون دولار) كمساعدة أولية خلال الفترة 2010 ـ 2012. ويطالب الاتحاد الأوروبي البلدان النامية بالحد من ازدياد انبعاثاتها بنسبة 15 الى 30 في المئة أقل من المسار المتوقع باستمرار الوضع الراهن، وذلك بحلول سنة 2020.
ومن مواضيع السجال خلال المؤتمر مشكلة حقوق ''الهواء الساخن''، خصوصاً في أوروبا الشرقية. فوفق بروتوكول كيوتو، تستطيع الدول المرتاحة بانبعاثاتها المتدنية أن تبيع فارق حقوقها من الانبعاثات في شكل ''وحدات كمية'' الى بلدان تطلق انبعاثات أكثر مما يحق لها. وقال مفوض البيئة في الاتحاد الأوروبي ستافروس ديماس: ''اذا كانت لدينا هذه الكمية من الوحدات بعد 2012، فلن تكفي أي إنجازات في كوبنهاغن مع وجود هذا الهواء الساخن''. وسبب التسمية أن معظم هذه الحقوق هي نتيجة انهيار الصناعات في أوروبا الشرقية، لا الاستثمار في الطاقة النظيفة.
وتطلق روسيا نحو 1,7 بليون طن سنوياً، بمعدل 11,9 طناً للفرد. وقد عرضت تخفيض الانبعاثات 22 ـ 25 في المئة تحت مستويات 1990 بحلول سنة 2020. لكن هذا يعني ازدياداً عن المستويات الحالية، بعدما كانت انبعاثاتها عام 2007 أقل 34 في المئة من مستويات 1990.
أما الهند، التي تطلق نحو 1,4 بليون طن سنوياً بمعدل 1,2 طن للفرد، فتهدف الى تخفيض كثافتها الكربونية بين 20 و25 في المئة بحلول سنة 2020 عن مستويات 2005، لكنها لم تحدد السنة التي تصل فيها انبعاثاتها الى الذروة. ومثل الصين، تطالب الهند الدول الغنية بتخفيض انبعاثاتها 40 في المئة على الأقل عن مستويات 1990. لكن وزير بيئتها جيرام رامش قال في كوبنهاغن: ''هذه مفاوضات، لقد أعطينا رقم 40 في المئة، ولكن علينا أن نكون واقعيين".
وتبلغ انبعاثات اليابان 1,4 طن سنوياً، بمعدل 11 طناً للفرد. وهي ستخفضها بنسبة 25 في المئة عن مستويات 1990 بحلول سنة 2020 اذا تم التوصل الى ''اتفاق طموح''. وأعلنت خلال المؤتمر أنها ستزيد مساعداتها الى الدول النامية لمكافحة الاحترار العالمي الى 15 بليون دولار بشكل تمويل عام وخاص خلال السنوات الثلاث حتى 2012.
ولا تطلق البلدان الأفريقية انبعاثات تذكر، في حين أن بعضها سيكون من الأكثر تضرراً من تغير المناخ. وهي تطالب البلدان المتقدمة بتخفيض انبعاثاتها 45 في المئة على الأقل عن مستويات 1990 بحلول سنة 2020، كجزء من هدف حصر ارتفاع الحرارة العالمية في حدود 1,5 درجة مئوية عما كانت قبل العصر الصناعي. واعتبر راجندرا باشاوري، رئيس اللجنة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، أن ارتفاعاً حتى بمقدار 1,5 درجة سيؤدي الى تشريد ملايين البشر وتعرضهم للجوع والكوارث المناخية.
سجال سعودي ـ برازيلي
برز خلال المؤتمر صراع بين البرازيل والسعودية بشأن التعديلات المتعلقة بسوق اعتمادات الكربون، أي ما يعرف بآلية التنمية النظيفة وفق بروتوكول كيوتو، البالغة قيمتها 6,5 بلايين دولار. فازالة الغابات تساهم بنحو خُمس الانبعاثات العالمية، وتضغط البرازيل على الدول الغنية لدفع تكاليف الحفاظ على غابات المطر الشاسعة فيها. وبموجب آلية التنمية النظيفة، تستطيع الشركات الاستثمار في خفض الانبعاثات الكربونية للدول النامية، لتحصل في المقابل على اعتمادات (offsets) تستطيع استخدامها في تلبية أهدافها بشأن الانبعاثات أو بيعها للربح المادي.
