تشير الدلائل العلمية إلى أن الأزمة البيئية العالمية تتسارع، وأن القوانين البيئية لم تكن قادرة على عكس هذا الاتجاه. وتُجادِل حركة الاعتراف بالطبيعة كصاحبة حقوق بأنّ القوانين الحالية تنظّم تدمير العالم الطبيعي بدلاً من إيقافه. وعوضاً عن الإصلاح التدريجي لمثل هذه القوانين، يقرّ عدد متزايد من السلطات التشريعية حول العالم بحقوق للطبيعة، وإن كانت هذه الخطوة لا تضمن تماماً سلامة المعالِم الطبيعية.
في كيبيك (كندا)، يتعرّض نهر ماغبي، الذي يبلغ طوله نحو 300 كيلومتر، لتهديدات مختلفة ناجمة عن إنشاء سدّ جديد لتوليد الطاقة الكهربائية. ورغم الجهود المبذولة لحماية النهر، تخشى المجتمعات المحلية من أن يؤدي هذا المشروع لإلحاق ضرر واسع بنظام النهر البيئي. ولذلك أعطت مجالس وبلديات محلية خلال العام الفائت نهر ماغبي صفة "شخصية اعتبارية"، لتوفير أكبر قدر من اليقين حول مستقبل النهر. ويُعتبر هذا الإجراء الأول من نوعه في كندا.
وفي سبتمبر (أيلول) الماضي، وافق مجلس الشيوخ الإسباني على مشروع قانون يكرّس الحقوق الشخصية لبحيرة مار مينور، التي تقع في شرق إسبانيا. وتتعرض البحيرة المالحة، التي تُعدّ الأكبر في أوروبا، لأضرار ناتجة عن الازدهار الطحلبي الذي تغذّيه الأسمدة المتجمّعة في منصرفات الأراضي الزراعية القريبة. ويتسبب هذا التلوُّث بخسائر كبيرة في البلح المروحي، وفرس البحر، وسرطان البحر، وأنواع الحياة البحرية الأخرى، إلى جانب أضرار جمّة في قطاع السياحة.
ولا يَعتبر القانون الجديد البحيرة ومستجمعات المياه فيها بشريين بالكامل، لكنه يعطي النظام البيئي حقاً قانونياً في الوجود، والتطور بشكل طبيعي، والتعافي. ومثل أي شخص اعتباري، يوجد للبحيرة أوصياء قانونيون، بما في ذلك لجنة علمية ستمنح المدافعين عن البحيرة صوتاً جديداً.
وفيما تُعتبر بحيرة مار مينور أول نظام بيئي في أوروبا يحصل على مثل هذه الحقوق، إلا أنّ هذا النهج في الحفاظ على الطبيعة اكتسب شعبية كبيرة في جميع أنحاء العالم على مدار العقد الماضي. وعلى سبيل المثال، تمّ منح نهر الغانج وكل نهر في بنغلادش صفة الشخصية الاعتبارية منذ عام 2019، وفي أماكن أخرى ساعدت مفاهيم بعض مجتمعات السكان الأصليين في الدفع بهذا الاتجاه.
ويرى كثيرون أن أبرز قصة نجاح في هذا الشأن هي نهر وانغانوي في نيوزيلندا، الذي تمّ منحه حقوقاً قانونية بموجب قانون صادر عن البرلمان عام 2017. ومثل أي شخص، يمكن لأوصياء النهر رفع دعاوى قانونية، وإبرام العقود، وحيازة الممتلكات. وفي هذه الحالة، لم يكن الهدف وقف التلوُّث، بل دمج علاقة الماوريين (السكان الأصليين لنيوزيلندا) مع الطبيعة في القانون الغربي.
ولا يُعدّ منح الحقوق القانونية لغير البشر ثورياً في حد ذاته، أو غير عادي. ورغم أن الاعتبارات الأخلاقية تؤثر غالباً على تطور الحقوق القانونية، والعكس صحيح، فإنه لا يلزم أن يكون للحقوق القانونية أساس أخلاقي. ويمكن للقانون أن يمنح الحقوق لجميع أنواع الكيانات، إذا وجد سبب للقيام بذلك، ومن ذلك مثلاً الشركات والنقابات والدول التي تتمتع بكيانات قانونية لها حقوق وعليها واجبات ينص عليها القانون. وفعلياً، لا يجِد النظام القانوني صعوبةً في الفصل بين الحقوق غير الإنسانية.
