يتمتع العالم العربي بتنوع بيولوجي فريد من حيث الأنواع والنظم البيئية والأراضي الرطبة، يؤثر بشكل مباشر على نوعية وكميات الخدمات التي تقدمها النظم الايكولوجية، ومنها امتصاص ثاني أوكسيد الكربون وتخزينه، وتخفيف تأثيرات تغير المناخ، وتوفير مكونات المنتجات الصيدلانية والبيوكيميائية والصناعية، وتحليل النفايات وازالة التلوث، وتخصيب التربة، ومكافحة الآفات والأمراض الزراعية، وانتاج الغذاء والخشب والألياف.
ان حماية البيئة هي مفتاح التنمية والقضاء على الفقر وتحقيق الرفاهية الاقتصادية والاجتماعية للمجتمعات. وقد أصبح التنوع البيولوجي في خطر في أرجاء العالم نتيجة قلة الوعي بأهميته للبشرية وقصور سياسات الحماية. هذا علاوة على تداعيات تغير المناخ وتأثيراتها على تقلص الأنواع وانقراضها وزيادة تواتر وشدة الفيضانات والأعاصير والعواصف وتناقص الغابات والأراضي الرطبة. وتشير الاحصاءات الى أن نحو 130 نوعاً من الكائنات الحية تنقرض كل يوم، أي بمعدلات تفوق بمئات المرات المعدل الطبيعي قبل خمسين عاماً مضت. وذلك بفعل أسباب طبيعية وأخرى غير طبيعية مثل النشاط البشري الذي أدى الى استنزاف الموارد الطبيعية وتدمير الموائل.
واستجابة للتطورات البيئية السريعة، أعلنت الأمم المتحدة تخصيص جلسة رفيعة المستوى على هامش دورتها الخامسة والستين المقرر عقدها في أيلول (سبتمبر) الحالي، يشارك فيها قادة العالم لاقرار الأجندة الدولية الجديدة لحماية التنوع البيولوجي، تمهيداً لاعتمادها في المؤتمر العاشر لاتفاقية التنوع البيولوجي المقرر عقده في اليابان في تشرين الأول (أكتوبر) المقبل. وجاء اعلان كوساكو لقمة الثمانية مؤكداً أهمية صون التنوع البيولوجي وضرورة أن تتخذ دول العالم التدابير المناسبة لتعديل سياساتها البيئية للتصدي للفقد الحاصل فيه.
ان السياسات الدولية الجديدة التي يطرحها النظام الدولي الجديد للتنوع البيولوجي تتبع نهجاً مبتكراً في حماية كوكب الأرض، وتعزز مبدأ أن المتسبب في ضرر للبيئة يجب أن يتحمل كلفة الضرر، والمستفيد من خدمة النظام البيئي يجب أن يساهم أيضاً. دليل على ذلك تغريم الشركة المسؤولة عن الكارثة النفطية التي حدثت في خليج المكسيك مؤخراً بمبلغ 22 بليون دولار نتيجة الأثر السلبي الذي ألحقته بالنظم البيئية في المنطقة. ومن الأمثلة الأخرى أن الخطة الوطنية التي وضعتها حكومة فيتنام لحماية نبات المنغروف ادت الى توفير نحو 7,3 مليون دولار تم استخدامها في اقامة محميات طبيعية وصون التنوع البيولوجي في مناطق أخرى. وتمنح الولايات المتحدة أكثر من 1,7 بليون دولار سنوياً للمزارعين من أجل حماية البيئة والحياة البرية. وينفق الاتحاد الأوروبي نحو 4,5 بليون يورو (6 بلايين دولار سنوياً) لحماية البيئة والموارد الطبيعية، وقد مكن هذا البرنامج دول الاتحاد من حماية 37 مليون هكتار من المناطق الزراعية وتحسين معيشة المزارعين وتحقيق أرباح مضافة تستخدمها الدول في صون التنوع البيولوجي. وفي الهند تلزم شركات التأمين المواطنين بتسديد رسم اضافي لحماية الفيلة. وتدرس بعض شركات الطيران إلزام المسافرين برسم اضافي على كل تذكرة سفر لتعويض مساهمتهم في زيادة الانبعاثات المسببة للاحتباس الحراري.
وفي هذا الاطار، يقترح النظام الدولي الجديد جدوى التآزر بين الاتفاقية الدولية للتنوع البيولوجي واتفاقية كيوتو لتغير المناخ، وإدماج البعد الحمائي للتنوع البيولوجي في الآليات المالية المتوافرة لحماية المناخ، ومساهمة الدول والقطاع الخاص والبنوك في تمويل صون الطبيعة، مثل بنوك المحميات الطبيعية وحماية الغابات التي أنشأتها الولايات المتحدة وماليزيا، وبنوك التنوع البيولوجي في أوستراليا، وبنوك الأراضي الرطبة في الولايات المتحدة التي يبلغ حجم استثماراتها بلايين الدولارات.
تعبر السياسات الدولية الجديدة لحماية الطبيعة عن استيعاب الأهمية العظمى للخدمات التي توفرها النظم البيئية البشرية. وتدعو الى الاهتمام برفع الوعي البيئي لدى الجمهور، خصوصاً طلاب المدارس والجامعات، وادماج ذلك البعد الهام في السياسات. فوفقاً للاحصاءات التي أجراها الاتحاد الأوروبي، لا يعرف 4 من كل 10 أطفال أوروبيين الفارق بين الدبور والنحلة مثلاً. فهل يدرك الطفل العربي ـ بل حتى الراشد العربي ـ ما هو التنوع البيولوجي وأهميته، وما هو الاحتباس الحراري وتأثيراته البالغة على صحة الانسان وانتشار الاوبئة، وأهمية الحفاظ على المياه وترشيد الاستخدام، وخسارة الأراضي الرطبة وأثر ذلك على انقراض بعض أنواع الحيوانات والنباتات المفيدة للبيئة والبشر؟
ان الاتجاه الدولي الجديد يرسخ مبدأ حق الشركات والأفراد في الاستثمار ولكن بشرط احترام كوكب الأرض، وأن يساهم القطاع الخاص في تعويض الضرر الحاصل للبيئة بتحمله جزءاً من الكلفة. فمن المؤسف أن يظل الانسان يأخذ من الطبيعة مجاناً ويهدر الموارد من دون أن يمنح الطبيعة حقها في الاستمرار. كلنا نحيا في كوكب واحد، ومن حقنا الاستمتاع بالموارد الطبيعية التي حبانا الله بها، ولكن ليس على حساب كائنات أخرى تمنحنا الحياة وهي أساس التوازن البيئي على هذا الكوكب.
نرمين وفا رئيسة قسم البرامج والأنشطة في إدارة البيئة والاسكان والتنمية المستدامة في جامعة الدول العربية.
|