وتريد البرازيل إدخال برامج ''تجنب ازالة الغابات'' ضمن هذه الآلية، لكن السعودية عارضت الاقتراح، اذ ان اعتمادات الغابات قد تقلل من قيمة اعتمادات احتجاز ثاني أوكسيد الكربون وتخزينه. وتسعى السعودية الى دفن الانبعاثات الكربونية في آبارها النفطية الناضبة، وقد طرحت خطة لقبول هذه التكنولوجيا ضمن آلية التنمية النظيفة. لكن البرازيل عارضتها، علماً أنها تملك 165 مشروعاً (8,5%) من المشاريع المسجلة ضمن آلية التنمية النظيفة وعددها 1952 مشروعاً، في حين أن السعودية لا تملك أي مشروع.
ثلاثون من فضة!
قد تكون قمة كوبنهاغن الأكبر في التاريخ بجمعها رؤساء الدول والحكومات، لكنها شكلت خيبة أمل، لأن الاتفاق الذي خرجت به لا يحقق الأهداف المتوخاة بتقليص الانبعاثات في المدى القريب أو البعيد، ولا يحدد جدولاً زمنياً للتوصل الى اتفاقية ملزمة.
وفي مواقف قادة العالم من الاتفاق، رأى الرئيس الأميركي باراك أوباما أنها ''المرة الأولى في التاريخ التي تُجمع فيها الدول ذات الاقتصادات الكبرى على تحمل مسؤولية التحرك للتصدي لخطر تغير المناخ''. واعتبر رئيس المفوضية الأوروبية خوسيه مانويل باروسو أنه ''دون التوقعات''، باعتبار أن الجانب الأوروبي كان يدفع نحو ''اتفاق قانوني لا إعلان سياسي، لأن لدينا قوانين تلزمنا خفض الانبعاثات''. وأقر الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي بأن الاتفاق ''ليس كاملاً لكنه أفضل الممكن''. واعتبرت المستشارة الألمانية انغيلا ميركل أن البديل الوحيد كان الفشل، وأن القمة ''خطوة أولى في اتجاه نظام مناخي عالمي جديد".
المبعوث السوداني لومومبا ستانيسلاس ديا بينغ أشار الى أن أحداث اليوم الأخير في القمة هي الأسوأ في تاريخ المحادثات حول تغير المناخ، وكأنما "يُطلب من أفريقيا توقيع اتفاق انتحار، اتفاق محرقة''. أما أيان فراي، رئيس دولة توفالو الصغيرة المهددة بالغرق بسبب ارتفاع مستوى مياه البحر في المحيط الهادىء، فوصف نتائجها ''كما لو أن أحداً يعطينا ثلاثين قطعة فضة لنخون شعبنا ومستقبلنا".
رئيس المالديف محمد نشيد، الخائف على مصير جزره وأحفاده، برر موافقته على اتفاق كوبنهاغن بقوله: ''هناك خطر حقيقي بأن تسير مفاوضات المناخ في المسار ذاته الذي سارت عليه مفاوضات منظمة التجارة العالمية ومفاوضات أخرى متعددة الجنسيات''، داعياً الدول الى دعم الاتفاق كي لا تستمر العملية لسنوات.
لقد انتظر العالم مؤتمر كوبنهاغن بفارغ الصبر، وعقدت عليه آمال ''عجائبية'' بالتوصل الى اتفاقية مناخية فعالة وملزمة تنقذ البشرية من مصير أحمر. ولئن تكن هذه الآمال تخطت واقع الأمور، فإن الضجة الإعلامية والتوعوية التي سبقت المؤتمر وتخللته خلقت وعياً متزايداً لدى الجماهير واهتماماً في جميع الأوساط بمشكلة تغير المناخ. ولا بد من أن ينعكس ذلك ضغطاً على الحكومات للسعي بشكل أجدّ في سبيل الوصول الى حل.
أمهل اتفاق كوبنهاغن جميع الدول حتى نهاية كانون الثاني (يناير) 2010 لتقديم خططها الخاصة بكبح الانبعاثات. وتم تحديد نهاية سنة 2010 لتتويج مساعي التوصل الى معاهدة دولية بشأن تغير المناخ. وسوف يعقد مؤتمر متابعة في ألمانيا قبل انعقاد قمة المناخ المقبلة في المكسيك في تشرين الثاني (نوفمبر) 2010.
الأنظار الآن تتجه نحو المكسيك.