وتقدّم حقوق الطبيعة مزايا تفتقر إليها أنواع أخرى من الحماية القانونية للبيئة. فعلى سبيل المثال، لن تحمي حقوق الإنسان في العيش ضمن بيئة صحية الأنواع التي يتعارض وجودها مع الأنشطة البشرية. ويمكن لقوانين الحفظ، مثل قوانين حماية الأنواع المهددة بالإنقراض، أن توفّر حماية الأنواع ولكنها لا تمنحها الحق في الوجود، وبالتالي، يمكن إزالة هذه الحماية في أي وقت حسب رغبات المشرّعين.
إذا تم الاعتراف بحقوق الأنواع الحيّة ككيانات قانونية بدلاً من ذلك، يمكن لممثلي الأنواع طلب التعويض عند تعرضها للأذى، حتى عندما لا تكون محمية بشكل صريح بواسطة اللوائح، وعندما تتعارض احتياجاتها مع احتياجات الإنسان. يمكن تفسير ذلك على أنه محاولة من قبل مجموعة مصالح واحدة (البشر) لفرض إرادتها على الآخرين (الأنواع الحيّة). وكما هي الحال مع الأشكال الأخرى من الحقوق، يمكن أن تؤدي حقوق الطبيعة إلى تعويضات عندما تفشل اللوائح في تصحيح المظالم.
ولم تُسفِر محاولات الدفاع عن حقوق الطبيعة من خلال النظام القانوني سوى عن نتائج محدودة حتى الآن. وكانت الإكوادور وبوليفيا لعبت دوراً رائداً في الاعتراف بحقوق الطبيعة، ومع ذلك لم ينجح أيّ منهما في إبطاء تدهور بيئتهما. ورغم أن بعض قرارات المحاكم استندت إلى حقوق الطبيعة، وأسفرت عن نتائج إيجابية للبيئة، إلا أن السياسات الضارة بالبيئة في البلدين لم تتوقف.
ومن ناحية أخرى، لم تنجُ بعض محاولات الاعتراف بحقوق الطبيعة من الطعون القانونية. وعلى سبيل المثال، تمّ اعتبار القانون المحلي الذي أصدرته بلدة غرانت تاونشيب في ولاية بنسلفانيا الأميركية للاعتراف بحقوق المجتمعات الطبيعية والنظم البيئية في الوجود والازدهار والتطور الطبيعي تشريعاً استباقياً لقوانين الولاية وانتهاكاً لحقوق الشركات. ويعزز هذا المثال المخاوف من استخدام حقوق الطبيعة كذريعة لتمرير مصالح أخرى تحت غطاء حماية الطبيعة.
إحدى الإشكاليات الأخرى في منح المعالم الطبيعية ومجتمعات الأنواع الحيّة صفة الكيان القانوني هي كيفية الفصل في النزاعات بين حقوق الطبيعة وحقوق ومصالح الشركات، أو حتى حقوق الإنسان. وتمثّل هذه الإشكالية المؤشر الحقيقي على فعالية حماية حقوق الطبيعة.
ورغم أن حقوق الطبيعة لا تهدف عادةً إلى وقف جميع الأنشطة البشرية، إلا أنها تسعى لجعل الأنشطة الأكثر تدميراً للبيئة غير شرعية من وجهة نظر قانونية. على سبيل المثال، إذا كان لقِطعان أبقار المها حقوق في موطنها الطبيعي، فيمكن للمحاكم اعتبار الاستيلاء على موائلها والرعي الجائر في مناطق انتشارها غير قانوني، حتى لو لم يكن محظوراً صراحةً بموجب القوانين البيئية الحالية.
إن الفصل في النزاعات بين حقوق الطبيعة والأنشطة البشرية سيبقى مثار جدل، لأنها تنتشر على نطاق واسع ومنهجي. ولكن من الواضح أن الطبيعة تخسر أكثر عندما لا تملك حقوقاً إزاء مصالح الناس والشركات، وقد يساعد منح الطبيعة بعضاً من حقوقها في الإقلال من الخسائر.