راغدة حداد تتسلم جائزة صحافة الأرض
في احتفال خاص أقيم على هامش قمة تغير المناخ في كوبنهاغن، تسلمت راغدة حداد، رئيسة التحرير التنفيذية لمجلة ''البيئة والتنمية''، جائزة صحافة الأرض (Earth Journalism Award)، وذلك على سلسلة مقالات كتبتها عن تغير المناخ، وخصوصاً رحلتها الى منطقة القطب الشمالي على متن سفينة أبحاث، حيث شهدت على ذوبان الجليد وما يجري من أبحاث علمية لكشف تأثيرات تغير المناخ والحد من عواقبه. وهي الصحافية العربية الأولى التي تحصل على هذه الجائزة، وذلك عن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
وتمنح الجائزة منظمة إنترنيوز للصحافة العالمية، بالاشتراك مع الأمم المتحدة والبنك الدولي ومنظمات عالمية. وقد حضر الاحتفال رئيس اللجنة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ الدكتور راجندرا باشاوري ووزراء وممثلو منظمات دولية وأهلية وأكاديميون وإعلاميون.
كوارث مناخية وآذان صمّاء
تسرب الى أروقة مؤتمر كوبنهاغن، والى الصحافة، تحليل سري للأمم المتحدة كشف أن تخفيضات الانبعاثات المقدمة في قمة كوبنهاغن ستؤدي الى ارتفاع درجات الحرارة العالمية بمعدل 3 درجات مئوية. وهذا يقوّض ادعاءات الحكومات بأنها تسعى الىالحد من انبعاثاتها بما يضمن عدم ارتفاع درجات الحرارة العالمية بأكثر من درجتين مئويتين خلال القرن الحالي.
وبحسب تقرير ستيرن الشهير عام 2006، المفوّض من الحكومة البريطانية، فان ارتفاعاً من 3 درجات يعني معاناة نحو 170 مليون نسمة من الفيضانات الساحلية، ومواجهة 550 مليوناً خطر الجوع، وانقراض ما يصل الى 50 في المئة من الأنواع الحية.
أكثر من 75 في المئة من قتلى الأحداث والكوارث الطبيعية عام 2007 حتى نهاية تشرين الثاني (نوفمبر)، و95 في المئة من المتضررين، كانوا ضحايا أحداث مناخية متطرفة مثل الأعاصير والفيضانات، بحسب أرقام أولية للأمم المتحدة أعلنت في المؤتمر. فمن أصل 245 كارثة طبيعية، كانت هناك 224 كارثة متعلقة بالطقس، نجم عنها 55 مليون متضرر من أصل 58 مليوناً، و7000 قتيل من أصل 8900، و15 بليون دولار كأضرار اقتصادية من أصل 19 بليوناً. ولئن تضمنت إحصاءات هذه السنة أرقاماً أدنى مقارنة مع السنوات الماضية، فان كوارث المناخ تبقى في رأس القائمة، وسوف تؤثر على أعداد أكبر من البشر في المستقبل، اذ ان أكثر من نصف سكان العالم المعرضين بشدة للكوارث المناخية يعيشون في المناطق الساحلية. ويعتبر باحثون ومحللون أن هذه الأرقام هي أقل من الواقع، لأن تأثيرات الجفاف لا تقاس بسهولة في احصاءات الكوارث.
وقال نائب الرئيس الأميركي الأسبق آل غور، الذي شارك في المؤتمر، ان ''المجانين المتهورين'' فقط يمكن أن يتجاهلوا ذوبان الجليد والكوارث المناخية وتوقعات نقص المياه وغيرها من تأثيرات الاحتباس الحراري. ودعا الكونغرس الأميركي الى انجاز مشروع بشأن تغير المناخ قبل الاحتفال الأربعين بيوم الأرض في 22 نيسان (ابريل)، كما دعا العالم الى استكمال اتفاقية دولية بحلول تموز (يوليو) 2010، بعد الإتفاق السياسي في كوبنهاغن.
ولكن يبدو أن صراع آل غور لحماية الأرض من تغير المناخ يلقى آذاناً صماء. فقد أظهر استطلاع في كانون الأول (ديسمبر) 2009 أن 37 في المئة من الأميركيين غير قلقين أبداً من تغير المناخ (في مقابل 27 في المئة عام 2007)، وأن 20 في المئة فقط قلقون جداً (في مقابل 37 في المئة عام 2007). كما تبيّن أن 68 في المئة من الجمهوريين و46 في المئة من المستقلين غير قلقين من تغير المناخ، في مقابل 7 في المئة فقط من الديموقراطيين.
البصمة الكربونية لقمة كوبنهاغن... ونقاط خضراء
ولَّدت قمة كوبنهاغن انبعاثات كربونية أكثر من أي مؤتمر مناخي سابق، بحسب احصاءات دنماركية. فقد اجتمع مندوبون وصحافيون وناشطون ومراقبون من 213 بلداً بين 7 و18 كانون الأول (ديسمبر) 2009، مولدين نحو 46 ألف طن من ثاني أوكسيد الكربون. وهذا الرقم يعادل ما ينتجه سنوياً 2300 أميركي، أو 660 ألف أثيوبي!
وعلى رغم جهود الحكومة الدنماركية لتخفيض البصمة الكربونية للمؤتمر، فقد ولدت نشاطات القمة نحو 5700 طن من ثاني أوكسيد الكربون، وولدت سفرات المشاركين 40,500 طن أخرى. وقدر باحثون أن 60 في المئة من المشاركين استقلوا وسائل نقل عامة الى مركز المؤتمر ومنه خلال القمة. وغالبية الكهرباء التي استخدمت في المؤتمر كانت من محطات طاقة تعمل بالفحم وتغذي الشبكة العامة، لكن بعضها كان من طاقة الرياح، علماً أن نحو 20 في المئة من كهرباء الدنمارك تأتي من طاقة الرياح.
هنا بعض الممارسات الصديقة للبيئة في قمة كوبنهاغن:
- تمت مقايضة الانبعاثات الكربونية التي نتجت عن المؤتمر من خلال مشروع مناخي لتحسين أداء أفران الطوب في داكا عاصمة بنغلادش، ما جعل المؤتمر محايداً مناخياً.
- الأطفال يملكون المستقبل، وقد أوصلوا صوتهم وتوصياتهم حول سبل جعله مستقبلاً أفضل من خلال قمة يونيسف المناخية للطفولة قبيل انعقاد المؤتمر.
- أكثر من 90 في المئة من تنقلات المشاركين كانت مجانية، في القطار والمترو وحافلات النقل العام.
- بدلاً من انتاج أكواب وأقلام وحقائب تذكارية تحمل شعار المؤتمر وينتهي كثير منها في النفايات، تم تخفيض ميزانية المؤتمر والتبرع بما يعادل هذه الكلفة (700 ألف دولار) لتقديم ''منح تعليمية مناخية'' الى طلاب من أنحاء العالم لدراسة مواضيع تتعلق بالمناخ في الجامعات الدنماركية.
- سيارات الليموزين التي نقلت المندوبين الرفيعي المستوى تعمل بوقود الايثانول الحيوي.
- تألف شعار المؤتمر من 192 سطراً، واحد لكل دولة عضو في الأمم المتحدة، رمزاً للروابط بين جميع الأشياء على كوكبنا.
- لم توزع في المؤتمر مياه معبأة، وإنما مياه الصنبور عبر الشبكة العامة، في أكواب بلاستيكية تتحلل بيولوجياً.
- يتم انتاج نحو 20 في المئة من كهرباء الدنمارك من طاقة الرياح. وتنتج الشركات الدنماركية نحو نصف توربينات الرياح في العالم.
- قيادة الدراجات في كوبنهاغن نمط حياة لا مجرد وسيلة نقل أو رياضة. شخص من كل ثلاثة يركب الدراجة للذهاب الى العمل أو المدرسة. وتحوي العاصمة 400 كيلومتر من مسالك الدراجات، ما يعادل طول البر الرئيسي للدنمارك. وتخطط المدينة لجعل 50 في المئة من تنقلات سكانها على الدراجات بحلول سنة 2015.
- وضعت دراجات هوائية في تصرف المشاركين في المؤتمر من دون مقابل.
- يأخذ المتسوقون معهم أكياسهم الخاصة، أو يدفعون ثمن أكياس البلاستيك، التي لا تقدم مجاناً في السوبرماركت.
- كوبنهاغن رائدة العالم بالأطعمة العضوية، فواحد من كل عشر مشتريات هو عضويّ. وقدمت المقاهي والمطاعم في موقع المؤتمر أطعمة عضوية بنسبة 65 في المئة.
- معرضا ''التبادل المناخي'' و''الأخضر اللامع'' في كوبنهاغن تضمنا تكنولوجيات لخفض انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون.
- أقيم معرض مكشوف للصور في قلب العاصمة الدنماركية أظهر 100 موقع يتهددها تغير المناخ.